جدّة على خارطة الإخلاء القسري في السعودية

26 يناير، 2022

في يناير 2022 بدأت المملكة العربية السعودية عملية إخلاء واسعة لسكان عدة أحياء في مدينة جدة. على الرغم من الترهيب الذي تمارسه الحكومة السعودية على السكان وانعدام أي دور للمجتمع المدني ومنع التعببير عن الرأي، أكدت المتابعات انطواء عمليات الإخلاء على انتهاكات عديدة للقوانين الدولية والمحلية.

نشطاء على مواقع التواصل الإجتماعي نشروا مقاطعاً وصوراً بينت الانتهاكات التي انطوت عليها عملية الإخلاء، من بين ذلك إعطاء مهل زمنية قصيرة لا تتجاوز في بعض الأحيان 48 ساعة، ما قد يؤدي إلى تشرد بعض العائلات. كما تستهدف عملية الإزالة معالم ثقافية ودينية واجتماعية، حيث أشار نشطاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن عمليات الهدم تتضمن أيضا هدم مساجد ومدارس ومستشفيات.  كما أكدت المعلومات رفض بعض السكان إخلاء منازلهم، في ظل ضبابية في موضوع التعويضات، حيث أكد متابعون أن العديد من السكان الذين لا يمتلكون أوراق ملكية رسمية حرموا من حقهم في التعويض، فيما يواجه آخرون ممطالة في تسليم المبالغ التي أشارت مصادر إلى أنها لا تكفي لشراء سكن مماثل بديل.

وكان ولي العهد محمد بن سلمان قد أطلق في ديسمبر 2021 المخطط العام والملامح الرئيسة لمشروع “وسط جدة” بإجمالي استثمارات تصل إلى 75 مليار ريال خصصت لتطوير 5.7 مليون متر مربع، بتمويل من صندوق الاستثمارات العامة والمستثمرين. ويأتي المخطط في إطار رؤية 2020 التي أطلقها بن سلمان، حيث ستسبدل الأحياء بأربعة معالم رئيسة عالمية هي “دار أوبرا، ومتحف، واستاد رياضي، والأحواض المحيطية والمزارع المرجانية”، بالإضافة إلى 10 مشاريع ترفيهية وسياحية نوعية. وبحسب الجداول المنشورة من قبل أمانة مدينة جدة، فإن أعمال الهدم والإزالة ستطال 37 حيّا على الأقل، بمساحة إجمالية تصل إلى 31.2 مليون متر مكعب. وبحسب الأرقام، فإن 200 ألف منزل، يسكن فيها ما يقارب المليون شخص يشكلون  ربع سكان مدينة جدة متضررون من عمليات الإخلاء.

ترى المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن الحكومة السعودية تستخدم سياسة الإخلاء القسري بشكل مستمر، من دون الالتزام بالمبادئ والقوانين الدولية، وبما يؤثر بشكل مباشر على السكان وحقوقهم الأساسية.

ففي مايو 2017 عمدت السعودية إلى القيام بعملية تهجير قسري طالت الآلاف، في حي المسورة في مدينة العوامية، وذلك على الرغم من انتقاد الأمم المتحدة لذلك ومطالبتها الحكومة بحماية الحي الأثري. أكد توثيق المنظمة الأوروبية السعودية انتهاك السعودية لعدد من القوانين في عملية حي المسورة.

وفي مطلع العام 2020، شرعت السلطات في تهجير أهالي منطقة الخربة التابعة لمدينة تبوك شمال غرب البلاد، لضمها إلى مشروع مدينة نيوم التي يريد ابن سلمان جعلها قبلة للسياحة والأعمال في المنطقة. وشهدت المنطقة حينها الحادثة الأبرز بمقتل عبد الرحيم الحويطي الذي رفض التوقيع على الحصول تعويضات مقابل إخلاء منزله، وقال الأهالي حينها إن مشروع نيوم غير مبرر لإزالة منازلهم التي لا تؤثر على سير الأعمال.

وفي أبريل الماضي، هدمت السلطات منازل في منطقة تندحة بمحافظة خميس مشيط وسط سخط من الأهالي الذين حاولوا التصدي للجرافات. وهدمت السلطات كذلك منازل في أحياء قديمة في عدة أماكن من البلاد بينها مكة المكرمة والمدينة المنورة.

ترى المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن ما يتعرض له سكان مدينة جدة، وما تعرض له سكان المناطق الأخرى في أوقات متفاوتة، هو إخلاء قسري تعرفه اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية بأنه “نقل الأفراد والأُسر و/أو المجتمعات المحلية، بشكل دائم أو مؤقت وضد مشيئتهم، من البيوت و/أو الأراضي التي يشغلونها، دون توفير أشكال مناسبة من الحماية القانونية أو غيرها من أنواع الحماية، وإتاحة التوصل إليها”.

وتشير المنظمة إلى أن الاجراءات التي اتخذتها الحكومة السعودية، خالفت الأنظمة المحلية وبينها نظام نزع الملكيات للمنفعة العامة، حيث لم تعمد إلى تثمين الأملاك ومنح السكان حق الاعتراض، كما ينص القانون، وعمدت إلى إخلاء المنازل لأهداف تجارية لا تخدم مصلحتهم، ومن دون تنبيه مسبق ما أدى إلى تشريد بعض السكان.

إضافة إلى ذلك انتهكت السعودية القوانين الدولية وخاصة المبادئ الأساسية والمبادئ التوجيهية المتعلقة بعمليات الإخلاء والترحيل بدافع التنمية التي نشرها المقرر المعني بالسكن. ففيما تنص المبادئ على أنه “يجب على الدول أن تعطي الأولوية لاستكشاف الاستراتيجيات التي تحد من الترحيل إلى أدنى حد”، تعطي الحكومة السعودية الأولوية للأهداف الاقتصادية أو السياسية بعيدا عن مصالح السكان.

إضافة إلى ذلك وبحسب المبادئ “ينبغي أن يشارك في عمليات التخطيط الحضري أو الريفي والتنمية الحضرية أو الريفية كل من قد يتضرر منها”. في المقابل فإن توثيق عمليات التهجير والإخلاء التي حصلت بينت انعدام أي مشاركة للمجتمع المحلي المتضرر في التخطيط، وملاحقة الأفراد الذي اعترضوا على الإجراءات بالقتل والاعتقال.

وفيما “لا ينبغي أن ينتج عن عمليات الإخلاء تشريد أشخاص أو جعلهم عرضة لانتهاك حقوق الإنسان الأخرى” فإن الحكومة السعودية انتهكت في العمليات التي نفذتها عددا من الحقوق، من بين ذلك الحق في الحياة والحق في السكن وغيرها.

إلى جانب ذلك انتهكت السعودية المبادئ الدولية الأساسية في عمليات الإخلاء خلال وبعد التنفيذ، من بين ذلك ما يتعلق بعمليات التعويض والإجلاء والإخطار والمدة الزمنية واستخدام القوة.

تعتبر المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن الحكومة السعودية تنتهك في عمليات الهدم والإخلاء القواعد والقوانين والمبادئ الدولية وبالتالي تقوم بعمليات إخلاء قسري. وتؤكد المنظمة أنه إلى جانب الإجراءات المصاحبة لعمليات الهدم، فإن عمليات الإخلاء لا يمكن أن تكون قانونية إلا إذا كانت بهدف التنمية لمصلحة السكان والأفراد، وهو ما لا تتضمنه المخططات الاستثمارية التي تم الإعلان عنها.

AR