عقد من عمل المنظمة الأوروبية السعودية: رصد للإنتهاكات ومناصرة للضحايا

مضت المملكة العربية السعودية خلال العقد الأخير إلى تحوّل كبير، لم يقتصر على شكل المدن والأحياء والعادات الإجتماعية، بل شمل تدهورا في حالة حقوق الإنسان. تدهور على وقع آلاف عمليات القتل بأحكام الإعدام، واعتقالات تعسفية، وخنق حرية الرأي والتعبير، وقمع حاولت الحكومة إخفاؤه بالغسيل والأموال.

في أغسطس 2013، ومع حل المنظمات الحقوقية في الداخل وملاحقة مؤسسيها ومحاكمتهم، وبينها جمعية الحقوق المدنية والسياسية (حسم) ومنظمة المرصد و منظمة عدالة والاتحاد، وفي ظل انعقاد محاكمات متتالية وطلب النيابة العامة الإعدام للعشرات، تأسست المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، على يد نشطاء في ألمانيا. خلال عشر سنوات من تأسيسها، واكبت المنظمة تغيرات كبيرة في السعودية، وراقبت انحدار مسار حقوق الإنسان فيها. حاولت المنظمة من خلال آليات العمل المتاحة المختلفة، رصد الانتهاكات، وتوثيقها بهدف الدفاع عن الضحايا والسعي إلى ضمان الحد من الانتهاكات.

الرصد والتوثيق:

منذ إنطلاقها، بدأت المنظمة الأوروبية السعودية برصد وتوثيق الانتهاكات، على الرغم من انعدام الشفافية، والتكتم الرسمي على المعلومات، وترهيب العائلات الذي أثار مخاوفهم من مراسلة النشطاء في الخارج.

عمدت المنظمة إلى رصد الإعدامات التي تعلن الحكومة السعودية عن تنفيذها في بيانات وزارة الداخلية، والأحكام التي تصدرها المحاكم. إلى جانب رصد الاعتقالات والمداهمات والأحكام، تابعت مساعي دعم حقوق المرأة، والتهجير القسري الذي استهدف بعض المناطق، وتتبعت انتهاكات الحريات الدينية وحرية الرأي والتعبير. وثقت المنظمة أساليب التعذيب وسوء المعاملة التي يتعرض لها المعتقلون وانشات قاعدة بيانات للضحايا.

إضافة إلى الرصد، وثقت المنظمة القضايا والحالات والانتهاكات، من خلال تتبع المعلومة والتأكد من صحتها، وتحليلها وتحليل الأوراق التي تمكنت من الوصول إليها.

كونت المنظمة قاعدة بيانات عن الإعدامات، والمهددين بالإعدام، والقاصرين المعتقلين والمعتقلات، والصحفيين المعتقلين، إلى جانب قوائم عن الجثامين التي تحتجزها السعودية، ورجال الدين المعتقلين وعدد آخر من القوائم. تستخدم هذه البيانات في التقارير والأبحاث وتزويد مراكز الأبحاث والمنظمات بالمعلومات.

 التقارير والأبحاث:

استنادا إلى المعلومات والأرقام التي تمكنت المنظمة من رصدها، بدأت في نشر التقارير عبر موقع خاص بها. لخصت التقارير القضايا التي وثقتها المنظمة، والانتهاكات التي تقوم بها السعودية للقانون الدولي إلى جانب انتهاكاتها للقوانين المحلية. باتت تقارير المنظمة مصدرا مهما للإعلام وللمنظمات الحقوقية والجهات التي تعمل في مجال حقوق الإنسان في العالم.

خلال العام الأول من تأسيسها نشرت على الموقع، 44 مادة، بين تقارير وأخبار ومقالات، ارتفع العدد إلى 132 خلال العام العاشر لها. عدد المواد المنشورة يبين اتساع رقعة عمل المنظمة، إلى جانب واقع الانتهاكات.

إضافة إلى ذلك، عملت المنظمة وشاركت في عدد من الأبحاث والتحاليل القانونية. من بين ذلك أبحاث عن واقع البدون في السعودية، وتحاليل لعدد من القوانين التي صدرت في السعودية، إلى جانب العمل مع منظمات على أبحاث مشتركة، بينها بحث عن عقوبة الإعدام والقاصرين.

شاركت المنظمة التقارير مع المنظمات الأخرى، والإعلام، كما شاركتها عبر وسائل التواصل الإجتماعي المختلفة بهدف رفع الوعي حول واقع انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية، ورفع قصص الضحايا.

الأمم المتحدة:

عملت المنظمة الأوروبية السعودية منذ العام 2013، على التعاون مع آليات الأمم المتحدة المختلفة. شاركت منذ البداية في جلسات مجلس حقوق الإنسان، ولبت دعوة منظمات أخرى إلى ندوات وجلسات إلى جانب تقديم مداخلات خلال جلسات المجلس.

خلال السنوات التي تلت، زاد تفاعل المنظمة مع عمل المجلس. رفعت المعلومات في اجتماعات إلى الدول المعنية والهيئات الفاعلة قبل دورات مجلس حقوق الإنسان، وعملت على تنظيم ندوات وأحداث جانبية على هامش المجلس، كما شاركت بشكل مباشر في نقاشاته. تابعت المنظمة مداخلات وتقارير الحكومة السعودية والهيئات الرسمية وعملت على إظهار تزييف الوقائع والتضليل.

إضافة إلى ذلك، رفعت التقارير إلى هيئات الأمم المتحدة المختلفة، والاستعراض الدوري الشامل وشاركت في النقاشات المتعلقة به بما يبين الحقائق والأرقام والوقائع.

ساهمت المنظمة أيضا في رفع شكاوى خاصة نيابة عن ضحايا انتهاكات السعودية خلال السنوات الماضية، وفي الرد على أسئلة المقررين الخاصين المعنية بهذه الشكاوى. وبحسب الموقع الرسمي للأمم المتحدة، وصلت إلى الحكومة السعودية 121 شكوى منذ أغسطس 2014 من مختلف أصحاب الولايات من المقررين الخاصين، ساهمت المنظمة الأوروبية السعودية في جمع وإرسال معلومات عدد منها.

إضافة إلى ذلك، شارك أعضاء المنظمة في معظم جلسات المجلس منذ تأسيسها، وقدمت مداخلات خلال المناقشات المختلفة، أشارت فيها إلى المواضيع التي تعمل عليها بما في ذلك الإعدام والتعذيب وحقوق المرأة وغيرها.

المناصرة:

رفعت المنظمة القضايا التي رصدتها ووثقتها ونشرت عنها، من خلال إرسالها إلى وسائل الإعلام، وبناء القصص والتقارير الإعلامية، وذلك بهدف نشر المعلومات عن انتهاكات حقوق الإنسان ورفع أولويتها.

إضافة إلى وسائل الإعلام التقليدية، فعّلت المنظمة الأوروبية السعودية نشاطها عبر وسائل التواصل الإجتماعي. أنشأت حسابات على المنصات المختلفة، بهدف التفاعل مع الأفراد ونشر المعلومات ورفع الوعي العالمي حول الانتهاكات،  وزيادة الوعي المحلي حول حقوق الإنسان الأساسية والتزامات السعودية بموجب القوانين الدولية والتعهدات الخاصة.

إلى جانب نشر المعلومات، عملت المنظمة على مناصرة الضحايا عبر تزويد الجهات العالمية الفاعلة للضغط على الحكومة السعودية بالطرق المعتادة، من بين ذلك الدبلوماسيين والبرلمانيين. وسعت المنظمة نطاق التواصل مع كافة الجهات المعنية على الصعيد العالمي، وشاركت في اجتماعات وندوات مشتركة.

شاركت المنظمة في مؤتمرات عالمية تنظمها منظمات دولية، كما عملت على تنظيم عدد من الندوات الحضورية وعبر الانترنت. ومنذ العام 2020 بدأت بتنظيم مؤتمر سنوي لدعم ضحايا انتهاكات السعودية لحقوق الإنسان.

ساهمت المنظمة في تنظيم عدد من الوقفات في دول مختلفة وفي أماكن مختلفة، من بين ذلك أمام السفارة السعودية، وفي الأماكن العامة في بعض الدول، بهدف رفع الوعي الدولي بقضايا حقوق الإنسان في السعودية، وخاصة قضايا المحكومين بالإعدام.

المنظمة حاليا تتعاون مع عدد من الشبكات الحقوقية المتخصصة، بينها شبكات حقوقية جغرافية أو موضوعية، وتعمل مع المنظمات الشريكة في إصدار التقارير والبيانات المشتركة ومحاولة رفع أولوية حقوق الإنسان وتسليط الضوء على انتهاكات السعودية، في سياسات الدول وفي مشاريع الشركات العالمية.

الخاتمة:

لم تنجح الحكومة السعودية رغم كل جهودها في التغطية على الحقائق حول انتهاكاتها لحقوق الإنسان خلال السنوات الأخيرة. وعلى الرغم من سحق المجتمع المدني في الداخل، واعتقال والتضييق على المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان إلى جانب ترهيبها للعائلات، استمرت المعلومات وقصص الضحايا في الوصول إلى العالم. ومقابل محاولات الغسيل التي تعاظمت خلال السنوات الأخيرة، واستخدمت فيها الرياضية والدبلوماسية والأروقة الثقافية، جاء دور المنظمات الحقوقية والنشطاء والناشطات في الخارج، ومن ضمنهم المنظمة الأوروبية السعودية، لتؤكد أن انتهاكات حقوق الإنسان لا يمكن طمسها.

AR