تطبيع الصّروح الأكاديميّة الأميركيّة مع نظام القتل السّعودي *

تطبيع الصّروح الأكاديميّة الأميركيّة مع نظام القتل السّعودي *

عام 1982 تشكّلت لجنة الأزمات في الشّرق الأوسط لدعم الفلسطينيّن خلال الغزو الإسرائيلي للبنان في ذلك العام، وهي معنيّة بأزمات بالشّرق الأوسط بشكلٍ عام، واللّجنة منذ التّأسيس في ولاية كونيتيكت تشارك في عدد من النّضالات من أجل حقوق الإنسان، وقد بدأنا بتسليط إهتمامها على قضايا حقوقيّة في المملكة العربيّة السّعوديّة منذ فترة وجيزة نسبيًّا.

نشنّ اليوم حملةً في ولاية كونيتيكت بالولايات المتحدة الأمريكية، ضد جامعة لها صلات بالأجهزة الأمنيّة والعسكريّة السّعوديّة، ونؤمن كثيرًا بفعاليّة الحملات التّي تشّن ضدّ أنظمة الإستبداد في كلّ مكان.

تغيب مبادئ العدالة بشكل مطلق عن ممارسات النّظام السّعودي، ونحن نحاول تسجيل إعتراضنا على ممارساته، ونعمل جاهدين لإدانة السّعوديّة منذ بداية الحرب الهمجيّة التّي شنّتها المملكة على اليمن. في عام 2016 ، نظّمنا إعتصامين داخل كليّة الحقوق في جامعة ييل إثر حصولها على تمويل بعشرة ملايين دولار من ملياردير سعودي على إرتباط بالحكومة.

وفي نفس السّياق، قمنا بالتّعاون مع مجموعات حقوقيّة أخرى بإنشاء موقع إلكتروني لتشكيل ضغط على الولايات المتّحدة الأميركيّة لتنهي تحالفها مع النّظام السّعودي.

علمنا في العام 2017، أنّ جامعة نيو هيفن في كونيتيكت تسعى لإنشاء شراكة مع كليّة الملك فهد الأمنيّة في السّعوديّة التّي تدرّب جميع أفراد الشّرطة السّعوديّة، وأحيانًا العسكرييّن أيضًا.

 الشّراكة كانت مع معهد هنري سي لي للعدالة الجنائيّة وعلوم الطّبّ الشّرعي في جامعة نيو هيفن تحديدًا. المعهد الذّي أُسّس في عام 1998، يحمل إسم عالم الطّب الشّرعي الشّهير هنري سي لي الذّي يرأسه أيضًا، وقد اشتهر لي بإدلائه بشهادته في العديد من المحاكمات الشّهيرة.

قامت لجنتنا بكتابة خطاب شكوى للجامعة دون الحصول على أيّ رد. بعد ذلك وقّع أربعون ناشطًا وكاتبًا وأكاديميًا أمريكيًا عريضة مفتوحة تطالب الكليّة بإنهاء إتّفاقها مع كليّة الملك فهد الأمنيّة. جديرٌ بالذّكر هنا أنّ نيو هفين جامعة خاصّة، لذلك لا سلطة حكوميّة تنظّم تمويلها، ومواردها الماليّة ومصادر تمويلها غير شفّافة، ولا يستطيع الجمهور الإطّلاع عليها. 

رغم عدم تلقيّنا أي إجابة من إدارة الكليّة بعد إرسال العريضة المطالبة بوقف التّعاون مع مملكة لا تحترم حقوق الإنسان وتنخرط في حرب بلا رحمة ضد اليّمنيّين، لكنّ في الصّحيفة المخصّصة للطّلاب، ذُكرت العريضة في الصّفحة الأولى، وتحدّث مقال في المجلّة اللّيبراليّة “The Nation” في ربيع عام 2018 عنها أيضًا. ولم يتمّ الحديث عن العريضة بعد ذلك.

في الثّاني من تشرين الثّاني 2018 اختفى المواطن السعودي وكاتب العمود في صحيفة واشنطن بوست جمال خاشقجي بعد ذهابه إلى القنصلية السعودية في تركيا. سرعان ما تبيّن أنّ خاشقجي قتل وقطّع جسده واختفى، رغم آمال أصدقائه بأن يكون على قيد الحياة. 

بيّنت التّحقيقات لاحقًا أنّ المتّهم الأوّل في القضيّة هو الطّبيب الشّرعي وخبير الأدلّة الجنائيّة صلاح الطّبيقي، وقد فعل ذلك مستخدمًا سكيّن منشار العظام. 

بعد نشر صور الطّبيقي إتّضح أنّه كان عضوًا في الجمعيّة السّعوديّة للطّبّ الشّرعي، في حين كان هنري سي لي زميلًا له، حيث شاركه عضويّة هيئة تحرير مجلّة الجمعيّة السّعوديّة للطّبّ الشّرعي، وكانت هذه العلاقة أوّل الأسهم الحمراء في القضيّة.

أصدرنا بيانًا صحفيًا، بعد ذلك نشر مقالٌ صحافيٌّ في مجلّة courant ونال اهتمامًا كبيرًا. تحدّث الصّحافيّ عن علاقة هنري الطّبيقي بسي لي، وبعد مقابلة معه أكّد الأخير عدم تذكّره للطّبيقي، وأنّه قد يكون اصطدم به في إجتماع ما.

غطّت وسائل إعلاميّة عديدة سجلّات نيو هيفن، مثل المجلّة الوطنيّة “نيوزويك”، ومجلّة الطّلّاب في الجامعة، البرنامج الإذاعي كاونتر بوينت، برنامج الراديو، برنامج الدّيمقراطيّة الآن وهو أفضل وأشهر برنامج يساري في الولايات المتّحدة وقناة الجزيرة.

على الصّعيد المحلّي، أثار عضو مجلس الشّيوخ عن ولاية كناتيكيت ، ريتشارد بلومنثال مخاوفه علنًا، وهو أمر لم يفعله من قبل بشأن المملكة العربية السّعوديّة مسبقًا.

في كانون الثّاني من العام 2019 ذهبنا إلى مجلس مدينة ويست هيفن. تحدّثنا ورفع عدد منّا لافتات مطالبين مجلس المدينة بالتّحدّث إلى الجامعة بشأن علاقاتها مع السّعوديّة. وقد إتّضح أنّ رئيس المجلس كان رئيس الشّرطة في الجامعة لكنّه لم يفعل شيئًا.

في مقال رأي في ربيع ذلك العام في صحيفة الجامعة، طالبنا هنري سي لي بالإستقالة من مجلس مجلّة الطّبّ الشّرعي السّعوديّة، وأن تقوم الجامعة بإنهاء علاقاتها مع كليّة الملك فهد، لم يتفاعل رئيس الجامعة لي أو مجلس إدارتها معنا علنًا، حتّى بعد إدانة الطّبيقي بارتكاب جريمة القتل في محكمة سعوديّة في وقتٍ لاحق من ذلك العام.

قمنا بمطالبة الجامعة مجدّدًا، في أيّار 2020، وبما أنّ عقدهم مع كليّة الملك فهد الأمنيّة كان سينتهي في يونيو 2021 طالبنا بعدم تجديده. لم تتفاعل معنا الكليّة، ولكنّ تبيّن لاحقًا أنّها لم تجدّد العقد، وقد يكون ذلك بسبب الضّغط والمشاكل الذّي سبّبه هذا التّعاون.

إتّصل بي مراسل لمركز واشنطن للأبحاث قائلًا أنّه يريد كتابة قصّة عن الجامعة وعلاقتها بالمملكة العربيّة السّعوديّة. أعطيته كلّ التّفاصيل، وأجرى أبحاثه الخاصّة ثمّ إتّصل بأحد أعضاء هيئة التّدريس التّابعين للكليّة الذّين عاشوا في المملكة العربية السعودية، فأخبره الأخير أنّه الآن في الولايات المتّحدة لأنّ البرنامج إنتهى.

اليوم ورغم عدم قدرتنا على إيجاد صلة تربط الجامعة بكليّة الملك فهد الأمنية، لا نستطيع أن نعتبر ذلك برهانًا صارمًا على إنتهاء كافّة أشكال التّعاون بين الإثنين إنطلاقًا من الضّغط الذّي شنّ على الجامعة، ولكنّ في ظلّ المعلومات التّي نملكها نستطيع أن نعتبر أنّنا حقّقنا نجاحًا، يمنحنا الأمل للقيام بحملات ضغط لاحقة، ويفيدنا للتّحرك باستعمال تكتيكات مشابهة في قضايا أخرى. 

تعمل اللّجنة اليوم على قضايا حقوقيّة مختلفة في المملكة، وقد أنشأ برنامج تلفزيوني يتابع ملفّات عديدة كالتّعسف الممارس على النّاشطين الحقوقيّين كلجين الهذلول التّي خرجت من السّجن لكنّها مجبرة على الصّمت، وسوء معاملة المسلمين الشيعة، وقضايا حقوق النّساء، وعدم إلغاء عقوبة الإعدام لجرائم المخدّرات.

نهاية، تدفع السّعوديّة ملايين الدّولارات لإستغلال صروح أكاديميّة ومؤسسّات إعلاميّة وغيرها، ونحن نملك اليوم معلومات واسعة في هذا المجال، رغم ذلك نؤمن أنّ شمعة واحدة تساعد في تخفيف الظّلام، فالعمل الحثيث من قبل المنظّمات الحقوقيّة الدّوليّة والمحليّة يجب أن يستمرّ، والضّغط بكافّة الأشكال يجب أن يتتابع.

*كلمة ستانلي هيلر في المؤتمر السنوي الثالث لضحايا الانتهاكات في المملكة العربية السعودية الذي عقد بتاريخ 9و 10 ديسمبر 2022.

AR