تقرير أممي يطالب السعودية بإعادة النظر في الأحكام القضائية: دولة تمارس البطش والقمع بحجة الإرهاب وإنتهاكاتها قد تقوّض سلطة مجلس حقوق الإنسان

19 أبريل، 2019

أشار التقرير إلى أن نظام جرائم الإرهاب وتمويله 2014 يتضمن تعريفاً فضفاضا للغاية للجرائم الإرهابية، وفي إطار هذا التعريف الواسع، فإن أي شخص يطعن في سلطة الدولة أو سياساتها يمكن أن يعتبر إرهابيا، وبالتالي فإن التعريف لا يتفق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. وإعتبر المقرر أن هذا القانون يفضي إلى “تأثير تقييدي بشكل خطير على المجتمع المدني، لأن أي عمل سياسي غير حكومي يمكن أن يجرم كفعل من أفعال الإرهاب”، كما يمكن أن يستخدم لطلب تسليم معارضين سياسيين سلميين ومدافعين عن حقوق الإنسان التمسوا اللجوء في الخارج.

إميرسون إعتبر أن تعديلات العام 2017 الصادرة على النظام، وسعت نطاق تعريف الإرهاب ليشمل من يصفون الملك أو ولي العهد بأي وصف فيه تهجم على الدين أو العدالة، كما أن “التعبير السلمي عن المعارضة يمكن أن يؤدي إلى الملاحقة بتهمة الإرهاب كما يجري قمع الحرية الفكرية والأكاديمية دون رحمة”. وأوضح إميرسون أنه كان قد أوصى في نهاية زيارته بأن على الحكومة التعجيل بمراجعة تعريف الإرهاب الوارد في نظام مكافحة الإرهاب لعام 2014 بغية مواءمته مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، إلا أنه وبدلا من مواءمته، وسعت السعودية نطاق تطبيق هذا النظام “للبطش بصورة قمعية أكبر على ممارسة الحقوق المدنية والسياسية التي تتمتع بحماية دولية”.

المقرر أشار إلى أنه وعلى الرغم من الطلبات المتكررة التي قدمها، فإن الحكومة “لم تمكنه من الوصول إلى أي من المحتجزين حالياً بسبب جرائم متصلة بممارسة الحق في حرية التعبير”. وكان قد قدم إلى السلطات المعنية قائمة بأسماء من كان يود مقابلتهم على انفراد، ذاكراً سليمان الرشودي، عبدالله حميد الحميد، محمد فهد القحطاني، عبدالكريم الخضر، محمد البجادي، عمر السعيد، فاضل المناسف، رائف بدوي.

المقرر أبدى قلقه الخاص إزاء “نمط القمع المنهجي في المنطقة الشرقية التي تسكن فيها غالبية السكان الشيعة”. كما أوضح أن الإعتقالات والإحتجازات والإدانات لاتكشف العيوب الخطيرة في تشريعات مكافحة الإرهاب في السعودية فحسب، بل “توجه رسالة إلى المواطنين والمدافعين عن حقوق الإنسان مفادها أنهم سيلاحقون إذا انخرطوا في هذه الأنشطة المحددة بشكل فضفاض”.

وشدد المقرر على أن ضرورة مكافحة الإرهاب “لا يمكن أن يساء إستخدامها كذريعة قانونية لقمع حملات الدعوة العامة التي يقوم بها منتقدون سلميون ونشطاء في مجال حقوق الإنسان وأفراد الأقليات. غير أن هذا ما يحدث بشكل معتاد حاليا في السعودية”.

ودعا المقرر إلى إيجاد آلية لإعادة النظر في جميع حالات الأفراد الذين يقضون حاليا عقوبات بالسجن بسبب ممارسة حقهم في حرية التعبير وحرية الفكر أو الوجدان أو الرأي أو التجمع السلمي وتكوين الجمعيات وينبغي أن تكون لهذه “الآلية صلاحية تخفيف الأحكام أو العفو فورا عن جميع هؤلاء السجناء”.

المقرر أكد أنه بدلا من التحسين التدريجي لحالة حقوق الإنسان التي تحرص الحكومة على تصويرها على الصعيد الدولي “تبدو الصورة الحقيقية المتمثلة في أن السعودية تتراجع أكثر من أي وقت مضى نحو القمع السياسي الشديد”، موضحا أن طبيعة المحاكمات السرية التي تجري في المحكمة الجزائية المتخصصة تثير “مخاوف كبيرة بشأن نزاهتها”.

وفميا “أكد رئيس المحكمة الجزائية المتخصصة للمقرر الخاص، توفير الحماية لجميع الحقوق المكفولة للمتهم. لا يسلم المقرر الخاص بأن الأمر كذلك”.

المقرر أشار إلى أن الحكومة أبلغت “المقرر الخاص خلال الزيارة بوجود ضمانات قانونية لمنع التعذيب بموجب نظام الإجراءات الجزائية لعام 2013. وتنفي الحكومة نفيا قاطعا بأن يكون أي محتجز قد تعرض للتعذيب، وأكدت للمقرر الخاص أن جميع المحتجزين يحصلون دائما على جميع حقوقهم المشروعة”. إلا أن المقرر إعتبر أنه “من المستغرب صدور مثل هذا التأكيد من أي دولة وبخاصة في حالة المملكة العربية السعودية”.

وأوضح أن قضاة المحاكم لا يتعاملون بجدية على ما يبدو مع الإدعاءات المتعلقة بالتعذيب أو غيره من ضروب سوء المعاملة، وبالتالي فإن قبول الإعترافات المنتزعة بالإكراه في المحكمة يوفر حافزاً لاستخدام التعذيب.

وأكد المقرر أنه لا علم له بملاحقة أي مسؤول على ممارسة التعذيب أو غيره من ضروب سوء المعاملة، معتبرا أن الحماية المكفولة نظرياُ بموجب القانون يبدو أنها “وهميّة في الواقع العملي”.

وأشار إلى أنه تلقى شهادات من أشخاص لم يروا محام قط خلال كامل مدة التحقيق، وأشخاص آخرون قابلوا محاميهم في مرحلة متأخرة للغاية من العملية. واعتبر أن الإتصال بمحام في وقت مبكر أمر حاسم في تحقيق المستويات الأساسية من الشفافية، “أما الممارسة السائدة في السعودية فتترك المحتجزين تحت رحمة السلطة المحتجزة تماما”.

وشدد المقرر أن السعودية لم تتجاهل توصيات المقرر فقط، بل إعتمدت أحكاما جديدة “تشكل تحديا صارخا”. ورأى أن عدم توفير السعودية الحد الأدنى من الضمانات الإجرائية أثناء الاحتجاز والاستجواب، وممارستها القضائية المتمثلة في قبول الاعترافات المنتزعة بالإكراه كأدلة، يشير بقوة إلى أنها ممارسة تم “إقرارها بشكل رسمي”. وتشكل الحالة في السعودية “إنكاراً للعدالة بصورة منهجية وصارخة في هذا الصدد”.

المقرر أعرب عن قلقه البالغ إزاء عدم مراعاة الأصول القانونية في قضايا الإرهاب عموماً. ويثير “هذا الشاغل قلقاً شديدا في الحالات التي تتعلق بفرض عقوبة الإعدام”. وأشار إلى إثارة الغضب الدولي إعدام 47 شخصا في يوم واحد في 2 يناير 2016. وأوضح أنهم أعدموا عقب “إجراءات قضائية لم تستوف المعايير الدولية الدنيا للإجراءات القانونية الواجبة. من بينهم ذوي إعاقات نفسية، وأشخاص كانوا دون الثامنة عشر وقت إرتكاب الجرائم” وقد أدين بعضهم بإرتكاب جرائم سياسية غير عنيفة. “وكان إعدام رجل الدين الشيعي الشيخ نمر النمر هو الأكثر إستفزازاً فقد أدين بتهمة تتعلق بأنشطة سياسية”.

وأوضح التقرير أنه في يونيو 2016 قدم للمحاكمة 24 شخصا بسبب الإحتجاجات المؤيدة للديمقراطية التي وقعت في عام 2011 وقد “حاكمت المحكمة الجزائية المتخصصة 14 منهم وقضت بإعدامهم وتفيد التقارير أن المحاكمة لم تستوف الإجراءات القانونية الواجبة ومعايير المحاكمة العادلة وقد تعرض المتهمون للتعذيب ولم يتمكنوا من توكيل محامين وتشكل هذه القضية مصدر قلق شديد”.

المقرر أكد أن أحكاماً بالإعدام صدرت على عدة أفراد من الأقلية الشيعية، وهم يواجهون تنفيذ الأحكام بشكل وشيك لمشاركتهم في مظاهرات في المنطقة الشرقية مؤيدة للديمقراطية في عامي 2011 و 2012.

وأعرب المقرر عن “شعوره بالجزع” لأن النظام الصادر عام 2017 ينص على عقوبة الإعدام على جرائم لا تؤدي إلى خسارة في الأرواح، وذلك على الرغم من الدعوات الأممية لتقليص عدد الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام، ورأى المقرر الخاص أن  “الطابع المؤسسي لإستخدام عقوبة الإعدام في السعودية يمكن وصفه بالإنتهاك الشنيع لحقوق الإنسان”.

المقرر أكد أنه ينبغي للحكومة أن “تعيد النظر على وجه السرعة في جميع القضايا الحالية للسجناء المتهمين والمحكوم عليهم في جرائم الإرهاب الذين يواجهون عقوبة الإعدام من أجل ضمان استيفاء المعايير الدولية الدنيا في كل حالة”. مشددا على أن هذا يعني أنه لا يجوز فرض عقوبة الإعدام إلا في أخطر الجرائم، التي تؤدي إلى خسائر في الأرواح، وينبغي ألا تفرض بحق أشخاص كانوا قاصرين وقت إرتكاب الجرائم أو أشخاص من ذوي الإعاقة النفسية أو الفكرية.

المقرر اعتبر أن السعودية “تنتهك بشكل خطير القانون الدولي الإنساني من خلال استهداف المدنيين والأعيان المدنية بصورة مباشرة أو شن هجمات غير متناسبة أو غير تمييزية وعدم إتخاذ جميع الإحتياطات اللازمة لتجنب التأثير على المدنيين أو تقليله إلى أدنى حد أثناء العمليات”. وأشار إلى أنه لا يبدو أن هناك إجراءات ملموسة اتخذت لمساءلة الجناة أو تقديم تعويضات كافية للضحايا.

وأوضح المقرر أن حرمان السكان المدنيين في اليمن من المساعدة الحيوية في سياق النزاع المسلح، يشكل انتهاكا خطيرا للقانون الإنساني.

المقرر أشار إلى أنه أيضاً تلقى تقاريراً متسقة تفيد بأن جماعات مسلحة غير تابعة للدولة، وصفت بأنها الأكثر تطرفا في سوريا، قد إستفادت من الدعم السياسي والعسكري والمالي واللوجستي من داخل السعودية، وهذا يتعارض مع الإلتزام الذي أعربت عنه الحكومة بوقف تمويل الإرهاب وسياساها المعلنة بشأن مكافحة الإرهاب.

أكد المقرر أن “تدابير مكافحة الإرهاب غير المتناسبة والتمييزية يكون لها تأثير سلبي”، كما أن أي تدابير لا يمكن أن تكون فعالة إلا إذا إحترمت حقوق الإنسان، معتبرا أنه من الواضح أن السعودية أساءت إستخدامها “لكبح المعارضة السلمية وإسكات الأصوات المنادية بالإصلاح”.

وأكد إميرسون أن الأشخاص الذين يمارسون حقهم في التعبير سلمياً يتعرضون للإضطهاد “بصورة منهجية في السعودية”، ويقبع العديد منهم في السجون، كما وقعت أخطاء قضائية فادحة أدت إلى إعدام آخرين. وأشار إلى أن “الإفلات من العقاب يمثل ثقافة سائدة في أوساط الموظفين العموميين الذين يتورطون في ممارسة التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة وتغلق السبل السلمية لجبر المظالم باللجوء إلى تدابير قمعية لإسكات المجتمع المدني”. كما أن هناك إفتقاراً تامً تقريبا للشفافية فيما يتعلق بالملاحقات القضائية لمرتكبي الأعمال الإرهابية، وتوجد ثغرة في المساءلة فيما يخص عمليات مكافحة الإرهاب خارج الحدود القانونية.

وأوضح المقرر أنه عوضا عن معالجة هذه المسائل، “إعتمدت السعودية تشريعات تعسفية أكثر من ذي قبل لمكافحة الإرهاب وهذه ليست إجراءات تتخذها إدراة تتحلى بالثقة والأمان”. كما قال أنه وخلال زيارته الميدانية منعه الموظفون “من التحدث إلى السجناء الذين أعرب عن رغبته في مقابلتهم على إنفراد وأخذوه عوضا عن ذلك إلى مرافق مختارة بعناية، وبدلا من التعامل بشكل إيجابي لجأت الحكومة إلى النفي بصورة شاملة وتقديم تطمينات واهية والإحتجاج بتفسيرها للشريعة الإسلامية من أجل تبرير أفعالها”.  وشدد أن على السعودية “تغيير مسارها على وجه السرعة إذا أرادت أن تؤدي أي دور فعال في مكافحة الإرهاب على الصعيد الدولي”.

وأكد إميرسون أن الصورة التي يعكسها هذا التقرير “تلقي بظلال على ما إذا كان من الحكمة قبول عضوية السعودية في المجلس (مجلس حقوق الإنسان) والمخاطرة بتقويض سلطة المجلس نفسه في نظر العالم”.

في نهاية التقرير قدم المقرر الخاص عددا من التوصيات إلى الحكومة السعودية بناء على ملاحظاته وإستنتاجاته من خلال الزيارة الميدانية التي أجراها. من بينها:

  • يجب على السعودية أن “تمتنع عن إستخدام التشريعات الأمنية الوطنية المتعلقة بمكافحة الإرهاب لقمع المعارضة السياسية السلمية ومنتقدي الإجراءات التي تتخذها الدولة”.
  • إنشاء آلية مستقلة تعيد النظر بصورة مستقلة في جميع الحالات المتعلقة بجرائم يزعم أنها ارتكبت عن طريق التعبير في شكل خطابي أو خطي، وينغي أن تكون لها صلاحية تخفيف الأحكام أو العفو فورا، ويجب أن تضم ممثلين عن المجتمع المدني وأكادميين قانونيين مستقلين
  • التحقيق على وجه السرعة في جميع إدعاءات التعذيب وإساءة المعاملة وغيرها من الإنتهاكات الخطيرة وإتاحة السبل الفعالة للضحايا في تقديم الشكاوى من دون تعرضهم للإنتقام.
  • نطرا لإنتشار إدعاءات التعذيب في القضايا المتعلقة بالإرهاب يجب ضمان عدم قبول اعترافات منتزعة تحت التعذيب وتحسين التدريب القضائي في هذا المجال.
  • إتخاذ تدابير لتعزيز إستقلال المحكمة الجزائية المتخصصة وكفالة زيادة شفافية إجراءاتها.
  • تعديل النظام الصادر في 2017 لتوفير الحماية الفعالة للحق في الحصول على محام والحق في المراقبة القضائية للإحتجاز.
  • السعودية ملزمة قانونا بتنفيذ جميع توصيات لجنة مناهضة التعذيب والقرارات الصادرة عن الفريق العامل المعني بالإعتقال التعسفي.
  • تمكين اللجنة الفرعية لمنع التعذيب من إجراء عمليات تفتيش منتظمة وغير معلن عنها لأماكن الإحتجاز.
  • وقف الإعدام فورا. ووضع تشريعات تكفل في جميع حالات سلب الحرية في إطار برنامج مكافحة التطرف وإعادة التأهيل، أن يكون ذلك بموجب إذن من سلطة قضائية مستقلة ومحايدة.
  • على السعودية أن تكفل إجراء تحقيق مستقل لتقصي الحقائق فيما يتعلق بعمليات مكافحة الإرهاب خارج حدودها الإقليمية في اليمن وسوريا، وحول الإدعاءات التي تفيد حصول جماعات إرهابية على دعم مادي من مصادر من داخل السعودية.
AR