حقوق الإنسان في السعودية 2019: سرطان الطغيان

21 يناير، 2020

لقراءة التقرير بصيغة PDF أضغط هنا

مقدمة:

نعتقد في المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، إن العام 2019 كان الأكثر سوءاً في العقود الأخيرة من تاريخ البلاد، وذلك ليس تهويناً من الفظاعات التي حصلت في الأعوام السابقة له، إنما نتيجة طبيعية لغياب تأثير المجتمع المدني والمثقفين المستقلين في حالة حقوق الإنسان في السعودية، وسيطرة طرف واحد على كافة تفاصيل المشهد، وفق غرائزه الاستبدادية، وهو يتجه في طريق منحدر لا تبدو معالم لنهايته.

ذلك إن المشهد الحقوقي في البلدان التي تتشارك فيها قوى متعددة، تتم صياغته في مشهده النهائي، وفق مساهمات وتدافع كل الأطراف المشتركة في الفضاء العام، ويوجد بينها أطراف نحو اليمين واليسار وما بينهما، حيث تشترك الأحزاب، والإعلام المستقل، والسلطة القضائية المستقلة، والمجتمع المدني، والشارع، في رسم الحالة الحقوقية، ويتفاعلون جميعهم أيضاً مع الفضاء الدولي العام، وبالمؤسسات الدولية وما ترسمه من خطوط وتصيغه كتوصيات. كل تلك القوى والجهات، تتفاعل فيما بينها وتنتج سمة وملامح حقوقية في البلدان التشاركية.

على العكس تماماً، تشهد السعودية منذ 2015، على وجه الخصوص، تدميراً وسحقاً وإستئصالاً لكل القوى المتنوعة. فقد دُمر المجتمع المدني بشكل كبير جداً، فلا توجد -تقريبا- أي تشكلات مدنية مستقلة أو حتى أفراد. كما عدلت بعض الأنظمة واستحدثت بعض التغييرات، لتصبح أجهزة نظام العدالة والأجهزة التنفيذية موصولة بالملك مباشرة، وتغلق أي احتماليات لاستقلاليتها ولو بنسبة دنيا. كذلك تنوعت حملات الاضطهاد بين القتل التعسفي أو الاعتقالات الترهيبية، وطالت الكثير من الفئات التي لم يكن يُتصور استهدافها يوماً. هذا المشهد داخليا، أما على الجانب الخارجي، فلم تكترث السعودية للمؤسسات الدولية، واستمرت في محاولات التضليل، والتفلت من التزاماتها، وبدى واضحاً الغطاء الذي يوفره حلفائها السياسيين -في الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية- المستفيدين من العوائد الإقتصادية، ويبدو أن السعودية معتمدة على غطاء هذه التحالفات وتستمد شراستها مما يوفروه من دعم، وبهؤلاء الحلفاء اللذين ليس بين أولوياتهم حثها جدياً على احترام الحقوق، تندفع في إنتهاكات وجرائم ضد الإنسانية، بل إن بعضهم مشاركين ودافعين، كدعم الولايات المتحدة الأمريكية للحرب على اليمن.

كل ما ذكر، جعل من البلاد كالجسد الفاقد للمناعة، وخلت البلاد لفيروس الإستبداد، يتوغل في أعضائه وخلاياه، لتصبح السعودية اليوم جسداً عليلاً يئن تحت وطأة الحقوق المنتهكة. لذا فكل عام يمر على البلاد، من دون أن تكن لأطراف مستقلة دور في المساهمة في المشهد الحقوقي، ومع دور أحادي للملك سلمان وابنه، فسيكون أسوأ من سابقه، كنتيجة طبيعية للسير في منحدر.

إذن، بات من الواضح الرغبة الشديدة للحكومة السعودية في القضاء على كل القوى والأصوات الداخلية التي تنادي بالحقوق، وبات من المعتاد التجريم لكل صوت مطلبي أو نقدي، بل لوحظ أن هذا العهد، لديه حساسية مرتفعة ضد أي نقد، وهذا ما يفسر الإستهداف الغير مسبوق للنشاط المدني الموجود في الخارج، والذي لم يكن موجوداُ بهذه الصورة في ما سبق من عهود.

أقفل 2019 دون أن يقدم دلالات على تحسن قد يطرأ في 2020، بل إنه أختتم بمشهد هزلي، تمثل في حكم بُرأ فيه مسؤولين كبار متورطين في جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في إسطنبول، حكما أفصح عن نوايا بالمزيد من الاستهتار لحقوق الإنسان.

ملاحظة من المحرر

فيما يلي ملخص للانتهاكات التي وقعت في 2019. لا يحاول هذا التقرير تلخيص حالة حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية بأكملها؛ لأن ذلك يتطلب صفحات أكثر بكثير. بدلاً من ذلك، يسعى إلى توفير صورة جزئية عما حدث في 2019 فقط.

أولاً: الانتهاكات الحقوقية

1- المدافعات والمدافعون عن حقوق الإنسان والنشطاء

خلال العام 2019، زادت الحكومة السعودية من إحكام الطوق على المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، من خلال الملاحقات والاعتقالات والمحاكمات، إلا أن اللافت كان توسيع دائرة الانتهاكات إلى خارج السعودية، من خلال استهداف النشطاء المقيمين في الخارج، عبر أساليب مختلفة.

في يوليو 2019 فتحت الحكومة السعودية قضية جديدة بتهم جديدة، للمدافع عن حقوق الإنسان محمد العتيبي، بينها التهرب من المحكمة والسفر إلى قطر والتواصل مع جهات خارجية والتدخل في الشأن العام، وذلك بعد أن حكمته بالسجن 14 عاماً في المحاكمة الأولى التي أدانت فيها أيضاً زميله المدافع عن حقوق الإنسان عبدالله العطاوي، بتهم بينها المشاركة في تأسيس منظمة الإتحاد لحقوق الإنسان. استهداف العتيبي جاء بعد 3 أشهر على إصدار الفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي رأيه في قضيته ومطالبته بالافراج عنه وتأكيد أن اعتقاله يؤكد وجود منهجية واسعة النطاق في الإعتقال التعسفي.

لم يكن العتبيي هو الوحيد الذي تقام له محاكمة ثانية بعد صدور حكم سابق، فقد فتحت السعودية قضية جديدة ضد المدافع عن حقوق الإنسان الشيخ محمد الحبيب، وفي أغسطس 2019 أصدرت حكما ثانياً ضده بتهم بينها إلقاء الخطب والسفر إلى خارج البلاد مع علمه بكونه ممنوع من السفر وأن لديه موعد لدى المحكمة، وتأييد الشيخ نمر النمر. الحكم الذي صدر يزيد مدة اعتقال الشيخ الحبيب إلى 12 عاماً وذلك على الرغم من كافة الانتهاكات التي انطوت عليها قضيته، والتي كان قد أكدها تحليل قانوني أصدره الخبير في القانون الدولي والشريعة البروفيسور محمد فاضل.

إحكام الطوق لم يستثن المدافعات عن حقوق الإنسان، حيث تستمر الحكومة السعودية باعتقال بعضهن منذ قرابة عام ونصف ولم تصدر أحكام بحقهن بعد. ومن بينهن لجين الهذلول، ونوف عبدالعزيز، ونسيمة السادة وسمر بدوي.

إلى جانب الطوق الذي تفرضه الحكومة السعودية على المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان في الداخل، زادت الانتهاكات بحق النشطاء المقيمين في الخارج. ففي 5 مايو 2019، تم استهداف طالب الدكتوراة في القانون الدستوري حمزة الكناني، وذلك بعد ثلاثة أيام على إعلانه مناصرة ضحايا القمع في البلاد، قام أفراد من المباحث السعودية بمداهمة منزل أسرته بمحافظة مكة المكرمة، واستولت على أغراضه الشخصية، وتم استدعاء إخوانه وأبناء عمومته للتحقيق عدة مرات، وتم منع عدد من أفراد أسرته من السفر.

وفي أغسطس 2019 مر عام على منع خمسة أطفال وأمهم من السفر، وحرمانهم منذ قرابة عام من لقاء أبيهم الناشط علي هاشم الحاجي المقيم في الخارج. وكانت عائلة الحاجي فوجئت بإيقافها في مطار الملك فهد الدولي بالدمام أثناء قدومهم من لبنان للسعودية في زيارة قصيرة لذويهم، وصُودرت جوازات سفرهم، وأجبروا على التبصيم على أوراق لم تعرف الزوجة محتواها، وأُخضعت للتحقيق في المطار لمدة 3 ساعات، تلا ذلك إستدعاءات متتالية من قبل المباحث العامة في الدمام والأحساء.

في سبتمبر 2019، دخل قرار السعودية منع عائلة الناشط الشيخ د. سعيد الغامدي من السفر وفرض الإقامة الجبرية عليهم في الداخل، عامه الثاني. عائلة الغامدي المكونة من 11 طفلا، تتراوح أعمارهم من 3 إلى 11 عاما، إلى جانب أمهاتهم، منعوا من السفر منذ حملة الاعتقالات التي شنتها السعودية في سبتمبر 2017 ضد أكاديميين ورجال دين ونشطاء، حيث منعوا من السفر عندما كانوا في طريقهم لزيارة أبيهم.

2- التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية واللا إنسانية

لم ينتج عن انضمام السعودية لاتفاقية مناهضة التعذيب منذ العام 1997، إي إلتزام بإيقاف التعذيب أو مكافحته، بل أن السعودية مستمرة في إستغلال انضمامها للاتفاقية، بالإشادة بنفسها على المستويين الإعلامي والدولي، بالإضافة إلى نفيها المستمر أمام مجلس حقوق الإنسان وفي ردودها على رسائل المقررين الخاصين للأمم المتحدة، ممارستها لأي تعذيب نفسي أو جسدي، بالرغم من شكاوى التعذيب الكثير التي قدمها الضحايا أمام المحاكم السعودية.

أثبتت جرائم تعذيب المدافعات عن حقوق الإنسان التي إنتشرت بشكل واسع على المستوى المحلي والعالمي، خصوصاً  في الربع الأخير من 2018، وما أعقبها حتى نهاية 2019 من عدم محاسبة أحد رغم مطالب الضحايا وذويهم، إنه لا يوجد في السعودية نظام قضائي عادل ومستقل بامكانه محاسبة المسؤولين المتورطين بجرائم التعذيب. حيث أن إشراف جهاز رئاسة أمن الدولة -الذي يرجع للملك سلمان مباشرة- على التعذيب، يدلل على إتصال الملك وابنه مباشرة بجرائم التعذيب المتوسعة في البلاد، ما يجعل من المستحيل محاسبة المُعذّبين في الداخل، مع عدم وجود جهاز نيابة عامة مستقل يمكنه تحريك دعاوى إرتكاب جرائم التعذيب وسيطرة الملك وابنه المطلقة على السلطة.

وفي سياق الإعدامات السياسية التي تزايدت، وخصوصاً منذ 2016، وجدت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، ومن خلال العديد من الحالات، أن التعذيب بات إحدى المراحل السابقة لصدور الأحكام الجائرة، ومنها أحكام الإعدامات السياسية، ومنها مجزرة أبريل 2019 التي قتلت فيها 37 سجيناً، كان من بينهم أفراداً تعرّضوا لأنواع مختلفة من التعذيب بهدف انتزاع اعترافات، استخدمت فيما بعد في محاكمتهم، ولم يكترث أي من القُضاة لشكاواهم العديدة من التعذيب.

المواطن عباس الحسن كان ضمن ضحايا مجزرة أبريل، عُذب في التحقيق الذي امتد لشهور، وتجاهلت السعودية طلب المقررين الخاصين في مجلس حقوق الإنسان بالتحقيق في مزاعم التعذيب التي تعرض لها. لم يقتصر التعذيب والمعاملة المهينة والحاطة بالكرامة التي تعرض لها الحسن على فترة التحقيق فقط، بل امتد حتى ما بعد صدور حكمه النهائي بالإعدام وتحويل قضيته لرئاسة أمن الدولة لتنفيذ الإعدام، في مشهد ينم عن التشفي والعبثية، حيث تعرض خلال شهر يناير 2019، أي قبل 3 شهور من قتله، لمضايقات عدة بينها تعذيب جسدي ونفسي. في أغسطس 2019 عبّر الفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي في مجلس حقوق الإنسان عن مدى الرعب والصدمة مما تعرض له الحسن وهدر حقه في الحياة بإعدامه تعسفاً وتجاهل شكاوى تعذيبه.

الانتقادات المتتالية للتعذيب وعدم عدالة المحاكمات لم تغيّر من نهج السعودية في قضايا الإعدام، حيث لا زالت تطالب بقتل أفراد عُذِبوا بوحشية وانتزعت منهم الإعترافات تحت الإكراه، ومن بينهم المدافع عن حقوق الإنسان حسين الفرج الذي طالبت النيابة العامة بصلبه، على خلفية نشاطه في قيادة المظاهرات وتصويرها والمشاركة في مسيرات تشييع جنائز متظاهرين قتلتهم القوات الحكومية. الفرج كان قد أخضع لأنواع وصنوف متعددة من التعذيب تشفياً وبهدف انتزاع اعترافات، بينها قلع أظافره وتعريته والصعق الكهربائي، وفيما أكد الفرج تعرضه للتعذيب أمام القاضي، فإن محاكمته قائمة ولايزال مطلب القتل من النيابة قائماً، ولم يعرف أن النيابة أو القضاء بدأوا أي خطوات في محاسبة من عذبوه.

تساند دول الخليج، الحكومة السعودية فيما تقوم به من انتهاكات وتعذيب، فقد تواطئت سلطنة عمان وأعادت قسرياً في 5 مارس 2019 الشاب أمجد طارق الفرج إلى السعودية، الذي كان قد غادر البلاد خشية الاعتقال والتعذيب، ما يعد إنتهاكاً لمبدأ عدم الإعادة القسرية، التي يحظرها القانون الدولي العرفي للأشخاص الذين قد يتعرضون للتعذيب وضروب سوء المعاملة بعد إعادتهم للبلد الذي هربوا منه، وغالبا تمارس السعودية التشفي والتنكيل في الأفراد الذين يحاولون الفرار من قمعها، كما حصل مع المدافع عن حقوق الإنسان محمد العتيبي وبرز ذلك في حكمه القاسي وفي فتح محاكمة ثانية له، ما يثير المخاوف من تعرض أمجد للتعذيب والمحاكمة الجائرة.

وضمن الممارسات التي توضع ضمن جريمة التعذيب، لوحظ من خلال بعض الحالات، أن السعودية بدأت بإطالة الفترات التي تضع فيها النشطاء في السجن الإنفرادي. فمنذ يناير 2019، عزلت المدافعة عن حقوق الإنسان نسيمة السادة في زنزانة انفرادية من دون مبررات أو معرفة سقف للمدة، ولم تُخرج من الإنفرادي بنهاية العام.

لاتستثني السعودية المسنين والمسنات من التعذيب، وقد أفاد تقرير صادر عن منظمة القسط لحقوق الإنسان، تعرض السيدة المسنة عايدة الغامدي لتعذيب مؤلم ومهين، والتي أُعتقلت على خلفية تلقيها هدية نقدية من إبنها الناشط عبدالله الغامدي المقيم في لندن.

تكاثر حالات التعذيب، ووصوله لمراحل متقدمة من البشاعة والوحشية، وانعدام المحاسبة، كلها عناصر أكدت أن ما يحدث في السعودية ليس ممارسة فردية، بل عمل مؤسساتي بأوامر عليا من الملك وولي العهد، وهما من يوفرا الحماية. وقد تزامن صعود مستوى التعذيب وكثرته بتأسيس جهاز رئاسة أمن الدولة في يوليو 2017 الذي يرتبط مباشرة بالملك، ما يجعل جرائم التعذيب التي يرتكبها في السجون السياسية أو غيرها، تقع في مسؤولية الملك مباشرة. إرتباط الأجهزة القمعية بالملك، وفي ظل عدم وجود فصل للسلطات، يجعل من إمكانية المحاسبة في حكم الاستحالة، ويجعل الإفلات من العقاب هو النتيجة الإعتيادية لجرائم التعذيب الرسمية الواسعة الإنتشار.

3- شروط المحاكمات العادلة

في مارس 2019، وخلال الدورة الأربعين لمجلس حقوق الإنسان، قال رئيس وفد السعودية أمام مجلس حقوق الإنسان بجنيف رئيس هيئة حقوق الإنسان السابق الدكتور بندر العيبان، خلال جلسة اعتماد التقرير الإضافي للفريق العامل المعني بالاستعراض الدوري الشامل (UPR)، أن القضاء يمارس سلطته المتوافقة مع مبادئ استقلال القضاء المتعارف عليها دولياً. على النقيض من هذه الادعاءات، استمرت السعودية في إصدار أحكام قاسية بناء على محاكمات افتقدت لأدنى شروط العدالة، وصلت في بعض الحالات إلى الإعدام، وقد رصدت المنظمة صدور عشرات الأحكام في 2019 عن المحكمة الجزائية المتخصصة التي تعرف أيضاً باسم محكمة الإرهاب، من بينها عدة أحكام بالإعدام. تعتقد المنظمة أن الأحكام الصادرة خلال 2019 في القضايا السياسية أكثر مما تمت معرفته من قبل المتابعين من منظمات وإعلام، ويتعذر إحصائها جميعاً بسبب عدم علنية المحاكمات، وبسبب تكتم الضحايا وذويهم جراء الترهيب الذي تمارسه السلطات المعنية.

أما فيما يتعلق بمحاكمات القضايا الجنائية فهي ايضاً تبتعد كثيراً عن شروط المحاكمات العادلة، وقد رصدت المنظمة حكم قتل الطفل عبدالله الحويطي، الذي أحتوى على الكثير من الخروقات الشنيعة، والذي أُتهم بالقتل. وقد تفوق الأحكام الجنائية التي تصدر سنوياً ألف حكم. فعلى سبيل المثال، ووفق بيانات وزارة العدل، أصدرت المحاكم في عام 1435 هـ (5 نوفمبر 2013 حتى 25 أكتوبر 2014) 1104 حكماً في قضايا جنائية متنوعة، جميعها لاتحظى بمراقبة علنية من المجتمع المدني.

في 18 فبراير 2019 أصدر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال زيارته إلى باكستان، أمراً بالإفراج عن 2107 سجناء باكستانيين في بلاده بشكل فوري. هذا القرار أظهر هامشية نظام العدالة أمام الصلاحيات المطلقة لولي العهد وعدم تمتعه بالاستقلالية.

حين مقارنة شروط المحاكمات العادلة، مع ما يحدث في السعودية، وخصوصاً في القضايا السياسية، يتضح أن هناك شبه انعدام لشروط العدالة. فقبل بدء المحاكمات، تحدث الكثير من الإنتهاكات والجرائم، ومن بينها الإعتقال التعسفي والإخفاء القسري. ففي 4 أبريل 2019 شنت الحكومة السعودية حملة اعتقالات شملت كتابا ومدونين ونشطاء، تجاوز عددهم الخمسة عشر، من بينهم الطبيبة شيخة العرف وزوجها المحامي والناشط عبد الله الشهري الذين اعتقلا سوية بعد مداهمة منزلهما في الرياض، والكاتبة خديجة الحربي وزوجها الكاتب والناشط في مواقع التواصل الإجتماعي ثمر المرزوقي، كذلك صلاح الحيدر إبن المدافعة عن حقوق الإنسان عزيزة اليوسف، والصحفي والروائي عبدالله الدحيلان، والكاتبين محمد الصادق وبدر الإبراهيم الذي يعمل بمهنة الطبيب. وقد تعرض عدد منهم للاختفاء القسري لمدد متفاوتة.

كما تعمد السعودية في حالات أخرى إلى إطالة مدة عزل المعتقلين، مثل حالة الشيخ سمير الهلال المعتقل منذ ديسمبر 2015، والذي يقبع -ولايزال حتى نهاية 2019- في عزلة عن العالم الخارجي بلغت 46 شهراً. هذا العزل البالغ الطول، يشكل تربة خصبة لمختلف أنواع الإنتهاكات، والمعاملة المهينة والحاطة بالكرامة، كما يفصح عن حرمان واسع من الحقوق البديهية والأساسية، كحق المثول أمام محكمة على وجه السرعة، ومعرفة التهم، وإمكانية الدفاع عن النفس وغيرها.

استمرت الحكومة السعودية بتوظيف قوانينها المعيبة، كنظام جرائم المعلوماتية و نظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله، في محاكماتها التي تستهدف بها النشطاء والناشطات، على الرغم من الانتقادات التي وجهت لأحكامها القضائية، وخاصة من قبل المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، السابق، بن إميرسون، في تقريره الذي نشر أثناء الدورة 40 لمجلس حقوق الإنسان في فبراير 2019، على إثر زيارته للسعودية.

وفي مارس 2019 أعلنت النيابة العامة السعودية في بيان لها، أنها انتهت من تحقيقاتها ومن إعداد لوائح الدعوة العامة ضد أشخاص قُبض عليهم من قبل رئاسة أمن الدولة، وأنها بصدد إحالتهم للمحكمة الجزائية المتخصصة. الأفراد الذين أحيلوا إلى المحكمة الجزائية المتخصصة هم معتقلين ومعتقلات من رائدي ورائدات المطالبة بحقوق المرأة وخاصة الحق في القيادة. بعد ذلك، ومن دون أي تفسير قانوني غُيرت المحاكمة من محكمة الإرهاب إلى المحكمة الجزائية التي تختص بالحكم في القضايا الجنائية، ما يوضح غياب المعايير.

وبسبب الخلل في النظام القضائي وانعدام إمكانية القيام بدفاع قانوني حقيقي، اسهمت المنظمة الأوروبية السعودية في تنظيم مؤتمر صحفي، للدفاع عن ضحايا التعسف والظلم، كالسجين الأردني حسين ابو الخير، والشيخ سلمان العودة الذي قام إبنه الدكتور عبدالله بتفويض المحامي الدولي فرانسويز زيمراي. كما تشاركت مع نقابة المحامين الأمريكية ABA لإصدار تحليل قانوني للتهم الموجهة للمدافعين عن حقوق الإنسان إسراء الغمغام وزوجها وزملائهم والذي تطالب النيابة العامة بإعدامهم بموجبها. كما قامت المنظمة بتحليل صكوك أحكام تخص 27 متهماً، وتحليل لوائح تهم تخص 7 معتقلين، ووجدت أن النيابة العامة والقضاة يستخدمون منهجاً متطرفاً لتبرير إعدام وقمع المعارضين، كما في حالات المدافعين عن حقوق الإنسان عصام كوشك، وعبدالعزيز الشبيلي.

4- حقوق المرأة

بعد سنوات من النضال النسوي الذي قادته ناشطات ومدافعات عن حقوق الإنسان، للمطالبة بحقوق الإنسان عامة وبحقوق المرأة خاصة، وردة الفعل القمعية العنيفة من قبل الحكومة، وما تضمنته من اعتقالات وتعذيب ومحاكمات تفتقر لشروط المحاكمات العادلة، لم تخجل الحكومة السعودية من الترويج لما وصفته بإصلاحات جذرية في ملف حقوق المرأة.

فبعد التوقف عن حرمانها من قيادة السيارة، وبعد ضغوط التيار النسائي الذي ضغط للوصول لبعض التصحيحات القانونية، صدر في يوليو 2019 مرسوم ملكي حول بعض المواد القانونية المتعلقة بالمرأة.

بموجب هذه التصحيحات تم تعديل جزئي في أربعة أنظمة حكومية، والتي أفضى العمل بها على مدى عقود إلى إبقاء المرأة رهينة الرجل في كثير من قراراتها وتحركاتها. التعديلات التي نشرتها الصحيفة الرسمية أم القرى، شملت (نظام وثائق السفر) و (نظام الأحوال المدنية) و (نظام العمل) و (نظام التأمينات الإجتماعية).

التصحيحات قُدمت في وقت لاتزال إنتهاكات وجرائم مريعة تقع على المرأة، بين السجن والمحاكم، وعدم اكتراث بشكاوى التعذيب الشديد والتحرش الجنسي الذي تعرضت له المدافعات عن حقوق الإنسان، إلى جانب استمرار منع العديد من النساء من السفر بشكل تعسفي، وأنباء من وقت لآخر عن إستدعاءات لنساء والتحقيق معهن، ووضعهن تحت ضغوط الخوف والقلق من الاعتقال، وغيرها من إنتهاكات تمتنع ضحاياها عن البوح، خوفاً من الإنتقام. تشير الإحصاءات المتوفرة لدى المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان إلى إعتقال 7 نساء في 2019، بينهن مريم آل قيصوم وميساء المانع ومها الرفيدي، من مجموع 69 سيدة أعتقلن في السنوات الأخيرة، وقد تندرج جميع إعتقالاتهن ضمن الإعتقالات السياسية، ومن بينهم العديد من الناشطات والمدافعات عن حقوق الإنسان.

أدت الاعتقالات في صفوف المدافعات عن حقوق المرأة، إلى تقلص الجرأة لدى النساء في داخل البلاد، ولكن لاتزال هناك مطالبات حذرة في عدد من الملفات، مثل الأوضاع المأساوية في دور رعاية الفتيات، والتعنيف الأسري، أو قضايا انعدام الجنسية لأبناء السعوديات المتزوجات من أجانب. المطالبات تظهر في موقع تويتر غالباً، دون وجود إمكانية للناشطات من ترتيب نشاطهن في جمعيات منظمة ومختصة، بسبب القيود على المجتمع المدني، كما إن أي حديث علني في الانتهاكات الغير مسبوقة التي تتعرض لها النساء في عهد الملك سلمان، أو الحديث في الحقوق المدنية والسياسية، يجعل من المتحدثات أو المتحدثين، عرضة للقمع.

5- حقوق الطفل

استمرت في 2019 الانتهاكات بحق الأطفال في السعودية، في مخالفة صارخة لاتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها السعودية منذ 1996، وتجاهلاً لملاحظات وتوصيات قدمتها لجنة اتفاقية حقوق الطفل في الأمم المتحدة للسعودية في 2016، تعليقاً منها على الانتهاكات والجرائم التي رفعتها للجنة عدة منظمات.

لا تكتفي السعودية بإعدام المعارضين والمتظاهرين البالغين، بل أنها تشمل الأطفال في إعداماتها، حيث أقدمت على قتل 6 قاصرين ضمن مجزرة أبريل. وهم: عبدالله سلمان آل سريح، مجتبى نادر السويكت، محمد سعيد السكافي، سلمان أمين آل قريش، عبد العزيز حسين سهوي، عبدالكريم محمد الحواج. قال الستة أمام المحكمة أنهم أخضعوا لتعذيب وحشي في فترة التحقيق من أجل التوقيع على اعترافات كتبها المحققين بأنفسهم، لكن القضاة لم يكترثوا لدعاويهم واصدروا أحكام الإعدام بحقهم.

الإعدامات التي طالت الأطفال، أتت ضمن نهج يفتقد فيه الأطفال للأمان، جراء سلوك الحكومة السعودية تجاههم والذي إزداد خطورة في عهد الملك سلمان، حيث أعدم في عهده 10 قاصرين على الأقل، لم يُعرف إن أي منهم قد حظي بمحاكمة عادلة. إضافة إلى ذلك وبحسب رصد المنظمة الأوروبية يواجه حتى نهاية 2019، ثلاثة عشرة قاصرا خطر الإعدام، بينهم علي النمر وداوود المرهون وعبد الله الزاهر الذين يواجهون أحكاماً نهائية، وجلال آل لباد وأحمد الفرج وعلي آل بطي ومحمد حسين آل نمر ومحمد عصام الفرج وعلي حسن الفرج الذين طالبت النيابة العامة لهم بالإعدام ولا زالت محاكمتهم مستمرة.

ولايقتصر خطر الإعدام على الأطفال في الاعتقالات السياسية، حيث وثقت المنظمة قضية الطفل عبدالله الحويطي، المتهم بالقتل، في ظل معلومات تشير إلى براءته، الأمر الذي يفتح إحتمالية واسعة لوجود قاصرين في السجون الجنائية أيضاً يواجهون الإعدام أو أحكاماً أخرى قاسية.

إلى جانب المحاكمات غير العادلة وعمليات الإعدام، يحتمل تعرض الأطفال لأنواع أخرى من الانتهاكات. فلقد تلقت المنظمة شكوى حول قيام موظفين في إحدى دور الملاحظة، وهي السجون المخصصة للأطفال، بالإعتداء الجنسي المتكرر على أطفال معتقلين. وبحسب الشكوى، فإن أغلبهم يخشون الإفصاح عما يتعرضون له، خشية التعذيب والمزيد من التنكيل، ومع انعدام من الثقة في أن تقوم الأجهزة الحكومية بحمايتهم من الإنتقام، ولم يعرف حتى نهاية 2019 قيام النيابة العامة بإجراء أي تحقيقات في الشكوى التي نشرت المنظمة معلومات حولها.

6- الإعدام

بلغت السعودية في 2019، رقماً قياسيا جديداً في أحكام القتل المنفذة، بالمقارنة بما هو متاح من إحصاءات للسنوات السابقة. حيث بلغ 185 إعداما، في حين كان الرقم الأكبر المسجل 157 في 2015، السنة الأولى التي تولى فيها الملك سلمان حكم البلاد. يأتي هذا الصعود الدموي في تنفيذ أحكام الإعدام، على النقيض من الوعد الذي أطلقه ولي العهد في أبريل 2018 بتقليص أحكام الإعدام إلى الحد الأدنى الممكن.

استهلت السعودية الشهر الأول من 2019 بإعدام 4 مقيمين يمنيين بتهمة القتل. وقد شهد 3 منهم في اللحظات الأخيرة قبل قطع رؤوسهم، أن المتهم الرابع ياسين محمد علي، بريئاً من تهمته، لكن السلطات المعنية لم تكترث لشهادتهم، وقطعت رؤوس الأربعة جميعاً. أنذرت هذه البداية الدموية والقاسية، بعام إعدامات غير مسبوق.

بلغت الدموية ذروتها في بداية الربع الثاني من العام، مع مجزرة إبريل التي راح ضحيتها 37 سجيناً، وهي المجزرة الثانية في عهد الملك سلمان، بعد مجزرة يناير 2016 التي قطعت فيها رؤوس 47 سجيناً، كان من بينهم المطالب بالعدالة الإجتماعية الشيخ نمر النمر وأطفال ومتظاهرين.

شملت مجزرة أبريل 2019، قتل 6 أطفال، كما شملت متظاهرين ونشطاء، وكانت المحاكمات التي تسنى للمنظمة رصدها، بعيدة كل البعد عن شروط المحاكمة العادلة، وتعرض معظمهم لتعذيب شديد. الأحكام المنفذة تجاهلت مطالب من الأمم المتحدة بوقف إعدام عدد منهم وإعادة محاكمتهم بعدالة. من بينهم، الشاب منير آل  آدم الذي كانت اللجنة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة قد طالبت بوقف إعدامه. إضافة إلى ذلك، كان من بين الضحايا حيدر آل ليف، الذي سبق أن أكدت السعودية في ردها على شكوى وردتها من آليات الأمم المتحدة، تغيير حكمه من الإعدام إلى السجن 8 سنوات، مشددة إن حكمه صدر بصيغة نهائية، غير أن السعودية قتلته بشكل مفاجيء وصادم، ولم يُحاسب أي مسؤول عن قتله.

بحسب توثيق المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، حتى نهاية 2019، يواجه 47 سجيناً خطر الإعدام في مختلف درجات التقاضي، بينهم 13 شخصاً وجهت لهم تهماً تعود لفترات كانوا فيها قاصرين، ثلاثة منهم أحكامهم نهائية، وهم: علي آل نمر، عبدالله الزاهر، داوود آل مرهون، كما يوجد حكم ابتدائي واحد ضد عبدالله الحويطي. أما الثمانية المتبقون فتطالب النيابة العامة بصلبهم، من بينهم، جلال حسن لباد، محمد عصام الفرج، محمد حسين آل نمر، سجاد ممدوح آل ياسين.

لا يزال أغلب المهددين بعقوبة الإعدام يحاكمون في المحكمة الجزائية المتخصصة بالرياض، بينهم معتقلين من ضمن حملة شرسة شنتها السعودية في سبتمبر 2017، حيث يحاكم الشيخ سلمان العودة والشيخ عوض القرني، بالإضافة إلى الدكتور علي العمري. تطالب النيابة العامة بقتلهم بدون أي تهم جسيمة، بل على خلفية تهم فضفاضة كالانضمام لجماعة الإخوان المسلمين، الإشادة بالاعتصامات والمظاهرات، الإعتراض على بيان الدول المقاطعة لدولة قطر، والانضمام لتجمعات واتحادات علمية مخالفة لمنهج كبار العلماء الرسميين.

كما يتهدد الإعدام الباحث حسن فرحان المالكي، على خلفية تهم معظمها تتعلق بآرائه الدينية وبحوثه التاريخية ومؤلفاته وإمتلاكه لبعض الكتب. حيث اشتهر بآرائه المختلفة عن الإيديولوجية الرسمية ونقد الفكر الديني الرسمي ما تسبب له بمضايقات حادة واستدعاءات وسجن في فترات سابقة. تكشف المطالبة بإعدامه زيف تصريحات ولي العهد محمد بن سلمان وادعاءاته بتعزيز الإعتدال، وتؤكد أنه يستخدم الفكر المتطرف بشكل واسع في مؤسسة القضاء غير المستقلة من أجل تبرير قتل أصحاب الرأي والمعارضين.

وفيما أُقفل 2019 على استمرار محاكمة المدافعة عن حقوق الإنسان إسراء الغمغام، أصدر المحامي الدولي لحقوق الإنسان أوليفر ويندريدج ملاحظات قانونية في مذكرة قصيرة، أشار فيها إلى أن لائحة التهم ضدها وخمسة من المدافعين عن حقوق الإنسان المدرجين معها في القضية، تمثل إنتهاكاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان. بعد ذلك، في فبراير 2019، غيّرت النيابة العامة طلب الإعدام في قضيتها إلى السجن، ما ظهر على أنه مراوغة لم تحقق العدالة، نتجت عن ضغوط واستهجان لطلب إعدامها، بينما استمرت النيابة بطلب إعدام زوجها السيد موسى الهاشم والثلاثة الآخرين: أحمد المطرود، علي العويشير، خالد الغانم، رغم تشابه تهمهم معها إلى حد كبير يصل إلى حد التطابق في أغلب التهم، ما يؤكد عدم وجود معايير موضوعية للعدالة، وخضوع القضاء بشكل تام للحكومة السعودية.

فيما باتت قضية المواطن الأردني المهدد بالإعدام حسين أبو الخير في أخطر مراحلها، بعد نفاذ كافة الخطوات القانونية، وصدور حكم نهائي بإعدامه، وذلك على الرغم من تأكيد الأمم المتحدة انطواء قضيته على إنتهاكات شنيعة، وقد يُقطع رأسه في أي لحظة بعد أن يوقع الملك السعودي -أو من ينيب عنه- على حكم إعدامه.

لم تغير السعودية من سياستها في قتل القاصرين، وبحسب آخر إحصاء المنظمة، فإن عدد من تم إعدامه أو مهدد بالإعدام ارتفع إلى 23 قاصراً، الغالبية العظمى منها تقع ضمن عهد الملك سلمان. وقد أوضحت قضية الطفل مرتجى قريريص شهية السعودية المفتوحة لقتل القاصرين، دون اكتراث إن بعض التهم الموجهة له كانت تشير لسنه حينما كان 11 عاما. النيابة العامة لم تكتف بطلب قتل الطفل مرتجى بل طالبت أيضا بصلبه بعد القتل، وذلك قبل أن يحكم القاضي بسجنه 12 عاما، نتيجة لاستهجان واسع واستنكار للرغبة الشنيعة بقتله، ولازالت قضيته مع نهاية 2019 لم تنته، ولايزال حكم سجنه 12 عاماً منظوراً في الإستئناف في ظل طلب النيابة العامة بقتله.

وفيما يتعلق بقضايا الإعدام، تستمر السعودية بممارسة سياسة احتجاز جثامين الأفراد الذين تم قتلهم بطرق مختلفة، حيث أن الجثامين المحتجزة في 2019 فقط، بلغت 52، ليبلغ العدد منذ 2016 وحتى 2019، ووفق آخر تحديث للمنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان 85 جثماناً، في انتهاك للقوانين الدولية، وإصرار على تعذيب ذوي الضحايا نفسياً عبر حرمانهم من توديع ابنائهم ودفنهم وفق طريقتهم وحرمانهم من زيارتهم.

7- القتل خارج نطاق القضاء

لم تكتفي السعودية خلال 2019 بالقتل وإصدار أحكام القتل عبر القضاء فحسب، بل استخدمت القوة المفرطة بين الأحياء السكنية، ما نتج عنه عدة حالات قتل خارج إطار القانون. فخلال 2019 قتلت القوات -على الأغلب تتبع جهاز رئاسة أمن الدولة الذي يرجع للملك سلمان مباشرة- 22 مواطناً على الأقل، خلال مداهمات متعددة. أولى هذه المداهمات كانت في يناير 2019، حين قتلت 6 مواطنين في مدينة أم الحمام في محافظة القطيف. استمر الإعلام الرسمي بترديد رواياته المعتادة في مثل هذه العمليات، والتي تدين الضحايا وتتهمهم بالتحضير لعملية إرهابية.

في السياق ذاته، قتلت السعودية في أبريل 2019 المواطنين ماجد الفرج ومحمود آل زرع، بينما كانوا يتحركون بسيارتهم، والمواطن الفرج من المطلوبين على قائمة تضم تسعة أشخاص. بحسب مصادر للمنظمة يمتنع بعض الأفراد المطلوبين عن تسليم أنفسهم للجهات الأمنية خشية من التعذيب المميت الذي يُمارس في سجون المباحث، والمحاكمات غير العادلة، والتساهل الشديد في أحكام الإعدام.

قوات الأمن التابعة لرئاسة أمن الدولة شنت كذلك مداهمة صباح سبت 11 مايو، في بلدة سنابس الواقعة ضمن جزيرة تاروت في محافظة القطيف. استمرت المداهمة أكثر من سبع ساعات، استخدمت فيها أسلحة مختلفة بينها 20 آلية من المدرعات العسكرية والمركبات المدنية المصفحة، وقتلت 8 أشخاص، وأحدثت أضرار كبيرة في الممتلكات، حوصرت أثنائها البلدة واستخدام أسلحة ثقيلة، وهدمت بعض المنازل دون أي تبرير.

تنطوي المداهمات التي تدأب السعودية على تنفيذها، على انتهاكات وخروقات وجرائم عديدة، من قبيل القتل خارج نطاق القضاء، وترهيب المدنيين، والاعتقالات التعسفية، وإتلاف الممتلكات، وسرقة بعض الممتلكات من المنازل في بعض الحالات بما في ذلك مبالغ مالية. لايُلحظ أن السعودية تحرص في مثل هذه المداهمات على تدابير لتجنب قتل الأشخاص المستهدفين. كذلك يتعذر في السعودية تقديم شكاوى قضائية على الأجهزة والأفراد الذين يشتركون في المداهمات، بسبب الحماية التي يوفرها لهم الملك وابنه.

8- انعدام الجنسية (البدون)

راوحت قضية الأفراد المحرومين من الجنسية في السعودية مكانها في 2019، على الرغم من تقديم الحكومة السعودية مرارا وعوداً بحل مشكلتهم. وعلى الجانب الآخر، تستهدف المدافعين عن حقوق (البدون) بأنواع مختلفة من القمع والانتهاكات بهدف كم أصواتهم ومنع تداول المعاناة.

مع بداية الموسم الدراسي في سبتمبر 2019، ظهرت معاناة أطفال البدون في الحصول على حقهم الأساسي في التعليم، حيث انتشر عدد من مقاطع الفيديو لأطفال بعد طردهم من المدرسة في أول يوم دراسي على خلفية عدم امتلاك أوراق ثبوتية ومنها فيديو الطفلة نوار العنزي. وفيما تمّ حلّ المشكلة سطحيا، فإن السعودية لا تزال تحرم فئة البدون من كثير من حقوقهم، ومن ذلك الحق الكامل في العمل والحق الكامل في التعليم العالي وغيرها، والتي كانت المنظمة الأوروبية قد وثقت عددا منها في تقارير سابقة.

قضية الحرمان من الجنسية تداولها مقرّرون خاصّون في الأمم المتحدة، حيث وجه كل من المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان للمهاجرين، والمقرر الخاص المعني بشؤون الأقليات، والمقررة الخاصة المعنية بالأشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب، رسالة إلى الحكومة السعودية في فبراير 2019، أشارت إلى قضية كل من خاتم فرج الله ووالده ماجد فرج الله، الفلسطينيين. الرسالة أوضحت أنهما يحملان الجنسية الفلسطينية إلا أنهما بحكم الأمر الواقع باتا في عداد عديمي الجنسية. المقررون أشاروا إلى  أن الحق في في الجنسية معترف به ومحمي بموجب القانون الدولي.

تعاني فئات متعددة في السعودية جراء التطبيق العملي للقوانين التي تتعلق بالجنسية، وكذلك المتعلقة بالإقامة. وبشكل تقريبي، تعتقد المنظمة أن عددهم قد يصل إلى ثلاثة ملايين، بين فئات بلا جنسية، وفئات لديها إقامات بأشكال متنوعة ولكنها تعاني من تعقيدات وصعوبات جمة.

9- حرية الرأي والتعبير

خلال 2019 تزايدت القيود على حرية الرأي والتعبير، واستمرت ملاحقة الصحفيين وتزايدت أعداد معتقلي الرأي في السجون. وفيما أكد تقرير المقررة الخاصة المعنية بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفاً أغنيس كالامارد الذي صدر في يونيو 2019 تحميل المسؤولين السعوديين قتل الصحفي جمال خاشقجي على خلفية تعبيره عن رأيه بما يخالف التوجهات الرسمية، لم تطبق الحكومة توصيات كالامارد في اتخاذ خطوات جدية لمحاسبة المسؤولين، إنما قدمت محاكمة هزلية جلبت سخطاً واسعا.

إلى جانب ذلك، استمرت السعودية بانتهاكات ضد الصحفيين والمدونين، بينها إعتقال الصحفي الأردني عبدالرحمن فرحانه منذ فبراير 2019. وعلى الرغم من الإنتقادات الدولية التي وجهت إلى السعودية وتخفيض مرتبتها عالميا إلى 172 من أصل 180 دولة في التصنيف الدولي الذي تصدره منظمة مراسلون بلا حدود، لا زالت أعداد الصحفيين المعتقلين في تزايد. إلى جانب ذلك في أبريل 2019 شنت السعودية إعتقالات طالت كتاباً ومدونين ونشطاء وصل عددهم بحسب إلى خمسة عشر.

من بين المعتقلين من كان يعبر في أوقات سابقة عن آرائه في شؤون تتعلق بالإصلاح وبحقوق الإنسان وحقوق المرأة عبر وسائل التواصل الإجتماعي والمقالات والكتب، ولكن بسبب تصاعد القمع في عهد الملك سلمان وإبنه، توقفوا منذ فترات طويلة، ورغم ذلك أُعتقلوا، ما يعد رسالة تخويف وتذكير مستمرة، بوجود خطر الإعتقال على الكثيرين من أبناء الشعب بسبب إبداء الرأي في أي وقت. وينطبق ذلك على حملة اعتقالات شنتها السعودية في نوفمبر 2019 استهدفت صحفيين ونشطاء من بينهم وعد المحيا، عبدالعزيز الحيص، وبدر الراشد، وسليمان الصيخان الناصر، ومصعب فؤاد العبدالكريم، وعبدالمجيد البلوي، وعبدالرحمن الشهري، وفؤاد الفرحان.

10- الإخفاء القسري

يعد الإخفاء القسري من أبغض الإنتهاكات لحقوق الإنسان، لكونه يحرم الضحية من حقه الأساسي في الحرية، كما يقترن في حالات بتعذيب وحشي مميت، بالإضافة إلى ما يلحق بذويه من آثار نفسية سيئة جراء عدم معرفتهم بمصيره.

ومن بين أشهر أربع حالات إخفاء قسري في السعودية، لم تستجد معلومات إلا في حالة واحدة، فيما باتت الحالات الأخرى على حالها من الغموض. فوفق مصادر موثوقة تواصل الصحفي تركي الجاسر هاتفياً مع أسرته في نهاية ديسمبر 2019، بعد إخفاء قسري دام 656 يوماً. اعتقلت السعودية الصحفي تركي الجاسر في 15 مارس 2018، بعد حصولها على معلومات من مكتب شركة تويتر في دبي تفيد بأنه من يدير حساب “الكشكول” المعارض للحكومة، بحسب مصادر إعلامية.

فيما ظل مصير المعارض أحمد المغسل -أقدم معتقل مخفي قسرياً في السعودية- حتى نهاية العام 2019 مجهولاً. وقد أكمل في نهاية 2019، 1588 يوماً منذ أن تسلمته السعودية من الحكومة اللبنانية بعد القبض عليه في مطار بيروت. أشارت مصادر للمنظمة أن المباحث رفضت الإفصاح عن مصيره أثناء مراجعة ذويه وسؤالهم عنه، وأن أحد العناصر قال لهم:” أعتبروه ميتاً ولا تسألوا عنه”.

أما فيما يتعلق بالداعية سليمان الدويش (23 سبتمبر 1968) لاتزال السعودية تتجاهل الرد على رسالة الفريق العامل المعني بالاختفاء القسري التابع للأمم المتحدة منذ يوليو 2017، التي استفسر فيها عن مصيره. اُعتقل الداعية سليمان الدويش في 22 أبريل 2016 خلال زيارته لمدينة مكة المكرمة، وحتى نهاية 2019 أكمل 1347 يوماً منذ اعتقاله واخفائه قسرياً.

كما لا يزال مصير موظف الهلال الأحمر السعودي عبدالرحمن السدحان غامضاً بعد مضي 659 يوماً على اعتقاله من مقر عمله في 12 مارس 2018.

تستخدم السعودية الإخفاء القسري بشكل ممنهج ولأهداف عديدة وكمقّدمة لجملة إنتهاكات. هذا النهج أشارت إليه رسائل الفريق العامل المعني بالاختفاء القسري إلى جانب القضايا التي تابعتها المنظمة وهو ما أظهر أن الإخفاء قد يكون مقدمة للتعذيب والحرمان من الحقوق.

ثانياً: السعودية ومجلس حقوق الإنسان

مع نهاية 2019، انتهت عضوية السعودية الرابعة في مجلس حقوق الإنسان، والتي بدأت منذ 2017. وقد سبقت هذه العضوية الأخيرة، بثلاث عضويات سابقة، وبحسب نظام مجلس حقوق الإنسان، فإن فترة العضوية الواحدة تمتد لثلاث سنوات، ولايحق للدولة أن تشغل العضوية بشكل متتالي في أكثر من دورتين.

تاريخ عضوية السعودية في مجلس حقوق الإنسان
الأولى2006 حتى 2008
الثانية2009 حتى 2011
الثالثة2014 حتى 2016
الرابعة2017 حتى 2019

لم يكن لهذه العضوية في مراتها الأربع، أن تنعكس إيجاباً على أوضاع حقوق الإنسان، بل سارت الأمور على العكس، وكانت العضوية الرابعة هي أسوأ الفترات على الإطلاق، وحدث فيها ما لم يحدث في سابقاتها، وهو ما دفع عشرات المنظمات إلى مطالبة الجمعية العامة للأمم المتحدة تعليق عضويتها.

خلال السنة الأخيرة لعضويتها في المجلس، وُجهت لها الكثير من الانتقادات من قبل مختلف آليات المجلس، واستمرت في سياسة التجاهل، والردود والتبريرات المُضللة، والنكث بالتزاماتها الدولية الطوعية، في المعاهدات التي انضمت لها، وعدم الاكتراث بآراء الفرق العاملة.

تجاهل السعودية لآليات مجلس حقوق الإنسان تمظهرت في مجزرة أبريل 2019، حين أعدمت السعودية 37 شخصاً بينهم من سبق لمختلف آليات المجلس طلب وقف إعدامهم. وقد تحدث عنهم المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، السابق، بن إيمرسون، في الفقرة 49 من تقريره قائلاً أن هناك تقاريراً تفيد (بأن المحاكمة لم تستوف الإجراءات القانونية الواجبة ومعايير المحاكمة العادلة، وقد تعرض المتهمون للتعذيب ولم يتمكنوا من توكيل محامين) في إشارة منه إلى محاكمة 24 سجينا، بينهم أطفال ومتظاهرون، كان 14 منهم قد قتلتهم السعودية ضمن مجزرة أبريل، مطالباً الحكومة في الفقرة 55 (أن تعيد النظر على وجه السرعة في جميع القضايا الحالية للسجناء المتهمين والمحكوم عليهم في جرائم الإرهاب الذين يواجهون عقوبة الإعدام) ومشددا (ينبغي أن لاتفرض بحق أشخاص كانوا قاصرين وقت إرتكاب الجرائم أو أشخاص من ذوي الإعاقة النفسية أو الفكرية) مطالباً في التوصيات في ختام تقريره في الفقرة (ج) إلى التحقيق في ادعاءات التعذيب، و (عدم قبول الاعترافات المنتزعة بالإكراه). وقد أكدت توثيقات المنظمة تعرض أغلبهم للتعذيب الشديد.

تمارس السعودية تجاهلاً واسعاً للآليات الأمم المتحدة، وقد أصدر الفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي، بعد إعدام رجل الأعمال عباس الحسن ضمن مجزرة أبريل 2019، رأيا قانونياً أبدى فيه الصدمة والرعب والغضب من إعدامه، نظراً لغرابة وتفاهة التهم الموجهة، وعدم انطوائها فعلياً على مزاعم السعودية بتورطه بالتجسس، هذا فضلاً عن الانتهاكات العديدة التي تعرض لها، وجرائم التعذيب التي ارتكبت بحقه، وعدم اتساق محاكمته، بشكل فاضح، مع شروط المحاكمات العادلة.

كما أعرب الفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي، عن استيائه وغضبه من إعدام المتظاهر القاصر عبد الكريم الحواج والمتظاهر منير آل آدم، ضمن مجزرة أبريل، وخاصة أنه كان قد دعا على وجه التحديد إلى ضمان سلامتهم الجسدية والعقلية في أغسطس 2018.

في سبتمبر 2019، أكد تقرير صادر عن الأمانة العامة للأمم المتحدة سلوك السعودية العدواني تجاه المدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين، وخاصة أولئك الذين يتعاونون مع الأمم المتحدة وآلياتها في مجال حقوق الإنسان، مشيراً إلى عينة من المدافعين عن حقوق الإنسان: سمر بدوي، ولجين الهذلول، ويحيى العسيري، ومحمد القحطاني، وعيسى النخيفي، وفوزان الحربي وزوجته أمل الحربي، وكذلك من اليمن عبدالرشيد الفقيه ورضية المتوكل من منظمة مواطنة لحقوق الإنسان.

جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي كانت من أبرز القضايا التي تعاطاها مجلس حقوق الإنسان خلال 2019، وتحت سقفه اُتخذت خطوة تاريخية تمثلت بتحميل السعودية مسؤولية جريمة الإعدام خارج نطاق القضاء الذي طال الصحفي جمال خاشقجي في 2 أكتوبر 2018، عن سابق إصرار، وذلك في تقرير المقررة الخاصة السيدة أغنيس كالامارد. تكمن تاريخية هذه الخطوة كونها وضعت السعودية أمام طرف حيادي للتحقيق في انتهاكاتها.

إضافة إلى ذلك، أصبحت السعودية موضع نقد مستمر من قبل المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة السيدة ميشيل باشليه خلال 2019، ففي مارس وخلال افتتاح الدورة 40 لمجلس حقوق الإنسان أعربت عن قلقها من الاعتقالات التعسفية وسوء المعاملة والتعذيب الذي تتعرض لها عدد من المدافعات عن حقوق الإنسان، واعتبرت أنها تتناقض مع إدعاءات الإصلاحات الرسمية. وبعد مجزرة أبريل أدانت باشيليه الإعدامات ووصفتها بالمرّوعة، مشيرة إلى النداءات المتكررة التي وجّهتها آليّات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان حول افتقار الإجراءات القانونية المتبعة إلى ضمانات المحاكمة العادلة، وإدعاءات الضحايا بتعرضهم للتعذيب للحصول على إعترافات محددة، بالإضافة إلى وجود قاصرين بين الضحايا.

وفي يونيو 2019، وفي كلمتها الافتتاحية لمجلس حقوق الإنسان في دورته الواحدة والأربعين نددت المفوضة بإنتهاكات السعودية لحقوق الإنسان وخاصة فيما يتعلق بعقوبة الإعدام، كما أبدت أسفها من رفض السعودية تقرير المقررة الخاصة المعنية بعمليات القتل خارج نطاق القضاء أو بإجراءات موجزة السيدة كالامارد حول جريمة قتل جمال خاشقجي.

إضافة إلى الانتقادات الرسمية، تلقت السعودية انتقادات من قبل منظمات حقوقية أمام مجلس حقوق الإنسان، من بين ذلك  بيان مشترك تحت البند السادس من جدول أعمال مجلس حقوق الإنسان في دورته الأربعين، أكد أن السعودية تستغل مجلس حقوق الإنسان وعضويتها فيه لتبرير انتهاكاتها وممارسة التضليل، وليس لتطوير وتعزيز احترام الحقوق.

كما شهدت الفعاليات في المجلس مشاركة بعض ذوي الضحايا، فقد أثارت السيدة الأردنية زينب أبو الخير، قضية أخيها حسين أبو الخير، أمام وطالبت بالتدخل لحمايته من الإعدام على خلفية تهم غير جسيمة، لكن السعودية مضت في التعامل الغير عادل مع قضيته، وصدر بحقه حكم نهائي بالإعدام، وقد يقتل في أي لحظة.

ثالثاً: مواقف دولية وحكومية

على إثر التدهور الكبير في حقوق الإنسان في السعودية خلال العام 2019، واستمرار التراكمات السلبية، تعالت أصوات عشرات الدول بانتقادات غير مسبوقة للسعودية.

ففي فبراير 2019 أصدر البرلمان الأوروبي قراراً أدان فيه إنتهاكات السعودية للمعتقلين والمعتقلات، داعيا إلى تحركات لوقفها. القرار دعا دول الإتحاد الأوروبي إلى اتخاذ خطوات تجاه السعودية بسبب انتهاكاتها، مؤكداً على أهمية اتخاذ موقف مشترك بفرض حظر على تصدير الأسلحة والأنظمة المراقبة للسعودية، والتي يمكن أن تستخدمها لقمع المواطنين، ومن بينهن المدافعات عن حقوق الإنسان.

إضافة إلى ذلك، وبعد مجزرة أبريل 2019، أدان الاتحاد الأوروبي الإعدامات ورأى أنها تؤكد التوجه السلبي للسعودية، وتعاكس التوجه العالمي لإلغاء عقوبة الإعدام. وكان الإتحاد الأوروبي قد أصدر بيانا في 2 أبريل 2019 عقب إعدام السعودية 4 أشخاص اتهموا بجرائم تهريب المخدرات، أكد فيه معارضته لعقوبة الإعدام وكرر دعوته إلى إلغائها.

خلال الدورة 40 لمجلس حقوق الإنسان ولأول مرة في تاريخه، ضمن سلسلة إداناته لإنتهاكات السعودية، استخدمت 36 دولة آلية البيان الجماعي، ما يعد مؤشرا على تصاعد مستوى الغضب تجاه ممارساتها. البيان الذي قادته آيسلندا وألقاه مندوبها الدائم لدى مؤسسات الأمم المتحدة في جنيف السيد هارالد اسبيلوند أمام مجلس حقوق الإنسان في دورته الأربعين في 7 مارس 2019، دعا إلى إطلاق سراح المدافعات عن حقوق الإنسان المعتقلات بسبب ممارستهنّ لحرياتهنّ الأساسية.

لم تُظهر السعودية وبعد بيان الستة وثلاثين دولة، استجابة للتوصيات والمطالب الواردة، ما دفع خلال الدورة 42 لمجلس حقوق الإنسان في سبتمبر 2019، من إتحاد 24 دولة في بيان آخر، يطالبها بالالتزام بأعلى المعايير في مجال تعزيز وحماية حقوق الإنسان، والتعاون الكامل مع المجلس بما في ذلك قبول زيارات المقررين، بما يتوافق مع التزاماتها الدولية وكونها دولة عضو في مجلس حقوق الإنسان.

وإلى جانب المواقف الجماعية من الدول، صدرت في 2019 مواقف فردية متعددة، وغير معهودة في عددها ومضامينها قياساً للسابق. فضمن الدورة 40 لمجلس حقوق الإنسان، أعلنت الدنمارك أنها تضع ماتقوم به السعودية من إنتهاكات ضمن اهتماماتها، مؤكدة قلقها من التعذيب والإعدامات وسائر الانتهاكات. فيما أبدت وزيرة الخارجية الأسترالية السيدة ماريز باين المخاوف على حقوق المرأة وتبعات قتل خاشقجي. إضافة إلى ذلك، دعا وزير خارجية سويسرا إلى تسليط الضوء على الهجمات التي يتعرض لها الصحفيون مثل خاشقجي، فيما انتقد وزير الخارجية الآيسلندي واقع حقوق المرأة في السعودية واصفاً قتل خاشقجي بالوحشي، بينما أبدى الاتحاد الأوروبي قلقه من سير محاكمات المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان في السعودية.

في يوليو 2019، وبعد إصدار كالامارد تقريرها حول جريمة قتل خاشقجي، وتأكيدها على مسؤولية موظفين رسميين سعوديين عن قتله، قامت دول: إيرلندا وكندا وألمانيا وإيطاليا وسويسرا، والنرويج نيابة عن بلدان الشمال الأوروبي، وكذلك الإتحاد الأوروبي، بالتعليق على تقرير المقررة، مدينين الجريمة ومطالبين بإجراءات فورية.

وفي يونيو 2019 أعلنت الحكومة النمساوية أنها تعتزم إغلاق مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين الأديان والثقافات (KAICIID) وذلك من بعد تصويت أعضاء من البرلمان على إغلاقه، واستجابة الخارجية النمساوية وتقديمها وعداً بتنفيذ القرار البرلماني، الذي شاركت فيه أربعة أحزاب، وذلك على خلفية طلب النيابة العامة في السعودية بقتل الطفل مرتجى قريريص.

في أغسطس 2019 أطلقت العضوة السابقة في مجلس اللوردات البريطاني والمحامية البارونة هيلينا كينيدي، دعوة إلى إرسال بعثة إلى السعودية لتقصي الحقائق في عقوبة الإعدام، وطالبت بإعادة جثامين الضحايا، وذلك في تقرير أطلقته بمشاركة منظمات حقوقية، حول عقوبة الإعدام غير القانوني في المملكة العربية السعودية، أعربت فيه عن قلقها من الانتهاكات الجسيمة التي تتخلل تطبيق هذه العقوبة.

الخاتمة

رحل 2019 تاركا وراءه مظالم جمة، مغلقاً كل المنافذ المحلية التي يمكن للضحايا أن يستخدموها للإنصاف أو تحقيق العدالة. الخطورة الرئيسية تمثلت في تحول أجهزة العدالة، كالنيابة العامة والقضاء، إلى أدوات لاستهداف المضطهدين بدلاً من حمايتهم والوقوف إلى جانبهم، وباتت هذه الأجهزة مصدر خوف بدلاً من أن تكون محلاً للطمأنينة، وفي نفس الوقت باتت هذه الأجهزة مظلة لحماية المسؤولين الكبار أصحاب القرار أو تابعيهم، عن المسائلة والعقاب.

كما إن استمرار السعودية في الاهتمام بتقوية أدوات التضليل، مثل المؤسسات الإعلامية، أو المؤسسات الرسمية الحقوقية، فضح انعدام النوايا في ممارسة إصلاح صادق.

كما إن بروز أدوار واضحة للحلفاء السياسيين، في تغطية جرائم وانتهاكات السعودية، بل والمشاركة في بعضها، أفقد الثقة في وجود نظام علاقات سياسية دولية موضوعي، من شأنه لعب دور نزيه في دفع السعودية لاحترام حقوق الإنسان.

تؤمن المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، بأهمية العمل على كافة المسارات المشروعة والممكنة، وتؤمن بأهمية تقوية آليات المناصرة المتبعة، وتطوير أدائها. وترى أن هناك أهمية لأدوار المؤسسات المتعارف عليها والتي تضطلع بأدوار في العمل الحقوقي. لكنها في الوقت ذاته، ترى أهمية التأكيد على مسارات جديدة، وتعتقد إن مسار العمل القانوني الدولي والمتنوع، بات اليوم أكثر أهمية من أي وقت مضى. وفي الوقت الذي تضع المنظمة العمل القانوني في أولوياتها في 2020، ترحب بالتعاون مع الأفراد والمؤسسات التي تشاطرنا هذا التوجه والاهتمام.

AR