في اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام 2020: سيف الملك على رقاب الأطفال والمطالبين بالإصلاح

9 أكتوبر، 2020

تزامنا مع اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام في 10 أكتوبر 2020، تعج المعتقلات في المملكة العربية السعودية بالمعتقلين الذين يواجهون خطر القتل في أي لحظة. فعلى الرغم من صعوبة الوصول إلى الأرقام الدقيقة للمهددين بالإعدام، أحصت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان حالات 53 معتقلا يواجهون خطر الإعدام في مختلف درجات التقاضي. هذه القضايا تندرج في أغلبها ضمن فئة المعتقلين السياسين، وترجح المنظمة أن هناك أيضا مهددين بالإعدام في السجون الجنائية يبلغون المئات غالبيتهم بتهم المخدرات.

يُركز اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام 2020 على الحق في التمثيل القانوني للأفراد الذين قد يواجهون عقوبة الإعدام. التحالف العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام، وبمناسبة اليوم العالمي، أكد أنه من دون الحصول على تمثيل قانوني فعلي (محام أو محامية) أثناء التوقيف والاعتقال والمحاكمة وما بعد المحاكمة، فمن غير الممكن ضمان محاكمة عادلة. ففي “قضية قد يصدر فيها عقوبة الإعدام، فإن العواقب التي يمكن أن تتولد عن عدم وجود تمثيل قانوني فعال قد تكون بمثابة الفرق بين الحياة والموت”.

المنظمة الأوروبية السعودية وجدت أن الحكومة السعودية تنتهك الحق في التمثيل القانوني بشكل ممنهج، حيث تمنع المعتقل من الوصول إلى محام لأيام وأشهر وسنوات، وفي بعض القضايا تمنعه من حقه في الدفاع عن النفس حتى صدور حكم الإعدام وما بعده. وعلى الرغم من أن النيابة العامة وقانون الإجراءات الجزائية، يؤكدان على أنه من حق المتهم أن يحضر وكيله أو محاميه أثناء التحقيق معه وأنه “ليس للمحقق عزل الوكيل أو المحامي عن الحضور، على أن لا يتدخل في التحقيق إلا بإذن من المحقق”، فإنه يتم حرمان المعتقلين من التواصل مع محام خلال التحقيق كما لا يتم تعيين محام إلا بعد بدء جلسات المحاكمة.

تقوم الأجهزة الرسمية السعودية وبينها النيابة العامة ورئاسة أمن الدولة، باستثناءات وتلاعب وتجاهل للقوانين، لتحرم المتهم من هذا الحق، فبحسب صحف رسمية فإنه في غالب الأحيان في النيابة العامة، “فإن المحقق المختص يوسع المادة «70» التي تنص على:”ليس للمحقق – أثناء التحقيق – أن يعزل المتهم عن وكيله أو محاميه الحاضر معه. وليس للوكيل أو المحامي التدخل في التحقيق إلا بإذن من المحقق، وله في جميع الأحوال أن يقدم للمحقق مذكرة خطية بملحوظاته، وعلى المحقق ضم هذه المذكرة إلى ملف القضية”، وتحديدا تدخل المحامي، ويرى أن حضوره من الأساس يعدّ تدخلا، وبالتالي لا يحضر المحامي مع المتهم”.

إضافة إلى ذلك تستخدم السعودية قانون مكافحة الإرهاب لتبرير حرمان المعتقلين من حقهم في التمثيل القانوني، حيث تسمح المادة 20 باحتجاز المشتبه فيه مدة تصل إلى 90 يوما بمعزل عن العالم الخارجي، كما  تنص المادة 27 على حق المحكمة العليا في الاستماع إلى الشهود والخبراء من دون حضور المدعى عليه أو محاميه.

يحرم هذا القانون المعتقل من حقه في الدفاع عن نفسه، ففي قضية القاصر محمد عصام الفرج، الذي تطالب النيابة العامة بقتله، وعلى الرغم من مرور 3 سنوات على اعتقاله (30 يونيو 2017) فإنه حرم من محام في فترة الاعتقال والتحقيق. ولحد كتابة هذا التقرير، فإنه لايوجد لديه محام على الرغم من بدء محاكمته.

المنظمة الأوروبية السعودية رصدت أيضا، منع المحامين من الوصول إلى المستندات القانونية، إلى جانب عرقلة عملهم فيما يمنع المحامي من الدفاع عن المعتقل بالشكل الكافي والمطلوب، في قضايا حكمت المحكمة فيها بالإعدام. ففي قضية المعتقل عباس الحسن الذي أعدم في أبريل 2019، لم يتمكن من تعيين محام إلا بعد بدء جلسات المحاكمة، كما لم يحصل المحامين على الوقت الكافي للترافع عنه، والتسهيلات اللازمة، وفي ديسمبر 2016 حكم عليه بالإعدام.

وفي قضية القاصر علي النمر المحكوم بالإعدام بشكل نهائي، لم يسمح له بالاتصال بمحاميه أثناء الاعتقال والمحاكمة، ونتيجة لذلك لم يتمكن من الترافع عنه بشكل فعال.

المنظمة رصدت أيضا قضية المواطن الأردني حسين أبو الخير المحكوم بالإعدام بتهم تتعلق بالمخدرات، حيث لم يحصل على محام طوال مدة اعتقاله منذ 2014، رغما عن صدور حكم إعدام مرتين بحقه.

وعلى الرغم من “الوعود” التي أطلقت مؤخرا بتقليل أحكام الإعدام ووقف تنفيذها بحق القاصرين، فإن افتقار المحاكمات إلى شروط العدالة، إلى جانب المسار الدموي الذي شهدته الأعوام الأخيرة، تنقض أي طمأنينة محتملة على حياتهم.

وفي ظل انعدام الشفافية في التعامل الرسمي في قضايا الإعدام، من المستبعد الوصول إلى الأعداد الحقيقية للمعتقلين المهددين بالقتل، إلا أن المنظمة الأوروبية السعودية رصدت 53 قضية يواجه فيها المعتقلون عقوبة الإعدام، وغالبيتها في جانب المعتقلين السياسيين فقط.

سنوات دموية:

في 23 يناير 2015 تسلم الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم إثر وفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز. بعد 3 أيام من توليه الحكم نُفِّذَ أول إعدام بحق مواطن سعودي، لتتوالى أعوام دموية منذ ذلك، وليتربع عهد الملك سلمان، في أرقام الإعدامات، على عرش الأرقام القياسية في تاريخ السعودية.

حتى نهاية العام 2015، وقع الملك على 146 حكم إعدام طالت سعوديين وأجانب وذلك على الرغم من الانتقادات التي وجهت إلى طبيعة المحاكمات وانعدام شروط العدالة.

افتتحت الحكومة السعودية 2016 بإعدام جماعي طال 47 شخصا. من بين الأفراد الذين أعدموا في 2 يناير، المطالب بالعدالة الإجتماعية الشيخ نمر النمر، والشبان محمد الشيوخ ومحمد الصويمل. إضافة إلى ذلك طال الإعدام الجماعي 4 أطفال: علي الربح، أمين الغامدي، مصطفى أبكر ومشعل الفراج. وثقت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان عددا من الانتهاكات في سير المحاكمات، من بينها تعرض المعتقلين لسوء المعاملة والتعذيب وحرمانهم من الحق في الدفاع عن أنفسهم. وأغلق الملك سلمان 2016 بالتوقيع على تنفيذ 154 حكم.

في 21 يونيو 2017 عين محمد بن سلمان وليا للعهد، وخلال هذا العام نفذت الحكومة السعودية 146 إعداما. من بين هذه الأحكام 4 أحكام سياسية نفذت في يوليو 2017 بحق يوسف المشيخص، أمجد المعيبد، مهدي الصايغ وزاهر البصري، اللذين كان من بين تهمهم الإحتجاج والتظاهر.

في 5 أبريل 2018 أطلق ولي العهد تصريحا خلال لقاء إعلامي مع صحيفة التايمز، وعد فيه بتقليل أحكام الإعدام إلى الحد الأدنى الممكن. إلا أن العام 2018 أغلق على رقم أعلى من سابقه، ليصل إلى 147 حكم إعدام.

في العام 2019 وبعد عام على إطلاق بن سلمان وعده، نفذت الحكومة السعودية إعداما جماعيا ثانيا طال 37 شخصا. من بين المنفذ بهم الحكم أطفال ومعتقلي رأي، كما تم توثيق حرمانهم من شروط المحاكمة العادلة. وحتى نهاية العام 2019 وصلت أحكام الإعدام المنفذة إلى رقم قياسي في كل تاريخ السعودية، حيث قطعت رأس 185 شخصا.

خلال العام 2020 أطلقت جهات رسمية سعودية تصريحات تتعلق بعقوبة الإعدام، ولحد الآن لايوجد أفعال تدعمها على أرض الواقع.

في أبريل 2020 نشرت هيئة حقوق الإنسان الرسمية أمرا ملكيا بإيقاف تنفيذ كافة أحكام الإعدام “تعزيراً”، بحق الأشخاص الذين لم يتموا 18 عاما، وتعديل كافة الأحكام بما يتوافق مع نظام الأحداث، على أن تكون أقصى عقوبة السجن لمدة لا تزيد على 10 سنوات.

في يوليو 2020 رفع أحد أعضاء في مجلس الشورى توصية بإلغاء عقوبة الإعدام في جميع العقوبات التعزيرية والاكتفاء بعقوبات الحدود، بما يتناسب مع “الشريعة الإسلامية” وتفسيراتها المتبعة في السعودية.

في 26 أغسطس أعلنت هيئة حقوق الإنسان بدء تنفيذ الامر الملكي بمراجعة أحكام الإعدام الصادرة بحق 3 قاصرين هم علي النمر داوود المرهون وعبد الله الزاهر.

وكانت الحكومة السعودية في بداية أبريل 2020، وقبل أيام من التصريح بتغييرات تحمي القاصرين من عقوبة الإعدام، قد قامت بإعدام القاصر عبد المحسن الغامدي على على الرغم من المناشدات التي انتشرت عبر وسائل التواصل الإجتماعي، بأن يتم تخفيف الحكم، أو تأجيله على الأقل إلى ما بعد انتهاء أزمة فيروس كورونا التي تجتاح العالم.

الواقع مقابل الادعاءات:

على الرغم من الترويج الرسمي لتغيرات في التعاطي مع ملف عقوبة الإعدام، وفي ظل الحديث عن وقف أحكام الإعدام بحق القاصرين، لم يتم اتخاذ أي خطوات رسمية، حيث لم تتغير الأحكام النهائية الصادرة بحق 4 قاصرين كما لا زالت النيابة العامة تطلب الإعدام ضد 9 قاصرين.

إضافة إلى ذلك، لا زال عدد من المعتقلين يواجهون أحكام الإعدام بتهم تتعلق بالتعبير عن الرأي والمواقف السياسية مثل الشيخ سلمان العودة والباحث حسن فرحان المالكي والشيخ عوض القرني والدكتور علي العمري. وفيما لا تستطيع المنظمة الوصول إلى الرقم الحالي للأفراد الذين يواجهون عقوبة القتل بتهم المخدرات التي لا تعد في القانون الدولي من الأشد خطورة، إلا أنها وثقت قضية الأردني حسين أبو الخير. هذه القضايا تضمنت انتهاكات صارخة لشروط العدالة من بين ذلك عدم حصول المعتقلين على حقهم في الدفاع عن نفسهم إلى جانب تعرضهم للتعذيب. ففي قضية أبو الخير لم يتمكن من الحصول على محام طوال فترة محاكمته، فيما تعرض الشيخ سلمان العودة للإخفاء القسري والتعذيب، وتعرض الدكتور العمري للتعذيب، ولا زال القضاء السعودي يماطل في قضية القرني والمالكي حتى الآن رغم مرور 3 سنوات على اعتقالهم.

في اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام، ترى المنظمة الأوروبية السعودية إلى أن الستة أعوام من حكم الملك سلمان أظهرت وحشية مضاعفة، قتل فيها كثيرون، بينهم من قتل انتقاما من نشاطه ومنهم من لم يحصل على الحد الأدنى من معايير عدالة المحاكمات، وأبرزها الحق في الدفاع عن النفس.

وعلى وقع الترويج الرسمي لتصريحات في ملف الإعدام، لا زال القلق والحزن يخيم على العائلات، في ظل سياسة الإفلات من العقاب التي تنتهجها السعودية لحماية المسؤولين عن التعذيب وعن الانتهاكات، الذي يقع على ضحايا الإعدام ويكون جزءً من صناعة الحكم الجائر بقتلهم.

في اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام، تؤكد المنظمة الأوروبية السعودية، أنه لا إمكانية للوثوق في أي تصريحات رسمية سعودية، أو وعود، لا تقترن بالإفراج الفوري عن المعتقلين تعسفيا، وإلغاء أحكام الإعدام التي بنيت على محاكمات افتقرت للعدالة وكذلك مابنيت على جرائم غير جسيمة، كما تؤكد على أهمية تعويض العائلات التي فقدت أفرادها تعسفيا، ومنها حقهم بدفنهم.

AR