بعد وعود بن سلمان المضللة بتمكينها: المرأة السعودية تحت رحمة الأعوام الأكثر قسوةً

21 مايو، 2019

شهد العام 2018 تصعيداً غير مسبوق في المملكة العربية السعودية ضد النساء وخاصة المدافعات عن حقوق الإنسان، حيث شنت الحكومة حملات اعتقالات ضد رائدات المطالبة بإلغاء حظر قيادة المرأة للسيارة وإلغاء نظام الوصاية الذكوري.

وعلى الرغم من بعض التعديلات التي طرأت على الأنظمة خلال الثلاث سنوات الأخيرة، والتي أعادت للنساء بعضا من حقوقهن، مثل رفع الحظر عن قيادتهن للسيارة ورفع الحظر عن حضورهن مباريات كرة القدم وإعادة السماح بدور السينما، إلا أنها صعدت من حملات الإضطهاد ضدهن. هذه الحملات تجلّت مع عشرات الإعتقالات التي طالت النساء، وتعرّضهن للعدد من الإنتهاكات غير المسبوقة في السجون كالتحرش الجنسي وصنوف التعذيب والمعاملة اللاإنسانية والحاطة بالكرامة. وعلى الرغم من تأكيدهن ذلك، بقي المُعذبين والمُنتهكين بمعزل عن العقاب.  تضاف هذه الإنتهاكات إلى إبقاء نظام الوصاية الذي يجعل النساء تحت سلطة الرجال في كثير من الشؤون.

التعذيب والإفلات من العقاب

تؤكد قضايا المعتقلين والمعتقلات التي تم توثيقها إستخدام السعودية للإقرارات المنتزعة تحت التعذيب في فترة التحقيق التي لايسمح فيها للمعتقلين بالاستعانة بمحام، كدليل رئيسي لإدانتهم، وفيما لا يمكن في المحاكمة نقضها، فإن المحاكمات التي يخضعون لها هي محاكمات صورية، وهذا ما يخالف إلتزامات السعودية بموجب إتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة التي صادقت عليها عام 1997.

أكدت شقيقة الناشطة لجين الهذلول في تغريدة لها  أن أغلب الناشطات قالوا أمام القاضي أنهن تعرضن للتعذيب والتحرش الجنسي من قبل عناصر المباحث السعودية، قبل عرضهن على المحكمة في مارس 2019 وتصديق أقوالهن. على الرغم من ذلك فإن النيابة العامة السعودية المرتبطة بالملك نفت ذلك في الجلسة التي عُقدت في الثالث من إبريل 2019، بدون إجراء أي تحقيق شفاف.

وفي دلالة مرعبة تؤكد أن التعذيب والتحرش الجنسي يحظى بغطاء ودعم مسؤولين كبار، قالت أخت الناشطة لجين الهذلول، علياء، إن مستشار الديوان الملكي السابق سعود القحطاني القريب من ولي العهد محمد بن سلمان، أشرف بشكل مباشر على جلسة تعذيب وتحرش جنسي بحق أختها لجين. كما ذكرت أن سعود القحطاني هدد أختها بالقتل وتقطيع جسدها ورميه بالمجاري، وقال لها أنه قبل قتلها سيقوم باغتصابها أيضاً. أقالت السعودية المستشار القحطاني بعد تراكم الإتهامات بتورطه في جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول في 2 أكتوبر 2018،  لكن تقارير صحفية تشير من وقت لآخر أنه لازال يتولى مسؤولياته في الخفاء.

وعلى الرغم من الكثير من دعاوى التعذيب الشفهية التي قدمتها الناشطات ويقدمها المعتقلين بشكل واسع، لم تقم السعودية بإجراء تحقيقات شفافة ، على خلاف ما تنص عليه الفقرة الثانية عشرة من إتفاقية مناهضة التعذيب: “تضمن كل دولة طرف قيام سلطاتها المختصة بإجراء تحقيق سريع ونزيه كلما وجدت أسباب معقولة تدعو إلى الاعتقاد بأن عملاً من أعمال التعذيب قد ارتكب في أي من الأقاليم الخاضعة لولايتها القضائية”.

إتساع دائرة القمع

منذ تسلم الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده محمد بن سلمان الحكم، إتسعت دائرة القمع في السعودية، وباتت لا تستهدف فقط  أصحاب الرأي والناشطين، بل تطال أفراد أسرهم في حال تحدّثوا عن الإنتهاكات داخل السجون. وكانت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان قد أشارت سابقا إلى الإنتهاكات التي يتعرض لها أبناء وأسر معتقلي الرأي.

على سبيل المثال، اعتقلت السعودية في أكتوبر 2017 العباس المالكي بعد قيامه بكتابة تغريدات تطرق فيها إلى ظروف اعتقال والده الباحث حسن فرحان المالكي، الذي يواجه طلب من النيابة العامة بإعدامه بسبب آرائه التاريخية والدينية. كما اعتقلت خالد العودة في سبتمبر 2017 بعد يومين من اعتقال أخيه الشيخ سلمان العودة، من دون الإعلان عن السبب، إلا أن وسائل إعلام قالت إن السبب هو نشره تغريدة على تويتر عن اعتقال أخاه.

إلى جانب ذلك تعرضت عائلة الناشطة لجين الهذلول للتهديد بعد نشرها ما تعرضت له إبنتها داخل السجون، حيث أجبر والدها على حذف تغريدة كان قد نشرها حول ذلك، كما أنه منع من السفر إلى جانب عدد من أفراد أسرته. تمنع الضغوط والقمع اللذان تمارسهما السعودية على أسر المعتقلات والمعتقلين الحديث عن الإنتهاكات الخطيرة التي تمارس بحق ذويهم في السجون.

قادت الإنتهاكات الخطيرة والجرائم التي تمارس على ضحايا القمع، وكذلك الصمت التي نجحت السعودية في فرضه إلى حد كبير، للجوء بعض أفراد الأُسر إلى خيار الدفاع عن ذويهم من خارج البلاد. برز ذلك في دفاع علياء ووليد الهذلول عن اختهما لجين، ودفاع السيدة مها القحطاني عن زوجها المدافع عن حقوق الإنسان وعضو جمعية حسم محمد القحطاني، ودفاع السيدة ملاك الشهري عن زوجها المعتقل ضمن اعتقالات إبريل 2019 المترجم أيمن الدريسي، ودفاع الدكتور عبدالله العودة عن والده الشيخ سلمان العودة المعتقل ضمن حملة سبتمبر 2017 والذي تطالب النيابة العامة بإعدامه.

وعلى الرغم من ممارستهم نشاطاتهم في الخارج، يشكل هذا الدفاع خطراً على من يقوم به، ويضطرهم لخيارات البقاء خارج البلاد أو التقدم للجوء السياسي، تجنباً للتعرض للإضطهاد والاعتقال والتعذيب في حال عادوا للسعودية. يضاف ذلك إلى هجمات التخوين والتهديد بالانتقام على شبكات التواصل الإجتماعي، من قبل الحسابات التي تشير المعلومات إلى أنها تدار من قبل وزارة الداخلية.

مسار الإنتهاكات:

كان عام 2018 عام تصعيدي ضد النساء إلا أنه لم يكن بدايتها، فمنذ عام 2015 إفتتحت الحكومة السعودية مرحلة جديدة من الإستهداف، حيث إعتقلت المدافعة عن حقوق الإنسان إسراء الغمغام لتطلب النيابة العامة الإعدام لها قبل أن تتراجع عن ذلك بعد الضغوط. حاليا، لا تزال الغمغام تحاكم في المحكمة الجزائية المتخصصة مع زوجها وخمسة نشطاء آخرين كمجموعة، أربعة منهم لاتزال النيابة العامة تطالب بإعدامهم بناء على تهم غير عنفية تتعلق ببمارسة حقهم في ممارسة التعبير، وهم : أحمد المطرود، علي عويشير، موسى الهاشم (زوج الغمغام)، خالد الغانم، بالإضافة إلى مجتبى المزين الذي طالب النائب العام بسجنه لمدة طويلة.

وفي أبريل 2016 اعتقلت الحكومة السعودية المدافعة نعيمة المطرود. وبعد عام من اعتقالها بدأت أولى جلسات محاكمتها في المحكمة الجزائية المتخصصة بالرياض، ووجهت لها تهم تتعلق بمشاركتها في مظاهرات، وتصوير المتظاهرين، والمطالبة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين. حُكِمت المطرود لمدة ستة سنوات بالسجن على خلفية نشاطها السلمي.

وفي العام 2017، ومع تسلم محمد بن سلمان ولاية العهد وإطلاقه عددا من الوعود الإصلاحية وخاصة أمام الإعلام العالمي، وتزامنا مع رفع الحظر عن قيادة السيارة، إرتفعت وتيرة الإنتهاكات، ففي سبتمبر قامت الحكومة بحملة اعتقالات تعسفية واسعة طالت رجال دين ورجال أعمال ونشطاء وناشطات بينهن فاطمة آل نصيف ورقية المحارب.

وفي مايو 2018 وصلت الإنتهاكات إلى قمتها، ففي مايو بدأت حملة اعتقالات واسعة،  طالت عددا من النساء الرائدات في حملات المطالبة بحقوق المرأة وخاصة الحق في القيادة، من بينهن لجين الهذلول، وإيمان النفجان وعزيزة اليوسف. إضافة إلى اعتقال  ناشطين بارزين في مجال حقوق الإنسان والدفاع عن حقوق المرأة، كالدكتور محمد الربيعة، والدكتور إبراهيم المديميغ، الذي افرج عنه لاحقاً في ديسمبر 2018.  يعتقد الكثير من الناشطين أن هذه الاعتقالات عمل انتقامي للدور الذي لعبنه هؤلاء الناشطات في مسيرة النضال النسوي وبالخصوص مطالبتهن بالسماح للمرأة بقيادة السيارة وإسقاط نظام الوصاية الذكوري.

وفي أبريل 2018 اعتقلت السعودية قبلهن الفنانة التشكيلية نور سعيد المسلم (19 عاماً) بعد التحقيق معها في مركز المباحث على تغريدات كتبتها حين كانت قاصرة في العام 2015.

تلى ذلك في يونيو 2018 اعتقالات طالت مدافعات عن حقوق الإنسان بينهن نوف بنت عبد العزيز ومياء الزهراني. وفي يوليو 2018 اعتقلت الحكومة كل من المدافعتين عن حقوق الإنسان نسيمة السادة وسمر بدوي. الاعتقالات التعسفية رافقتها إنتهاكات عديدة، حيث حرمت المعتقلات من حقهن في التواصل مع العالم الخارجي، كما عمدت وسائل الإعلام الرسمية إلى مهاجمتهن وسوق إتهامات لهن بالعمالة والخيانة. حالياً، تم الإفراج بشكل مؤقت عن 8 من الناشطات، فيما لا تزال أخريات قيد الاعتقال التعسفي.

وفي إبريل 2019 شنت حملة اعتقالات جديدة طالت خمسة عشر شخصاً، من بينهم السيدتين الدكتورة شيخة العرف زوجة المحامي والناشط عبد الله الشهري، الذي اعتقل معها في الليلة ذاتها، والسيدة الكاتبة خديجة الحربي بمعية زوجها الكاتب والناشط ثمر المرزوقي.

الموقف الرسمي:

منذ بدء حملة الإعتقالات ضد النساء، إرتفعت الأصوات الدولية المنددة والتي طالبت بالإفراج عنهن والكف عن إضطهادهن، من بين ذلك بيان للمقررين الخاصين التابعين للأمم المتحدة صدر في يونيو 2018. وفي مارس 2019 أدانت 36 دولة أمام مجلس حقوق الإنسان ممارسات السعودية ضد النساء وطالبت بالإفراج عن الناشطات. إلى جانب ذلك إنتقدت المفوضة السامية ممارسات السعودية واعتبرت أنها تتناقض مع وعود الإصلاح.

تجاهلت السعودية تلك الدعوات وحاولت تبرير الإنتهاكات وفضلت القيام ببذل جهود كبيرة من أجل تضليل الرأي العام الدولي في ملف المرأة عوضاً عن القيام بخطوات إصلاحية حقيقية. ففي لقاء مع وكالة بلومبيرغ تحدث ولي العهد محمد بن سلمان وجود تسجيلات صوتية ومرئية تدينهن.

إلى جانب ذلك، تحاول السعودية أن تُجمّل واقع المرأة في البلاد عبر تعيين بعض السيدات في مناصب معينة من أجل الظهور بمظهر المتسامح. حالياً تمثل النساء نسبة عشرين في المئة من مجموع أعضاء مجلس الشورى السعودي الذي يتم تعيين كافة أعضائه من قبل الملك. ليس للمجلس أية سلطات فعلية، وكل مهامه عبارة عن تقديم توصيات لمجلس الوزراء الذي يرأسه الملك. كما افتتحت قسما شكلياً لحقوق الإنسان في وزارة الداخلية، وعينت في مارس 2019 السيدة غادة البراهيم في رئاسته.

وفي 23 فبراير 2019 صدر أمر ملكي سعودي بتعيين الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان آل سعود سفيرة لدى الولايات المتحدة الأمريكية بمرتبة وزير. وبعد أقل من شهرين لهذا التعيين، طالب 18 عضوا في مجلس الشيوخ الأمريكي وجميعهن من النساء، السفيرة الجديدة بإيقاف المعاملة السيئة للناشطات والإفراج الفوري عنهن وإسقاط نظام الولاية.

وبعد ضغوط دولية وإعلامية مورست على السعودية جراء إنتهاكاتها الخطيرة التي تمارسها بحق المعتقلات، قامت السعودية بإحالة 11 من الناشطات للمحكمة الجزائية، بدلاً من محكمة الإرهاب التي تحاكم فيها النشطاء عادة. كما قامت في 2 مايو 2019 بالإفراج المؤقت عن خمس ناشطات، وهن، هتون الفاسي، أمل الحربي، ميساء المانع، وعبير نمنكاني، وشدن العنزي، عقب أن أفرجت في  28مارس 2019 بشكل مؤقت أيضاً عن ثلاث ناشطات، وهن عزيزة اليوسف وإيمان النفجا ورقية المحارب. إلا أنها في المقابل لا زالت تحاكم المدافعة عن حقوق الإنسان إسراء الغمغام وخمسة رجال في محكمة الإرهاب، كما تستمر منذ 8 فبراير 2019 بوضع المدافعة عن حقوق الإنسان نسيمة السادة في الحبس الإنفرادي.

ترى المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن محاولة جعل إحالة الناشطات الإحدى عشر والإفراج عن بعضهن مؤشر على إرادة جديدة سعودية لتصحيح ملف الناشطات لا تمثل حقيقة الواقع. وتؤكد المنظمة أن  الإستمرار في محاكمتهن ورفض إسقاط التهم كاملة والإفراج الفوري وغير المشروط عن كافة المعتقلات، إضافة لعدم محاسبة المُعذبين والذين قاموا بالتحرش جنسياً بعدد من الناشطات، يدل على عزم السعودية المضي في النهج القمعي ذاته، والإكتفاء بعملية سطحية للتخفيف من الضغوط.

وترى المنظمة أن الإنتهاكات التي تتعرض لها النساء في السعودية، تضاف إلى السياسات التمييزية المنتهجة بحق النساء، وإستمرار نظام ولاية الرجل الذي يجعل المرأة مقيدة في الكثير من النواحي. وتؤكد المنظمة أن الاعتقالات التعسفية والإنتهاكات المستمرة تشير إلى زيف إدعاءات الإصلاح التي تسوق لها الحكومة السعودية وخاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة.

تعتقد المنظمة أن الإفراج عن كافة النساء المعتقلات تعسفياً، اللاتي بلغ عددهن بحسب إحصاءات المنظمة 54 معتقلة، وضمان حقهن في ممارسة نشاطهن السلمي المشروع، وبينه المطالبة بالحقوق والحريات، إضافة إلى محاسبة الضالعين في تعذيب الناشطات والتحرش بهن جنسياً، هو سبيل الإنتصاف الوحيد سبل. كما تؤكد المنظمة على أهمية إلغاء كافة القوانين التمييزية بحق النساء.

AR