التعذيب: الجريمة المباحة في السجون السعودية

26 يونيو، 2020

تزامنا مع إحياء العالم في 26 يونيو اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب، خلصت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، وبعد فحصها 110 حالات إعتقال تعسفي ارتكبتها المملكة العربية السعودية، إلى أن جريمة التعذيب لا تزال تمارس في سجونها بشكل منهجي خطر، دونما إستثناء للأطفال والنساء. تقدم المنظمة في هذه الدراسة ما خلصت إليه من نتائج.

  • خلفية

يعد التعذيب من أبشع الانتهاكات لحقوق الإنسان، حيث أنه يمثل اعتداءً صارخاً على مبدأ الكرامة الإنسانية، الذي يعتبر الأساس للحرية والعدل، والقاعدة التي بنيت عليها مبادئ حقوق الإنسان. في 26 يونيو 1987 دخلت اتفاقية مناهضة التعذيب حيز التنفيذ، بعد مصادقة عشرين دولة على نص الاتفاقية.

في سبتمبر 1997 صادقت المملكة العربية السعودية على اتفاقية مناهضة التعذيب، التي تلزم اعضائها باتخاذ إجراءات تمنع التعذيب. تنص الفقرة الأولى من المادة الثانية للاتفاقية على: “تتخذ كل دولة طرف إجراءات تشريعية أو إدارية أو قضائية فعالة أو أية إجراءات أخرى لمنع أعمال التعذيب في أي إقليم يخضع لاختصاصها القضائي”.

الإجراءات الممهدة للتعذيب

على النقيض من الإجراءات التي ينبغي للسعودية القيام بها لمنع التعذيب بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب وأنظمتها المحلية، تُعتمد في السعودية إجراءات -بعد اعتقال المتهم- تساعد على خلق بيئة “تسهل” حدوث التعذيب و إفلات مرتكبيه من العقاب، بدلاً من قيامها بأتخاذ إجراءات جذرية تقي من وقوعه. فلقد أثبتت الدراسة أن الغالبية العظمى من الحالات المدروسة اتخذت معهم الإجراءات التالية:

1- الحبس الإنفرادي:

تختلف البلدان في تحديد المدة القانونية للحبس الإنفرادي، والدواعي التي يمكن فيها تطبيقه، لكن هذا الإجراء يتخذ في السجون السعودية، وخاصة في سجون المباحث، على نطاق واسع وبشكل تعسفي يرقى في عدة حالات لحد التعذيب.

مكث الكثير من أصحاب الحالات المدروسة في الحبس الإنفرادي لمدة تجاوزت 6 شهور، كما أن جزء منهم قارب أو تجاوز العام، وهذا يعد خرقاً واضحاً لما نصت عليها المادة 119 من نظام الإجراءات الجزائية السعودي. “للمحقق – في كل الأحوال – أن يأمر بعدم اتصال المتهم بغيره من المسجونين، أو الموقوفين، وألا يزوره أحد لمدة لا تزيد على (ستين) يوماً إذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك، دون الإخلال بحق المتهم في الاتصال بوكيله أو محاميه”.

كشفت الدراسة أن المحققين يستخدمون الحبس الإنفرادي من أجل إرغام الضحية على التوقيع على أقوال كتبوها بأنفسهم، وذلك عبر إخضاعه لصنوف متعددة من التعذيب الجسدي والنفسي. بحسب وثائق رسمية، قال المعتقل أحمد الناصر أمام المحكمة، وهو معتقل بتهم متعددة بينها التجسس، أن المحقق قال له صراحة بأنه سيبقى في الحبس الإنفرادي حتى يموت، إذا لم يقم بالتوقيع على الأقوال التي كتبها المحقق بيده.

إضافة إلى ذلك، لا يزال الشيخ سمير الهلال، فاضل المغسل، يمكثون في السجن الإنفرادي منذ أعوام، مما يثير القلق من تعرضهم للتعذيب وسوء المعاملة. وكانت المنظمة قد وثقت استخدام الإخفاء القسري كمقدمة للتعذيب والقتل والأحكام التعسفية.

2- الحرمان من الاستعانة بمحام:

تمكين المتهم من التواصل مع محام بعد الاعتقال مباشرة وخاصة في جلسات الاستجواب والتحقيق، من شأنه أن يمنع بشكل كبير إحتمالية وقوع التعذيب، ومع أن الفقرة الأولى من المادة الرابعة لنظام الإجراءات الجزائية في السعودية تنص على أنه: “يحق لكل متهم أن يستعين بوكيل أو محام للدفاع عنه في مرحلتي التحقيق والمحاكمة”. إلا أنه على النقيض التام من ذلك، لا تسمح الجهات الامنية المعنية (المباحث) للمعتقل بتوكيل محام في فترة التحقيق نهائياً، ولا تمكنه من هذا الحق إلا أثناء أو بعد الجلسة الأولى من محاكمته، ما يجعل الإستعانة بالمحام بعد ذلك شكلية وغير فعالة، لكون الضحية أجبر على المصادقة على أقواله قبل عرضه على المحكمة.

3- عدم الفصل بين الجهة التي تتولى مسؤولية الاحتجاز وجهة التحقيق:

يساعد الفصل بين الجهة المسؤولة عن الاحتجاز والجهة المسؤولة عن التحقيق على تقليل احتمالية وقوع جرائم التعذيب، وعلى العكس من ذلك، إذا كانت جهة واحدة هي المسؤولة عن الأمرين. تنص المادة الثالثة عشر من نظام الإجراءات الجزائية على أن: “تتولى هيئة التحقيق والادعاء العام التحقيق والادعاء العام طبقاً لنظامها ولائحته”. ولكن الواقع أن المعتقلين -على خلفية قضايا سياسية- يخضعون للاستجواب غالباً في مباني سجون المباحث، ما يرجح أن المحققين من جهاز المباحث.

ومن الواضح أن إجراء جلسات التحقيق في مباني جهاز المباحث، بخلاف ما هو منصوص عليه في النظام المحلية، يهدف إلى خلق بيئة مناسبة لهم لإخضاع المتهمين للتعذيب وإرغامها على الاعتراف خلافاً لرغباتهم. قال العديد من الضحايا أن جلسات التحقيق معهم كانت تجري لساعات طويلة متواصلة بعد منتصف الليل.

4- إجبار الضحايا على التصديق على أقوالهم قبل المحاكمة:

تنص المادة 108 من نظام المرافعات الشرعية على أن الإقرار يجب أن يكون أمام القضاء أثناء السير في الدعوى. “إقرار الخصم – عند الاستجواب أو دون استجوابه – حجة قاصرة عليه، ويجب أن يكون الإقرار حاصلاً أمام القضاء أثناء السير في الدعوى المتعلقة بالواقعة المقر بها”.

لكن السعودية تنفذ طريقة من شأنها إرغام المعتقل على الموافقة على الأقوال التي أكره عليها، حيث تقوم قبل بداية المحاكمة بإرساله إلى قاضي يسمى “قاضي التصديق”، تنحصر مهمته فقط  في أخذ توقيعه على أقواله، ومن ثم يتم إرجاعه إلى السجن، وإذا رفض المعتقل التوقيع، يتم إرجاعه مرة أخرى للتحقيق الذي هو في حقيقته تعذيب. ولكي ينجو المعتقل من أهوال التعذيب التي يواجهها مرة أخرى، يضطر للتوقيع ولا مجال لديه أمام قاضي التصديق للنقاش أو الإعتراض أو الإستعانة بمحام. بعد ذلك تبدأ في وقت لاحق محاكمته أمام القاضي الأساسي للقضية، ولا يقبل القاضي الأساسي منه الإعتراض على أقواله بدعوى أنه وقع مسبقاً على أقواله أمام قاضي التصديق.

وأغلب الحالات التي درستها المنظمة، لم يُحال أصحابها إلى المحكمة إلا بعد إرغامهم على تصديق أقوالهم لدى “قاضي التصديق”.

في كثير من الحالات قال الضحايا أن المحققين قاموا بتهديدهم بتعذيب أشد في حال لم يقوموا بالمصادقة على أقوالهم. كما أثبتت الوثائق التي راجعتها المنظمة أن عددا من الضحايا قالوا في المحكمة أنهم رفضوا المصادقة على أقوالهم لدى قاضي التصديق، ولكنه لم يتخذ أي إجراء لحمايتهم من التعذيب. “أنت مُخْيّر بين المصادقة عليها أو إعادتك للمباحث بدون المصادقة، وهم سوف يعاودون التحقيق معك”. هكذا قال قاضي التصديق للقاصر مجتبى السويكت الذي أُعدم في إبريل 2019 بعدما قال له أن إقراراته غير صحيحة.

في السياق ذاته، رفض المعتقل علي آل ربيع (محكوم بالإعدام)، التصديق على أقواله لدى قاضي التصديق لأن المحقق هو من قام بكتابتها، ولكنه أُرجع إلى مُعذبيه مرة أخرى، وقاموا بإخضاعه مرة أخرى للتعذيب واجبروه على العودة للمصادقة على تلك الأقوال.

  • صنوف التعذيب في السعودية

بحسب الدراسة التي أجرتها المنظمة، تمارس الأجهزة الأمنية السعودية العديد من صنوف التعذيب وغيره من ضروب المعاملة اللاإنسانية الحاطة من الكرامة الإنسانية، من بينها:

1- الحرمان من النوم لأيام متواصلة. (من بين الذين مورس بحقهم: محمد الزنادي، الشيخ بدر الطالب، علي آل ربيع).

2- الضرب المبرح. (من بين الذين مورس بحقهم: القاصر محمد عصام الفرج، حيدر آل ليف، فاضل السليمان، القاصر علي آل نمر، الكاتب نذير الماجد، ناجي الصالح، القاصر مجتبى الصفواني).

3- إجبار الضحية على الوقوف لساعات طويلة رافعا يديه، وأحياناً وهي مقيدة. (من بين الذين مورس بحقهم: علي عويشير، فاضل المناسف، علي الدبيسي، القاصر سلمان آل قريش).

4- وضع الضحية في غرفة باردة من دون ملابس أو بسكب الماء البارد عليهم. (من بين الذين مورس بحقهم: القاصر جلال لباد، محمد الزنادي).

5- الصعق بالكهرباء. (من بين الذين مورس بحقهم: فاضل مكي المناسف، حسين الفرج، الدكتور علي العمري، أمجد المعيبد، القاصر عبدالكريم الحواج، يوسف المصلاب).

6- قلع الأظافر. (من بين الذين مورس بحقهم: حسين الفرج).

7- الضرب على الأعضاء التناسلية.

8- تعرية الضحية بشكل كامل أثناء التحقيق. (من بين الذين مورس بحقهم: محمد الضامن).

9- ربط الضحية في الكرسي أثناء التحقيق إمعاناً في إذلاله. (من بين الذين مورس بحقهم: نسيمة السادة).

10- تقييد أرجل الضحية بالسلاسل لأشهر. (من بين الذين مورس بحقهم: داعية العدالة الاجتماعية الشيخ نمر النمر، الشيخ سلمان العودة).

11- عصب العينين وقت التحقيق. (من بين الذين مورس بحقهم: الشيخ سلمان العودة).

12-حرق الضحية بأعقاب السجائر. (من بين الذين مورس بحقهم: الدكتور علي العمري، سالم أبو عبدالله).

13- ضرب الضحية بطريقة الفلكة. (من بين الذين مورس بحقهم: يوسف المشيخص).

14- ضرب الضحية بالخيزران وبالأسلاك الكهربائية. (من بين الذين مورس بحقهم: يوسف المشيخص، القاصر عبدالكريم الحواج، عبدالله آل طريف).

15- الضرب حتى الإغماء.

16- التهديد بالقتل. (من بين الذين مورس بحقهم:علي عويشير).

17- الضرب بكعوب البنادق على الظهر. (من بين الذين مورس بحقهم: زهير كتبي).

18- تهديد الضحية بإحضار زوجته أو أفراد من عائلته إلى السجن (من بين الذين مورس بحقهم: حيدر آل ليف، عباس الحسن).

19- توجيه الإهانات أو الشتائم الطائفية. (من بين الذين مورس بحقهم: علي العطل).

20- تعليق الضحية من قدميه ورأسه إلى الأسفل. (من بين الذين مورس بحقهم: حسين أبو الخير).

21- الإهمال الطبي بقصد الإضرار بالضحية. (من بين الذين مورس بحقهم: الشيخ نمر النمر).

تجاهل المحاكم السعودية لدعاوى التعذيب

كشفت الدراسة التي أجرتها المنظمة على 110 حالة من ضحايا التعذيب في السعودية، أن 41 شخصاً على الأقل قدموا شكاوى في المحكمة تتعلق بتعرضهم للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة الحاطة بالكرامة. كما قال عددا منهم أن المحققين هددوهم بإحضار أقاربهم (زوجة، ابن، أم) إلى السجن في حال امتنعوا عن التوقيع على الأقوال التي كتبها المحققين سلفاً.

ولقد أثبتت الوثائق التي أطلعت عليها المنظمة أن قضاة المحكمة الجزائية المتخصصة لم يعيروا اهتماماً وجدية، في انتهاك صارخ للمادة الثانية عشر من إتفاقية مناهضة التعذيب التي تنص على: “تضمن كل دولة طرف قيام سلطاتها المختصة بإجراء تحقيق سريع ونزيه كلما وجدت أسباب معقولة تدعو إلى الاعتقاد بأن عملا من أعمال التعذيب قد ارتكب في أي من الأقاليم الخاضعة لولايتها القضائية”.

بالإضافة إلى ذلك، أشارت الوثائق أن القضاة لم يكترثوا لدعاوى الضحايا ومطالبتهم بإحضار تسجيلات الفيديو الخاصة بجلسات التحقيقات التي انتزعت فيها الاعترافات، حيث تتوفر في بعض غرف التحقيق كاميرات. كما لم يكترثوا لمطالبة الضحايا بإحضار المحققين لاستجوابهم عن طريقة انتزاع الاعترافات.

قال المحامي طه الحاجي، الذي كان وكيلا لعدد من الضحايا، أن القضاة اكتفوا بترديد إنكار النائب العام كدليل لعدم وقوع التعذيب بحق الضحايا، في وقت لا توجد مؤشرات أن النيابة العامة هي باشرت التحقيق الذي كان يتم في مباني المباحث، ما يشير لتواطؤ مؤسسة القضاء مع النيابة في تمرير إفلات مجرمي التعذيب من الأجهزة الأمنية من العقاب والمساءلة.

  • إحصاءات الحالات المدروسة

30 حالة من أصل العدد الكلي (110) نفذت بحقهم أحكام إعدام بناء على تلك الأقوال المنتزعة تحت وطأة التعذيب، من بينهم 7 قاصرين. كما لا يزال 15 يواجهون خطر الإعدام على مختلف درجات التقاضي، ومن بينهم 6 قاصرين. 17 حالة من العدد الكلي أطلق سراحهم، و54 حالة لايزال أصحابها قيد الاعتقال. 3 من العدد الكلي إناث.

  • الخاتمة

تعتقد المنظمة من خلال دراستها لهذه الحالات (110) وتحليلها لعشرات الوثائق الرسمية التي تثبت تجاهل القضاة لدعاوى الضحايا، أن التعذيب عمليا مباح في السجون السعودية، بل إنه إجراء رسمي، كما أن مرتكبيه وعلى رأسهم رئاسة أمن الدولة، الجهاز الأمني الخَطِر، محمي بشكل مباشر من الملك سلمان وابنه ولي العهد، وذلك منذ تأسيسه في 20 يوليو 2017 بمرسوم ملكي.

كما ترى المنظمة أن تجاهل القضاء دعاوى التعذيب، والإجراءات غير النظامية التي اتبعت مع الضحايا، وعدم قيامه بأي خطوات عادلة وشفافة لانصافهم، دليل على تواطؤه مع مرتكبي جرائم التعذيب من الاجهزة الأمنية.

AR