الإعدام في السعودية: إرادة سياسية

1 أبريل، 2021

لقراءة التقرير بصيغة PDF أضغط هنا

مقدمة:

بدا تعامل المملكة العربية السعودية مع ملف الإعدام في 2020 مضطرباً على مستوى الأرقام، فمن جانب انخفضت أعداد التنفيذ ومن جانب أخر استمرت النيابة العامة بمطالبات الإعدام، وكذلك لاتزال أحكام الإعدام الصادرة أغلبها قائمة. يأتي ذلك بعد خمس سنوات سابقة شهدت أعلى عدد لتنفيذ الإعدامات في تاريخ البلاد.

عمدت الجهات الرسمية إلى استغلال حصيلة 2020 في تبييض صورة الحكومة، ولم يمنعها ذلك عن الإستمرار بتجاهل الآراء الدولية والانتقادات بكل وقاحة. التغير في الأرقام لم يوقف طبيعة تعامل الحكومة السعودية مع عقوبة الإعدام بوصفها أداة قمعية وانتقامية وتعسفية. فإضافة إلى أن 2020 سجل تجاوز الإعدام رقم 800 منذ تسلم الملك سلمان الحكم في 2015، احتوت هذه الأحكام على انتهاكات صارخة وجسيمة للقانون الدولي، واستمرت الحكومة بتهديد حياة العشرات، بمطالبات من النيابة العامة وأحكام إعدام غير شرعية، بناء على محاكمات لاتتضمن أدنى شروط المحاكمات العادلة.

لايزال موقف الحكومة السعودية مع ملف الإعدامات مرتبكا ويتضمن مواقف غامضة، فالقرارات التي احتفي بها رسميا، وخاصة فيما يتعلق بتغييرات في اعدام القاصرين، لم يتضح وجهها الأخير بعد، في ظل عدم  نشر الأمر الملكي وعدم إعلان القوانين بشكل رسمي من الجهات المختصة، إلى جانب استمرار انعدام اليقين فيما يتعلق بأرقام الأفراد الذين يواجهون خطر الإعدام، وذلك مع سياسية سحق المجتمع المدني في الداخل، والترهيب الذي يمارس على الضحايا وعائلاتهم.

تحاول المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، من خلال تقريرها السنوي حول عقوبة الإعدام 2020، أن تبين الوقائع والسجلات التي تظهر أن الإعدام في السعودية لا يزال عقوبة انتقامية تستخدم بطرق غير قانونية.

إعدامات العام 2020

خلال العام 2020، قالت الحكومة السعودية أنها أعدمت 27 شخصًا. يُعتبر الرقم انخفاضا بنسبة 85 % إعدام عن العام 2019، وهو ما يُمثِّل أكبر انخفاض في عمليات الإعدام منذ أن بدأت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان برصد الإعدامات عام 2013، وعلى الرغم من ذلك إلا أنه لا تزال هناك نواح مهمة تبعث إلى القلق.

رصدت المنظمة الأوروبية السعودية، 25 حالة من هذه الإعدامات، من بينهم إمرأتان. توزعوا على جنسيات مختلفة، فقد أعدم 16 سعوديا، و3 سوريون، و2 يمنيون و2 أردنيون ووواحد مصري وواحد عراقي.

واجه 19 فردا منهم، تهما تتعلق بجرائم قتل، بينما واجه 5 تهما لا تعد من الجرائم الأشد خطورة تتعلق بالمخدرات والممنوعات، وواجه شخص واحد تهما تتعلق بالسطو المسلح. كما أن من بينهم بحسب رصد المنظمة القاصر عبد المحسن الغامدي. يظهر تفنيد الأرقام استمرار استخدام العقوبة بحق الأفراد الأكثر ضعفا، مثل القاصرين والنساء والعمال الأجانب، وذلك رغما عن افتقاد عدالة المحاكمات.

في خطوة غير معهودة من قبل هيئة حقوق الإنسان السعودية، التي كانت تتجاهل التعليق على تصاعد أحكام الإعدامات في البلاد، في السنوات الماضية، نشرت في يناير 2021 بيانا، قالت فيه إن أحكام الإعدام خلال العام 2020 بلغت 27 إعداما. ما يزيد بواقع حالتين عن إحصاءات المنظمات الحقوقية للإعدامات التي نُفذت في عام 2020 عبر الاستناد إلى ما تنشره وكالة الأنباء السعودية الرسمية واس. وذلك يثير الشكوك من أن إحصاءات الإعدام التي قدمتها المنظمات الحقوقية في السنوات السابقة أقل من الأرقام الفعلية بسبب غياب الشفافية في السعودية. وكانت المنظمة الأوروبية السعودية قد وثقت إعدام 818 شخص منذ 2015 حتى 2020، بواقع159 في 2015، و154 2016، 146 2017، 148 2018، 186 2019، و 27 عام 2020.

أشارت الهيئة في بيانها، إن أهم عامل في انخفاض الإعدامات كان الوقف الحكومي المؤقت الذي بدأ بدايات 2020 للإعدامات المتعلقة بالمخدرات، فلقد نُفِذ آخر إعدام بجرائم المخدرات في 14 يناير 2020. وكان المجتمع الدولي قد طالب مرارا بوقف تنفيذ أحكام الإعدام في الجرائم غير العنيفة، وفي 2018 دعت أكثر من 25 دولة السعودية إلى فرض حظر على عقوبة الإعدام بشكل أو بآخر.

إعلان السعودية الوقف المؤقت لأحكام الإعدام المتعلقة بتهم المخدرات، جاء من خلال هيئة حقوق الإنسان، وهي ليست الجهة المختصة بالمسائل التشريعية، مما يجعله إعلانا غير موثوق، وخاصة مع عدم إلغاء المادة 37 من (نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية) التي تنص على القتل تعزيرا.

إلى جانب الحظر المؤقت التي نشرت عنه هيئة حقوق الإنسان، قد تكون جائحة كوفيد 19 والإجراءات الاستثنائية التي رافقتها والإغلاق التام في أواخر شهر مارس 2020، ساهمت في تقليص الأعداد. فنتيجة للإغلاق، تعثرت واضطربت بعض أعمال الجهات الرسمية في البلاد من وقت لآخر.

إضافة إلى ذلك، قد تكون قمة العشرين فرضت على السعودية التخفيف من إنتهاكات حقوق الإنسان، فقد رصدت المنظمة تنفيذ 9 إعدامات بعد القمة تشكل في مجملها 33% من مجمل إعدامات العام، في وقت كانت متوقفة عن إي إعدامات لقرابة أربعة أشهر( من 20 يوليو إلى 10 ديسمبر) قبلها.

في أبريل 2020، نشرت هيئة حقوق الإنسان بيانا آخريفيد بإيقاف تنفيذ كافة أحكام الإعدام التعزيرية، بحق الأشخاص الذين لم يتموا 18 عاما، وتعديل كافة الأحكام الصادرة سابقاً بما يتوافق معنظام الأحداث، على أن تكون أقصى عقوبة السجن لمدة لا تزيد على 10 سنوات. إلى جانب كون البيان احتوى على عدة ثغرات، فإن الحكومة السعودية كانت قد أعدمت قبل أيام من نشر البيان القاصر عبدالمحسن الغامدي، ما أكد عدم جدية القرار.

علاوة على ذلك، لا يزال هناك عددا من الأشخاص، بينهم قاصرين، ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام أو يواجهون عقوبة الإعدام في المحكمة. وبحسب رصد المنظمة الأوروبية السعودية فإن ما لايقل عن 41شخصاً ما زالوا معرضين لخطر القتل، أغلبهم ضمن القضايا السياسية. ترجح المنظمة أن العدد الفعلي أعلى، وخاصة مع محدودية قدرة المنظمات الحقوقية على تتبع ومراقبة أحكام الإعدام الجنائية وخصوصا المتعلقة بالمهاجرين والعمال الأجانب، وخاصة أن عدد أحكام الإعدام التي تُنفذ بحق هذه الفئة كبير كل عام.

الأجهزة المشاركة في الإنتهاكات

ترتبط الأجهزة التي من المفترض أنها مسؤولة عن تحقيق العدالة، بالملك وولي العهد بشكل مباشر. يظهر دور هذه الأجهزة في الاعتقال والتحقيق وإصدار الأحكام التي قد تصل إلى الإعدام، ومساهمتها في تكريس سياسة الإفلات من العقاب، حيث تنعدم استقلاليتها. كل هذا يجعلها ضالعة بشكل واضح في الإنتهاكات.

فمنذ لحظة الاعتقال، يلعب جهاز رئاسة أمن الدولة -الذي هو إمتداد لجهاز المباحث العامة- دورا كبيرا في الانتهاكات. أنشئ الجهاز في 2017 ويتبع الملك مباشرة، ويهدف إلى “تنسيق أنشطة مكافحة الإرهاب وجمع التحريات محلياً”، فيما هو مسؤول بشكل تام عن الاعتقالات التعسفية وتحويل القضايا الحقوقية وقضايا الحريات إلى جرائم ووصمها بالإرهاب. كما أنه مسؤول بشكل مباشر عن تعذيب المعتقلين خلال التحقيق، وخاصة الذين يواجهون عقوبة الإعدام، ومتورط في عدد من قضايا القتل خارج نطاق القانون.

بعد الاعتقال والتحقيق، تحول القضية إلى النيابة العامة المرتبطة بالملك مباشرة، وتلعب دورا رئيسيا في الانتهاكات، خاصة من خلال التوسع في المطالبة بالإعدامات بتهم ليست من الأشد خطورة وبتهم سياسية ملفقة أو تضخيمها. وفيما يتعلق بالتعذيب، فإن النيابة العامة مسؤولة بشكل مباشر أو غير مباشر عن العديد من القضايا، حيث تبني الدعاوى على اعترافات منتزعة تحت التعذيب، كما أنها تقوم بتطويع الشريعة ولي القوانين، وتستند على أدلة ذات مدلول فضفاض، وتنتقي الافهام الأشد تطرفاً وشذوذاً لإدانة المتهمين.

كما استمرت النيابة العامة خلال بالمطالبة بإعدام عدد من الأشخاص الذين يواجهون تهما تتعلق بالتعبير عن الرأي، من بينهم الباحث حسن فرحان المالكي والشيخ سلمان العودة وغيرهما. لم تعمد النيابة العامة إلى فتح أي تحقيق جدي في الانتهاكات ودعاوى التعذيب وسوء المعاملة، وإجبار المتهمين على التوقيع على اعترافات وحرمانهم من الحصول على محام، وتعمد تأخير عرضهم على المحكمة وإطالة أمدها.

كما لعبت هيئة حقوق الإنسان دورا مشبوها في الترويج للحكومة السعودية وولي العهد، وتغطية فظائع عقوبة الإعدام والتغطية على الانتهاكات. ففي ظل الصمت المطبق من قبل جهات معنية بالتشريعات، روجت الهيئة في أبريل 2020 لأمر ملكي يوقف أحكام الإعدام بحق القاصرين. البيان الذي نشرته الهيئة أثار عدد من التساؤلات تتعلق بالاستثناءات، ما دفعها إلى الرد لاحقاُ في بيان أخر.

إضافة إلى الترويج الواضح للحكومة، لم تقم الهيئة بأي من المهمات المنوطة بها، فعلى الرغم من إعلان الهيئة تسلمها آلاف الشكاوى خلال 2020، لم توثق المنظمة الاوروبية السعودية تولي الهيئة العمل على إعادة النظر في حكم إعدام أو التحقيق بشكل مستقل في الشكاوى. كما أنها لم تتحقق من تطبيق شروط العدالة في المحاكمات، التي تفضي إلى صدور أحكام الإعدام الجائرة، ولم تنشر انتقادات أو ملاحظات على أداء الجهات الأمنية والقضائية فيما يتعلق بالانتهاكات التي يتعرض لها المحكومين بالاعدام، بل كانت حريصة على التأكيد على سلامة الإجراءات رغم كل الانتقادات التي واجهتها الأجهزة الأمنية والقضائية السعودية دولية في عدد كبيرة من القضايا الموثقة.

بعد انتهاء المراحل القضائية في محاكمات الإعدام، يصل الحكم إلى الديوان الملكي، ولاينفذ إلا بعد توقيع الملك أو من ينيبه.

يبين الدور الذي تلعبه الأجهزة الرسمية في السعودية والتي ترتبط جميعها بالملك، أنها تتقاسم الانتهاكات بحيث لا استقلالية لأي جهاز، يمكن من خلاها إيجاد ضمانات في عدالة المحاكمات، أو التحقيق مع المسؤولين عن الانتهاكات.

أنواع التهم التي تستوجب الإعدام في السعودية

حاولت الحكومة السعودية الترويج إلى تطور في التعامل مع الإعدامات، فإلى جانب الأمر الملكي الذي نشرته هيئة حقوق الإنسان ويتعلق بإعدام القاصرين، نشر الإعلام الرسمي تقاريرا فيما يتعلق بعقوبة القتل تعزيرا، ونقاش في مجلس الشورى عن التوقف عنها.

تزعم السعودية أن أحكام الإعدام تطبق وفقا للشريعة الإسلامية، ولكن فحص الإجراءات والمعايير، يبين انتهاكات صارخة. فبحسب الشريعة الإسلامية تنقسم العقوبات إلى:

  •         القصاص: تُطبق على جرائم القتل والتعدي على الأطراف والجنايات.
  •         الحدود: وهي عقوبات مقدرة شرعاً، كحد الزنى، حد السرقة، وحد الحرابة، وغيرهما.
  •         التعزير: وهو عقوبة تأديبية غير مقدرة على معصية أو جناية لا حد فيها ولا كفارة.

اتفق علماء المسلمين على مشروعية عقوبة التعزير، ولكنهم اختلفوا في كثير من تفاصيلها، وهذا الخلاف ليس منحصرا بين المذاهب الإسلامية المختلفة، بل هو سار أيضاً في داخل المذهب ذاته. ومما اختلف فيه علماء المسلمين حدود تطبيق هذه العقوبة. فبينما يرى علماء أن التعزير قد يصل للقتل، يرى الأكثر أنه لا يبلغ ذلك.

تعتقد المؤسسة الدينية الرسمية في السعودية بجواز القتل التعزيري، وتمتلك أفهاماً متطرّفة للشريعة الإسلامية تبيح قتل أصحاب الآراء المختلفة معها من خلال القتل التعزيري. ولا ينحصر ذلك في قتل المعارضين السلميين، بل يتعداه إلى قتل المختلفين معها دينياً، كما أنها قد تطال من يعبر عن رأيه أو يشارك في مظاهرة.

يستخدم القضاء في السعودية هذه الأفهام لتبرير رفض دعاوى ضحايا التعذيب التي يقدمونها في المحكمة، وتسويغ الأحكام الجائرة والعنيفة التي تصل لعقوبة الإعدام.

فيما لا يوجد في السعودية قانون عقوبات يحدد طبيعة الجرائم التي تستوجب عقوبة الإعدام، فإن التدقيق في التهم الموجهة إلى المعدومين والأشخاص الذين تطالب النيابة إعدامهم، يتضح أن أغلب تلك الأحكام المنفذة والمطالبات تتعارض بشكل صارخ مع القانون الدولي، الذي يحصر إمكانية إستخدام هذه العقوبة بحق مرتكبي جرائم القتل العمد.

خلال العام 2020 أعدمت السعودية وهددت حياة العشرات بالقتل بأحكام تقول أنها تستند إلى الشريعة الإسلامية. تتبع الأحكام يبين أنها استندت إلى نصوص منتقاة من الشريعة الإسلامية وتفسير متطرف لها، حيث أن القضاة، يستخدمون لتسويغ أحكامهم الجائرة والعنيفة نصوصاً دينية، من القرآن الكريم والأحاديث النبوية، ويطبقونها وفق مستوى متشدد من الفهم، مقارنة بمستويات وسطية أو مستويات متسامحة تمارسها مدارس إسلامية أخرى، أو يستدلون بنصوص لا علاقة لها بالتهم الموجهة للضحايا من أجل تبرير أحكامهم القاسية و إلباسها لبوساً دينياً.

وحتى نهاية 2020، تهدد عقوبة الإعدام في السعودية حياة 47 سجينا على الأقل، معظمهم لم توجه لهم تهما بارتكاب جرائم شديدة الخطورة. بل أن جزءا منهم، لم توجه لهم تهما باقتراف جرائم تتوافق مع مفهوم القانون الدولي للجرائم، وإنما يواجهون تهما تتعلق بممارسة حقهم في التعبير.

فعلى سبيل المثال، تطالب النيابة العامة بإعدام الباحث حسن فرحان المالكي، لكونه يمتلك آراء تاريخية ودينية تختلف مع رأي المؤسسة الدينية الرسمية المتشددة. كما كان يواجه كُل من، علي عويشير، خالد الغانم، أحمد المطرود وآخرون تهما تتعلق بالتظاهر وإبداء آرائهم على موقع التواصل الاجتماعي. أيضا تطالب النيابة بإعدام مجموعة من رجال الدين، الذين اُعتقلوا بداية الأزمة الخليجية، وهم، الشيخ سلمان العودة، الدكتور علي العُمري، الشيخ عوض القرني.

انعدام العدالة في المحاكمة

واجه المعتقلون المهددون بالإعدام انتهاكات إضافية، بررتها السعودية بالإجراءات الاستثنائية في مواجهة جائحة كوفيد 19.

بحسب رصد المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، عمدت الحكومة السعودية إلى سوء معاملة معتقلين يواجهون خطر الإعدام، من بينهم الشيخ العودة الذي قال نجله عبد الله في تغريدة له أن “د. سلمان العودة يخضع لعملية قتل بطيء داخل السجن في الرياض، حيث التدهور المخيف لصحته في الأشهر الأخيرة والإهمال الطبي الشديد، ونحن نحمّل السلطات المسؤولية الكاملة عن كل ما يحصل للوالد”.

إضافة إلى سوء المعاملة، منعت الحكومة السعودية الأفراد المعتقلين من الزيارات بحجة الإجراءات. شمل ذلك أفرادا يواجهون خطر الإعدام وبينهم قاصرين.

انقطاع الزيارات لعدة أشهر، بحسب ما أكدت العائلات للمنظمة الأوروبية السعودية، لم يتم الاستعاضة عنه بأي إجراءات لتخفيف وطأتها، بل في بعض القضايا منع المعتقلون من التواصل مع عائلتهم لعدة أشهر ما أثار مخاوف العائلات. فبحسب توثيق المنظمة منع المعتقل الأردني حسين أبو الخير لأشهر من التواصل مع عائلته.

وفيما يتعلق بالحق في الدفاع عن النفس، استمرت الحكومة  بانتهاكات حقوق المعتقلين الأساسية، حيث أنها ماطلت في تعيين محام للقاصر محمد الفرج وآخرين معه في نفس القضية، إلى ما بعد انعقاد أكثر من جلسة من محاكمتهم، في انتهاك لحقهم للحصول على محام.

إضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من تأكيد عدد من المعتقلين تعرضهم للتعذيب لانتزاع اعترافات منهم تحت التعذيب، لم يقم القضاء في أداء واجباته في التحقيق في ذلك. وعلى الرغم من تأكيد هيئة حقوق الإنسان إعادة محاكمة كل من القاصرين علي النمر وداوود المرهون وعبد الله الزاهر، فإنها تجاهلت التحقيق في الانتهاكات التي تعرضوا لها ومن بين ذلك التعذيب وسوء المعاملة.

الإعدام وما بعده:

تمنع الحكومة السعودية العائلات من وداع أفراد عائلتهم قبل تنفيذ أحكام الإعدام بحقهم. فبحسب رصد المنظمة يتم الإعدام في معظم القضايا بشكل سري ومن دون إبلاغ العائلات، ومن دون السماح لهم بزيارة أخيرة أو مكالمة أخيرة.

أكدت بعض العائلات أنها سمعت بخبر تنفيذ الإعدام من قبل وسائل الإعلام المحلية، حيث تنشر وكالة الأنباء الرسمية عمليات الإعدام، فيما عمدت قنوات التلفاز إلى بث خبر عاجل في حالات الإعدام الجماعي، مثل الذي نفذ في يناير 2016، وطال المدافع عن العدالة الاجتماعية الشيخ نمر النمر بالاضافة 46 شخص آخر وكذلك الاعدامات الجماعية في ابريل 2019 الذي طالت 37 شخص. بعد بث الخبر بشكل علني، حاولت العائلات التواصل مع الجهات الرسمية للحصول على تأكيد، إلا أنها لم تتمكن من ذلك إلا بعد مرور ساعات وفي بعض الأحيان أيام على تنفيذ الأحكام. يزيد انعدام الشفافية فيما يتعلق بزمان ومكان تنفيذ الأحكام من حالة انعدام اليقين عند العائلات ويضاعف معاناتهم.

خلال العام 2020، رصدت المنظمة تنفيذ الحكومة السعودية حكم الإعدام بحق المعتقل المصري الجنسية، معمر القذافي، من دون إبلاغ العائلة، وبحسب المعلومات تلقى شقيق القذافي في 14 يناير 2020 مكالمة من أحد النزلاء في سجن تبوك، حيث أخبره بأنهم لم يجدوا القذافي في الزنزانة صباحا، وأن هناك أخبار من السجن تفيد بتنفيذ حكم الإعدام بحقه. حاولت العائلة التحقق من المعلومة، ولم تتمكن من ذلك إلى أن وجدت الخبر في أحد الصحف الرسمية السعودية.

يُظهر ذلك أن انعدام الشفافية في التعامل مع تنفيذ أحكام الإعدام، أكثر حدة في القضايا السياسية، وكذلك التي تطال العمال الأجانب حتى في القضايا الغير سياسية.

إضافة إلى ذلك، تحرم الحكومة السعودية العائلات من حقها في دفن أحبابها. فبحسب رصد المنظمة وصل عدد الجثامين التي تحتجزها الحكومة السعودية حتى نهاية 2020، 86 جثمانا. من بينها ما يعود لقاصرين أعدمتهم السعودية مابين عامي 2016 الى 2020 ومن بينها جثامين تعود إلى 83 سعوديا، 2 بحرينيين ومصري حسب رصد المنظمة. تتوقع المنظمة أن الأرقام أعلى، خاصة في حالات إعدام العمال الأجانب.

كما تماطل الحكومة السعودية في تسليم أوراق ومتعلقات الفرد الذي نفذ الحكم بحقه إلى عائلته وتحرمهم من كتابة الوصية. وذهبت عائلة المواطن المصري الذي أعدم في شهر يناير معمر القذافي، إلى وزارة الخارجية المصرية من أجل المطالبة بأوراق تثبت تنفيذ الحكم، وشهادة وفاة إلى جانب المطالبة بالجثمان من أجل دفنه. ولم تحصل العائلة على أي إثباتات، وبعد مرور أسبوعين على تنفيذ الحكم عاودت العائلة مرة أخرى مطالبة وزارة الخارجية بالتدخل للحصول على شهادة وفاة والجثمان من دون نتيجة. بعد أشهر من تنفيذ الحكم، حصلت العائلة على شهادة الوفاة من دون بقية الأوراق التي طالبت بها.

تماطل السعودية في تسليم أوراق الأفراد الذين تعمدهم لفترة طويلة، لم تسلم الحكومة السعودية الكتب والأوراق ومقتنيات عباسالحسن الذي أعدمته في أبريل 2019 إلى عائلته إلا في 2020 وذلك بعد عدة مطالبات قامت بها العائلة.

يعد استمرار الغموض فيما يتعلق بمكان الدفن وحيثيات الإعدام نوع من أنواع التعذيب النفسي بحق عائلات الضحايا وهذا ما أكدته تقارير حقوقية من قبل خبراء تابعين للأمم المتحدة. يضاف إلى ذلك، مخاوف من كيفية الدفن وإمكانية حصول انتهاكات أخرى، حيث أشارت عائلات إلى شكوك لديها من إمكانية سرقة أعضاء ذويهم، من دون موافقة الفرد أو عائلته. تعود هذه المخاوف إلى توقيع المحكومين على أوراق لا يعرفون محتواها على وجه اليقين بينها ما يتعلق بالأعضاء. لا يمكن الجزم فيما يتعلق بهذه المخاوف في ظل رفض تسليم الجثامين إلى العائلات واتباع إجراءات الدفن بشكل سري.

 خاتمة

ترى المنظمة أن الانخفاض الملحوظ في أحكام الإعدام المنفذة خلال العام 2020 لا يعكس توجها جذريا في التعامل الرسمي مع عقوبة الإعدام، واستخدامها الانتقامي وغير العادل. فبحسب توثيق المنظمة الأوروبية السعودية لا زال العشرات يواجهون عقوبة الإعدام بتهم تتعلق بالتعبير عن الرأي والمشاركة في مظاهرة ومحاكمتهم مستمرة على الرغم من الانتهاكات التي انطوت عليها. كما تعتقد المنظمة أن هناك الكثير من القضايا الأخرى التي لم تتمكن من توثيقها بسبب انعدام الشفافية وتغييب المجتمع المدني في الداخل والتي قد تتضمن معتقلي رأي ومعتقلين سياسيين وافرادا يواجهون تهما ليست من الأشد خطورة.

إضافة إلى ذلك، وفي ظل غياب قوانين مكتوبة وواضحة تكرس وقف أحكام الإعدام بتهم غير جسمية أو تقنن وضع الأفراد الذين يواجهون أحكام إعدام بتهم مخدرات يبقي المخاوف على حياتهم قائمة.

وتعتبر المنظمة أن أي قرارات لا تقترن بالتحقيق في الانتهاكات التي انطوت عليها القضايا، وتضمن إعادة المحاكمة وفق كافة شروط العدالة، فإنه لايعتد بها.

وتشدد المنظمة أن انعدام استقلالية القضاء، وانتفاء سبل محاسبة المنتهكين في الداخل، يجعل من الصعب الاعتقاد بأن ما أطلقته هيئة حقوق الإنسان من وعود انها إجراءات جادة يمكن الاعتماد عليها في توقع ما ستؤول إليه قضايا الإعدام.

إن العديد من المؤشرات ترجح ان السعودية سوف تتجاوز في ٢٠٢١ الرقم المسجل في ٢٠٢٠ لوجود العديد من الأحكام النهائية التي قد تنفذ في أي وقت.

AR