على هامش الدورة 52 لمجلس حقوق الإنسان: منظمات تدعو إلى كشف الحقائق حول الإعدامات في السعودية

على هامش الدورة 52 لمجلس حقوق الإنسان، وتحت عنوان: الإعدام في السعودية، أقامت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان ومنظمة ريبريف ندوة في 8 مارس 2023.

الباحثة في المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، دعاء دهيني، افتتحت الندوة بالإشارة إلى أنه منذ العام 2015 حتى اليوم، تغير الحكم في السعودية وتغير التعاطي الرسمي السعودي في ملف حقوق الإنسان عامة والإعدام خاصة. وأوضحت أن هذا التغير يمكن ملاحظته في أروقة المجلس، في كلام رئيسة هيئة حقوق الإنسان الرسمية هلا التوجيري الأسبوع الماضي مثلا، وفي التعاطي الرسمي والرد على الرسائل.

دهيني أشارت إلى أن التغير هو في الحقيقة محاولة رسم صورة جديدة للسعودية، ولكن فيما يتعلق بالإعدام، هذه السنوات لم تشهد سوى تخبط والمزيد من الانتهاكات. وأوضحت أنه منذ العام 2015، سجل أعلى معدل إعدامات منذ عقود، بما في ذلك 3 مجازر جماعية طالت قاصرين ومتهمين بالتظاهر وغيرهم من الأفراد الذين حرموا من المحاكمة العادلة.

دهيني اعتبرت انه للأسف الشديد على أرض الواقع، استمرت أحكام القتل بتهم غير جسيمة، وعادت السعودية لتنفيذ أحكام القتل بجرائم مخدرات في نوفمبر 2022. ثم بعد ذلك وصلت معلومات عن إعدامات سرية من دون إعلان رسمي عنها، وفي 1 مارس منذ أيام قليلة عادت السعودية للإعلان عن تنفيذ أحكام إعدام.

وأوضحت دهيني أنه حاليا هناك العشرات على قوائم المهددين بالقتل بحسب رصد المنظمة. بين هؤلاء قاصرين متظاهرين، ورجال دين وغيرهم. وأشارت إلى أن الندوة تحاول الوقوف عند واقع الإعدام في السعودية، مع كل هذه التغيرات والوعود، والأرقام المقلقة. كما تحاول أن تحلل هذه الأرقام، وتتبين أمكانيات مناصرة الضحايا والسعي إلى الحد من هذه الانتهاكات.

رئيسة مكتب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة معا ضد عقوبة الإعدام، جوليا باونس بوربون، أشارت إلى أن عملية إلغاء عقوبة الإعدام تختلف من دولة إلى أخرى، حيث تميل مشاركة السلطات الوطنية والبرلمانيين والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والمجتمع المدني إلى لعب دور حاسم. وفيما أدى الضغط الدولي وبعض الدول الراغبة في تقديم صورة بلد يحترم حقوق الإنسان أو منفتح على القيم الديمقراطية إلى نتائج، أدت مشاركة بعض الدول في المؤتمرات الدولية، وهي الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى وعد بإلغاء العقوبة، ودعم البروتوكول الاختياري الثاني للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الهادف إلى إلغاء عقوبة الإعدام.

بوربون أشارت إلى أن منظمة المؤتمر الإسلامي هي منظمة حكومية دولية تتكون من سبع وخمسين دولة عضو بما في ذلك 22 دولة عضو في جامعة الدول العربية، وهي أكبر منظمة دولية بعد الأمم المتحدة. وأوضحت أن موقف الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي من تنفيذ أو إلغاء عقوبة الإعدام لا يعتمد فقط على الجوانب السياسية من حيث الحكم والصورة على المسرح الدولي، بل ينطوي على جوانب دينية، حيث تميل الشريعة الإسلامية إلى أن تكون مصدرًا رئيسيًا للتشريع. ومع ذلك، فإن الاختلافات في تفسير الشريعة الإسلامية وغموضها يؤديان إلى مواقف مختلفة حسب الدولة، ولهذا السبب ألغت عدة دول عقوبة الإعدام أو أوقفت تنفيذها.

وأوضحت بوربورن أن الأحكام القانونية والموضوعية أدت إلى انخفاض كبير في عدد الإعدامات وساهمت في خلق سوابق شرعية إسلامية، مما جعلها أكثر عدلاً وأفضل في مكافحة الجريمة. وأشارت إلى أن عددا من الأحكام القانونية بما في العقاب البدني أوقفت في معظم الدول الإسلامية.

وأشارت إلى أن هناك توجه عالمي نحو إلغاء عقوبة الإعدام يمكن ملاحظته في جميع المنظمات الدولية والإقليمية بما في ذلك منظمة التعاون الإسلامي. فمن بين 57 دولة عضو في منظمة التعاون الإسلام ، 20 ألغوا عقوبة الإعدام، 12 أوقفوا تنفيذها، و 25 دولة لا زالت مستمرة في تنفيذها.

وأكدت أن السعودية لا زالت من بين الدول الأكثر استخدامًا لعقوبة الإعدام في العالم، حيث تستمر في فرض تفسير صارم للغاية للشريعة الإسلامية مما أدى إلى عدد لا يحصى من عمليات الإعدام باسم الإسلام. وأشارت المداخلة إلى أن السعودية لم تقم بتدوين قانون عقوبات موضوعي أو قوانين تحدد الجرائم العامة، كما يحتفظ القضاة بصلاحيات واسعة النطاق لتحديد السلوك الذي قد يشكل جريمة جنائية والعقوبة الناتجة عنها. وأشارت إلى أنه في عام 2021، أعلن ولي العهد محمد بن سلمان عن تقنين قانون العقوبات، بعد عقود من الانتقادات بأن عدم وجود قانون جنائي محدد بوضوح يخلق حالة من عدم اليقين القانوني، وإصدار أحكام تعسفية، ولكن حتى اليوم لم يصدر هذا القانون.

بوربورن، انتهت إلى أن عمليات إلغاء عقوبة الإعدام بطيئة وصعبة ويمكن أن تكون محفوفة بالمخاطر، ومع ذلك، هناك العديد من الأسباب التي تدعو إلى الأمل، خاصة عندما ترى العدد المتزايد للدول التي ألغت عقوبة الإعدام، ومن الضروري الاستمرار في توثيق الوضع، والقيام بحملة قوية ومتسقة.

المدير القانوني للمنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان طه الحاجي، أشار إلى أن المتابع لملف الاعدامات في السعودية يلاحظ غياب الرؤية وذلك بسبب التناقضات الكبيرة والمزاجية وعدم الاحتكام إلى قوانين. واعتبر الحاجي أن الاضطراب في تصرفات السعودية غير مقبول وغير مبرر، فعلى الرغم من القوانين والأوامر الملكية لا زالت السعودية تشرع قتل القاصرين، ومحاكمتهم في محاكم غير متخصصة.

أيضا هناك اضطراب في القضايا التي ليست من الأشد خطورة، مثل أحكام التعزير وقضايا المخدرات، فبعد إعلان هيئة حقوق الإنسان الرسمية، وبعد سنة و10 أشهر من وقف الإعدامات بقضايا مخدرات، عادت إلى تنفيذها في نوفمبر 2022، كما رصدت المنظمة إعدامات سرية. هذا الاضطراب يترافق، بحسب الحاجي، مع انتهاكات جسمية، من بين ذلك السرية التي تكتنف كيفية تنفيذ الحكم، ووقته ومصير الجثامين.

وأشار الحاجي إلى أن هناك عدة دلائل على هذا التخبط، فعلى سبيل، في عام ٢٠٠٦ نشرت الصحافة خبر اعتقال شخص اطلق النار على القنصلية الامريكية في جدة، وذكرت انه عمل منفرد والشخص مريض نفسي لا ينتمي لاي مجموعة ارهابية. قبل أيام تم تنفيذ حكم القتل بحقه بتهمة انتمائه لتنظيم ارهابي ولم تنفي انه كان مريض نفسي. هنا لا يمكن الوثوق، ولا التوثيق بسبب قمع المجتمع المدني.

ورأى الحاجي أن تبين الحقائق التي تحاول السعودية إخفائها بكافة السبل بما في ذلك نشاطها في مجلس حقوق الإنسان، هو أساس أي تغيير وحماية حقيقية للضحايا.

من جهتها، قائدة فريق السياسة والمناصرة في مشروع العدالة باكستان JPP، سنا فروخ، اعتبرت أنه من المهم في البداية تقدير السياق الذي تحدث فيه عمليات إعدام الأجانب في السعودية، وأوضحت أن هناك ما يقرب من تسعة ملايين باكستاني يعملون خارج وطنهم. وبحسب فروخ فإن السعودية هي الوجهة المختارة للغالبية العظمى من العمال. على الرغم من أهمية هذه العلاقات اقتصاديا للبلدين، للأسف هناك تأثير غير متناسب بشكل صارخ على الباكستانيين.

وأوضحت فروخ أنه بحسب دراسة حديثة فإن احتمال أن يُحكم بالإعدام على الباكستانيين يزيد بمقدار 4.3 مرات عن المواطنين السعوديين. بين عامي 2016 و 2019، تم قطع رؤوس 102 باكستانيًا، وهو ما يمثل 14 ٪ من جميع الأشخاص الذين تم إعدامهم في هذه الفترة و 94 ٪ من جميع الأشخاص الذين تم إعدامهم من جنوب آسيا في نفس الفترة.

وفي إجابة على سؤال ما هو السبب، أشارت فروخ إلى أنه يجب الحديث عن العدد الهائل من العمال الذين يبحثون عن العمل في الخارج، والإخفاقات المنهجية التي سمحت باستغلالهم.

وأوضحت أن هناك ثلاث إخفاقات رئيسية في نظام التوظيف الباكستاني تترك العمال المهاجرين ذوي الأجور المنخفضة معرضين لخطر إجبارهم على تهريب المخدرات إلى الخليج وفقدان حياتهم، الأول هو التجارة غير المشروعة في تأشيرات العمل في الخارج المعروفة باسم “تأشيرات آزد”، والثاني هو عدم كفاية تطبيق متطلبات الهجرة بموجب القانون الباكستاني، والثالث هو الفشل في تنظيم الوكلاء الفرعيين والجهات الفاعلة الأخرى في صناعة التوظيف الباكستانية التي تؤدي إلى ممارسات توظيف قسرية ومضللة.

بالإضافة إلى الإخفاقات على هذا المستوى المحلي، فإن العامل الرئيسي الثاني الذي يؤدي إلى التأثير غير المتناسب على الباكستانيين هو عدم وجود إطار حماية قنصلي يمكن أن يضمن حقوق الإجراءات القانونية الواجبة لهؤلاء المهاجرين المستضعفين، وذلك على الرغم من أن القانون الدولي والقانون المحلي في باكستان يتعهد بذلك.

وأوضحت فروخ أن باكستان كثفت خلال السنوات الأخيرة جهودها الدبلوماسية من أجل مواطنيها المعتقلين في الخارج، وخاصة وزارة الخارجية. وأشارت إلى أنه بين عامي 2019 و 2022 لم يتم إعدام أي مواطن باكستاني، وتحقق العديد من عمليات إعادة السجناء إلى أوطانهم. ومع ذلك، في تحول مفاجئ عن التزامات السعودية، وفي نوفمبر 2022 نُفذت 3 عمليات إعدام لمواطنين باكستانيين ، الأمر الذي ترك الباكستانيين الباقين المحكوم عليهم بالإعدام في خطر وشيك بالإعدام.

وفيما يتعلق بصعوبة الوصول إلى معلومات حول عدد الأجانب المحكوم عليهم بالقتل في السعودية، أشارت فروخ إلى أنهم عالقون تحت رحمة المحاكم المحلية دون الوصول إلى محامين أو مترجمين محايدين أو مساعدة قنصلية من البعثات الدبلوماسية الباكستانية.

فروخ أوضحت أنه اعتبارًا من يونيو 2021، هناك 9301 سجينًا باكستانيًا يقبعون في سجون خارجية، ومن بين هؤلاء ، هناك 2539 مسجونين في السعودية. وبحسب المعلومات فإن ما يقرب من 52 ٪ من السجناء الباكستانيين في السعودية هم سجناء مدانون، وبالتالي يحق لهم إعادتهم إلى الوطن بموجب اتفاقية نقل السجناء.

وانتهت فروخ إلى أنه يجب أن يكون هناك حكمة في مناصرتهم، فعلى سبيل، فإن باكستان لا تعدم النساء ولا تعدم على جرائم مخدرات. ومع ذلك، يتعرض الباكستانيون بمن فيهم النساء، لهذه العقوبات في السعودية، بالتالي ومع اتفاقية نقل السجناء فإن الحد الأدنى هو منع تنفيذ هذه الأحكام بموجب الاتفاقية.

نائب مدير منظمة ريبريف ثريا باونس، أشارت في مداخلتها إلى أن عدد الأشخاص الذين تم إعدامهم في االسعودية منذ عام 2010 ، 1243 وذلك في نقص شديد في الشفافية في تعامل الحكومة في الملف.

وأوضحت باونس أن هناك أمثلة ملموسة تؤكد أن السعودية قدمت وعودا بالإصلاح فيما يتعلق بعقوبة الإعدام، مثل قانون الأحداث 2018 والمرسوم الملكي 2020، على الرغم من ذلك لم تلتزم السعودية بأي من هذه الوعود. وأشارت إلى السعودية أعدمت منذ العام 2010، 15 طفلا، وتستمر الآن بتهديد حياة القاصرين بالإعدام على الرغم من القانون والأمر الملكي.

وفيما تزامنت الندوة مع اليوم العالمي للمرأة، أوضحت باونس أن السعودية لا زالت تعدم النساء، وأشارت إلى أن تقرير المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان وتقرير ريبريف بين أعداد النساء الذين أعدموا في السعودية وأن معظمهم من العاملات المهاجرات. كما أكدت أن النساء عرضة للإعدام على أساس تمييزي، وعلى الرغم من عدم وجود أرقام، فإن من المرجح أن العديد من النساء الآن تواجهن خطر القتل.

باونس أنهت مداخلتها، بالدعوة إلى إجراء تحقيق علني في جميع عمليات الإعدام منذ 2010، وإلى تعويض أسر الذين أعدموا بشكل غير قانوني، كما دعت المجتمع الدولي إلى حث السعودية على الشفافية في تطبيق العقوبة، والتأكيد على أهمية الإعلان عن كافة الإعدامات المنفذة وكافة الأرقام فيما يتعلق بالمحكوم عليهم بالإعدام.

AR