في اليوم الوطني 88 للسعودية: حقوق الإنسان في أسوأ فتراتها ومواطنون ومقيمون تحت السيف والقمع

22 سبتمبر، 2018

للعام الثامن والثمانين، تحتفل المملكة العربية السعودية في 23 سبتمبر 2018 باليوم الوطني، الذي أعلن فيه الملك عبد العزيز آل سعود بموجب مرسوم ملكي، عن تحويل اسم الدولة من (مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها) إلى المملكة العربية السعودية.

إحتفالات هذا العام 2018، مهدت لها الوسائل الإعلامية الرسمية من خلال مواد نشرت تتحدث عن إنجازات وطنية كبيرة، إلى جانب رفع شعارات حول تحولات شهدتها البلاد، من بين ذلك ما يتعلّق بحقوق الإنسان وخاصة حقوق المرأة. الترويج لليوم الوطني على الصعيد الرسمي، أشار أيضا إلى ما وصفه بالتغييرات في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز الذي تحتفل به البلاد للمرة الرابعة في عهده.

تعكس التقارير الإعلامية المنشورة إحتكار الحكومة السعودية الكامل للوسائل الإعلامية،وحظر الآراء المستقلة والمختلفة عن وجهة النظر الرسمية. وقد نشرت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان في اليوم العالمي لحرية الصحافة الموافق 3 مايو 2018، مايؤكد الواقع المتدهور لحرية الصحافة، عبر تقرير يستعرض القوانين والسياسات التي تشرع جملة من الإنتهاكات الممنهجة لحرية الصحافة في السعودية، ماجعلها تقبع في المرتبة 169 من بين 180 دولة بحسب مؤشر منظمة مراسلون بلا حدود للحرية الصحفية. إضافة إلى ذلك أتت الحملة الحكومية القمعية التي تسعّرت منذ سبتمبر 2017، على كتابومدونيين مستقلين كانوا بمثابة الأصوات الأكثر شجاعة في البلاد، من بينهم المدافعة عن حقوق الإنسان والمدونة نوف عبدالعزيز والمدافعة إيمان النفجان، كما لا زالت تعتقل صحفيين بينهم المدافعين عن حقوق الإنسان علاء برنجي و نذير الماجد.

الإحتفالات الرسمية والتقارير الإعلامية تغطي بشكل مكثف القمع الممنهج والغير مسبوق، والذي قاد لمستوى متدهوراً في حالة حقوق الإنسان لعله الأسوأ في تاريخ الدولة، وهو ما يتضافر مع حملات التضليل التي تقودها الحكومة وأجهزتها في الداخل والخارج، إذ تنشط وفود الحكومة السعودية في هذه الأيام في أكثر من موقع، من بينها البعثة الحكومية في جنيف، والتي تركز على تقديم بيانات مضللة في الدورة 39 لمجلس حقوق الإنسان التي تقام في الفترة من 10 إلى 28 سبتمبر 2018، وكذلك وفداً آخر شارك في “منتدى بكين لحقوق الإنسان” في الفترة 18-19 سبتمبر 2018 تحدث بمعلومات تضليلية حول واقع الفقر في البلاد وحقوق المرأة.

الحملات الإعلامية الترويجية الرسمية المصاحبة لليوم الوطني ركزت على عنوان “حقوق المرأة”، معتبرة أن اليوم الوطني 88 يحلّ في ظل تقدم كبير شهدته، نابع من “إصرار المملكة ورؤية 2030 على تمكين المرأة”. الدعاية الرسميّة، تستهدف من جانب آخر التغطية على واقع إضطهاد المرأة، وفي مقدمته إعتقال بعض القياديات والرائدات في الحركة النسوية، ومدافعات عن حقوق الإنسان والمرأة، وإتهامهن بالخيانة والعمالة في الإعلام قبل أي تحقيق أو محاكمة. كما بلغ الإضطهاد حد مطالبة النيابة العامة بالإعدام للمدافعة عن حقوق الإنسان إسراء الغمغام على خلفية نشاطها الحقوقي، كما إنه من غير المستبعد أن يتكرر مطلب الإعدام في قضايا مدافعات أخريات لم تحن محاكماتهن بعد، أعتقلوا في 2018.

وإلى جانب المدافعات، زادت الحكومة السعودية من شراسة هجمومها على المدافعين عن حقوق الإنسان، عبر الإعتقالات التعسفية والمحاكمات غير العادلة التي إنتهت بإصدار أحكام قاسية، كما منعت كافة الجمعيات والمنظمات الحقوقية في الداخل: (حسمالإتحاد لحقوق الإنسان – المرصد لحقوق الإنسان في السعودية – مركز عدالة لحقوق الإنسان) وسجن أغلب أعضاؤها، في محاولة لفرض الصمت على المجتمع المدني بشكل تام، فيما تدعي الحكومة السعودية أنهاأنشأت”نظام الجمعيات والمؤسساتالأهلية” بهدف دعم مؤسسات المجتمع المدني ومن بينها المؤسسات الحقوقية.

ومن خلال محاربة المؤسسات الحقوقية المستقلة من جهة، وإيجاد نموذج لمؤسسة حقوقية موالية للحكومة من جهة أخرى، والمتمثلة في الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، تتضح السمات التي تريدها السعودية في النشاط الحقوقي، القائمة على غض النظر عن الإنتهاكات، وكيل المديح وتأييد القمع الرسمي والتبرير له.

فقد قال رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الانسان مفلح القحطاني في كلمة بمناسبة اليوم الوطني، أن البلاد تعيش تقدماً على صعيد حقوق الإنسان، وقامت “بتطوير التشريعات بما يعزز مسيرة العمل العدلي والحقوقي في المملكة”، في وقت تستمر بتأسيس وإستخدام القوانين المعيبة مثل قانون مكافحة الإرهاب وتمويله 2017، الذي يسقط القليل المتبقي من إحترام حقوق الإنسان، وفي وقت تنتهك الحق الأساسي في الحياة من خلال عقوبة الإعدام. فمنذ بدء 2018 وحتى 22 سبتمبر 2018، نفذت 93 عقوبة إعدام، 32 منها بتهم مخدرات التي لا تعد في القانون الدولي من التهم الأشد خطورة. إضافة إلى وجودمعتقلين يواجهون خطر الإعدام وقد أرتفع عددهم إلى 62 على الأقل بعد حالات إسراء الغمغام والشيخ سليمان العودة وغيرهم، يتفاوتون في درجات التقاضي، بينهم 31 قد يتم إعدامهم في أي لحظة وضمنهم 8 أطفال، بتهم بينها ما يتعلق بالتظاهر والتعبير عن الرأي، وممارسة المعتقدات الدينية، إلى جانب تهم سياسية، وجميعهم خضعوا لمحاكمات مفتقدة لمعظم شروط العدالة، وعدد كبير منهم أنتزعت أعترافاته تحت التعذيب.

وأضاف رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، إن إستقبال الأيام الوطنية يأتي “بمزيد من الأمل والطموح في تحقيق المزيد من التقدم في مجال تمكين المواطنين وكل من يقيم على هذه الأرض المباركة من حقوقهم”، متجاهلا إنحسار مساحة العمل المدني المستقل في مجال الحقوق المدنية والسياسية، التي باتت أقرب للعدم في بعد قرابة أربع سنوات من حكم الملك سلمان وإبنه، ومتجاهلا صور الإنتهاكات الكثيرة التي تمارس، منها إعتقال المسنين وتعريضهم للمعاناة والمعاملة السيئة، وإستمرار السياسات التمييزية ضد ربع مليون شخص من عديمي الجنسية “البدون” يقيمون في السعودية ومحرومين من كثير من الحقوق الأساسية، إلى جانب تزايد الإنتهاكات بحق العمال الأجانب وخاصة بعد الخطط الإقتصادية الجديدة.

ترى المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، أن الحكومة السعودية تحاول من خلال الإحتفالات باليوم الوطني، ممارسة المزيد من التضليل والتعتيم حول الإنتهاكات المستفحلة، وجرائم الأجهزة التنفيذية كالتعذيب الذي لايستثني حتى الأطفال. إن الإحتفالات الوطنية تفقد معناها مع إفتقاد الشعب للكثير من الحقوق البسيطة ومع إفتقاد الكثيرين منهم إلى الأمنمن الإعتقالات التعسفية والتنكيل، جراء التعبير عن الرأي.

وتنبه المنظمة إلى أن خلف هذه الدعاية الرسمية في اليوم الوطني الثامن والثمانون، تختبيء الكثير من الظلامات وأوجه الحرمان، وتتهدد السيوف عشرات الرقاب بالقطع، وتستمر المحكمة الجزائية المتخصصة بعقد المحاكمات بتهم تتمحور حول التعبير عن الرأي أو ممارسات تختلف عن التوجه الرسمي أو مطالب بالإصلاح الحقيقي والمكافحة الحقيقية للفساد، وتستمر حقوق المرأة رهينة للمزاج السياسي الحاكم، ويستفحل الفقر، ويُفرض الصمت على المجتمع المدني وعلى الأصوات الإصلاحية، ويطلب التأييد والتصفيق لأي خطوة رسمية ومن يختار الصمت أو الحياد قد يتعرض للضغوطات والخطر.

AR