حماية المرأة من العنف في السعودية: وعود مخيبة

25 نوفمبر، 2021

يحتفي العالم في 25 نوفمبر من كل عام باليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، بينما تواجه النساء في المملكة العربية السعودية العنف في ظل قصور الاجراءات الرسمية وعدم جدية الوعود وانعدام الثقة فيها وغموض إجراءات آلية تقديم الشكوى. وعلى الرغم من أن الوصول إلى الأرقام الفعلية لضحايا العنف من النساء في السعودية مستحيل، فإن الشواهد المتعددة، توضح أن هذه الممارسة متفشية بشكل كبير من دون إجراءات فعلية قادرة على تحجيمها.

 تؤكد التقارير الدولية أن جميع أنواع العنف ضد المرأة شهدت زيادة خلال جائحة كوفيد 19، وخاصة العنف الأسري، وهذا ما ينطبق على السعودية. فعلى الرغم من انعدام القدرة على الوصول إلى أرقام دقيقة في ظل غياب أي دور للمجتمع المدني ومنع المنظمات الحقوقية من ممارسة دورها، فإن الحالات التي تنشر على وسائل التواصل الاجتماعي والقضايا التي تؤكد الجهات الرسمية المعنية في السعودية أنها تنظر فيها تظهر اتساع رقعة هذه الانتهاكات.

الوعود الرسمية:

منذ العام 2015 روجت الحكومة السعودية إلى ما اعتبرت أنه تمكين للمرأة، وقامت بحملة دعائية كبيرة، تهدف إلى تغيير النظرة السائدة لها على أنها تتعامل مع المرأة بشكل رجعي، وخاصة أن السعودية كانت البلد الوحيد في العالم الذي يمنع النساء من حقهن في قيادة السيارة.

وعلى مدار هذه السنوات، عينت الحكومة السعودية نساءً في مراكز قيادية وسياسية، وأزالت القيود عن بعض الحقوق، من بين ذلك قيادة السيارة والسفر، إلى جانب بعض الحقوق في العمل والعلم ورفع جزء من وصاية الرجل وغيرها. هذه الخطوات، لم تكن كافية لتمكين جدي للنساء أبعد من الدعاية السياسية، أو لحمايتهن من العنف

التحقيق في العنف ومحاسبة المسؤولين عنه:

في نوفمبر 2020 وبعد سنوات من صدور قانون الحماية من الإيذاء، أقرت النيابة العامة العقوبات الجزائية بحق كل من يمارس العنف ضد المرأة أو يسيء إليها جسدياً أو نفسياً، وذلك في إطار حظر جميع أشكال العنف ضد النساء. وأعلنت أن العقوبات بحق المعتدين على النساء تصل للسجن مدة لا تقل عن شهر وتصل إلى سنة، وذلك بحسب المادة 13 من النظام، وهذه عقوبة غير كافية أو رادعة مع نوعية الاعتداء وحجمه.

لسنوات، روجت السعودية إلى تبدل التعامل مع ملف حقوق المرأة، وفي أبريل ٢٠١٦ قال ولي العهد محمد بن سلمان في حوار مع وكالة بلومبرغ،  أن هناك توجه لإعادة حقوق كانت المرأة محرومة منها. بالتزامن مع هذه الوعود، شنت الحكومة السعودية حملة اعتقالات واسعة طالت ناشطات ومدافعات عن حقوق الإنسان كن من أبرز الداعيات لهذه الحقوق.

وبعد سنوات من الاعتقال أفرجت الحكومة السعودية عن عدد من المعتقلات، ولكن على الرغم من تأكيد المعتقلات تعرضهن للتعذيب ورفعهن دعاوى قضائية لم يتم التحقيق أو محاسبة المسؤولين عن هذا التعذيب.

في مارس 2019 قالت النيابة العامة السعودية التي تتبع للملك وولي العهد أن مكتبها وهيئة حقوق الإنسان والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان أجروا تحقيقات حول تعذيب الناشطة لجين الهذلول ولم تجد أي دليل يدعمها. وفي فبراير 2021 وبعد الإفراج المشروط عن الهذلول، رفضت محكمة الاستئناف دعوى كانت قد قدمتها وأكدت فيها تعرضها للتعذيب, ويبدو إن هذا التحقيق نتيجة ما حظت به قضية الهذول من شهرة على المستوى العالمي, وقد فرغ النظام السعودي القضية من أي فعالية.

انعدام الثقة في الأجهزة الرسمية:

قالت الحكومة السعودية ضمن إنجازات رؤية 2030 التي نشرتها في أبريل 2021، أن من أبرز الإنجازات المُحققة، ارتفاع نسبة الاستجابة لبلاغات العنف الأسري. وأوضحت أن نسبة “البلاغات التي تمت مباشرتها حسب درجة الخطورة ارتفعت، حيث بلغت القيمة المحققة للمؤشر 99.6%.”

إن ارتفاع نسبة الاستجابة لبلاغات العنف التي تغنت بها الحكومة السعودية لا تعني بالضرورة زيادة في وصول المعتدى عليهن إلى الهيئات الرسمية المعنية بموضوع العنف، حيث مازالت الثقة بهذه الأجهزة غير كافية كما لم تعمد الحكومة السعودية إلى اتخاذ أي خطوات تقلص مخاوف النساء.

في الواقع، أجرى المركز الوطني لاستطلاعات الرأي العام في السعودية استطلاعاً لآراء المجتمع حول قضية العنف ضد المرأة وبرامج التمكين الخاصة بها في العام 2019، بالتعاون مع برنامج الأمان الأسري. تبين بحسب الدراسة، أن نصف أفراد المجتمع لا يعلمون بوجود نظام حماية المرآة من العنف والإيذاء في المملكة، كما أن 61% لا يعلمون ما هي الجهة المختصة بتلقي البلاغات المتعلقة بالعنف ضد المرأة. ويعتقد 49% من أفراد العينة أن النساء المعتدى عليهن لا يقمن بالإبلاغ عن حالات العنف اللاتي يتعرضن لها، وأكد 66% من النساء توافقهن مع هذا الرأي. ورأى 83% من أفراد المجتمع عدم وجود برامج كافية لتمكين المرأة في المملكة، واتفق مع هذا الرأي 87% من النساء.

إضافة إلى ذلك تؤكد الكثير من الناشطات عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن هناك العديد من المخاوف التي تمنعهن من التبليغ عن العنف أو التحرش أو غيره من الانتهاكات. من بين ذلك الخشية من الاعتقال أو النبذ الاجتماعي والأسري أو العنف المضاد في ظل انعدام الثقة في البرامج الرسمية، وضعف الثقافة المجتمعية حيث مازالت مجرد تنظير ولم تصبح سلوك وثقافة عملية.

في ظل هذه المخاوف، تظهر وسائل التواصل الاجتماعي قضايا معنفات بشكل شبه يومي. في كثير من الحالات تقول الجهات الرسمية المعنية وبينها برنامج الحماية أنها تابعت القضية وعملت عليها وأن المعتدى عليها أصبحت في أمان. يثير ذلك تساؤلات حول القضايا الأخرى التي لم تتمكن فيها الضحية من الوصول إلى ضغط الرأي العام.

إلى جانب ذلك تؤكد التقارير استمرار تعرض العاملات المنزليات – ذات الجنسية الأجنبية – في السعودية للعديد من الانتهاكات بما في ذلك العنف. ولم تظهر أي من الإجراءات التي روجت لها الحكومة إلى وجود ما يمنح العاملات حقهن في التقاضي في حال تعرضهن لانتهاكات وعنف، كما لم تظهر أي آليات لحمايتهن. وكانت السعودية قد استثنت مهنة العمالة المنزلية من تحسينات على قانون العمل، حيث مازالت العاملات المنزليات يخضعن لقانون الكفالة الذي يحرم ضحايا العنف من العاملات من مسائلة المعتدين والمنتهكين، حيث يجبرهن نظام الكفالة على موافقة رب العمل في حال أرادت تغيير مكان العمل. يضاف إلى ذلك عدم وجود آليات واضحة وبسيطة وبلغات مختلفة تسمح للعاملات من الوصول إلى الجهات الرسمية المسؤولة.

دور الرعاية:

في نوفمبر 2019 قالت السعودية أنها أغلقت دُور الرعاية الاجتماعية والتي كانت تعتبر سجن للنساء وخاصة ضحايا العنف. وقالت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية أنها تستعد لإصدار “لائحة تنفيذية جديدة لوحدات الحماية الأسرية للحماية من العنف ودُور رعاية الفتيات”. وتمنع اللوائح الجديدة إجبار المرأة على الإقامة في دُور الرعاية سواء كانت معنَّفة أو خارجة من حكم قضائي.

وقد احتفلت العديد من الناشطات عبر مواقع التواصل الاجتماعي بالخبر، إلا أنه وبعد مرور سنتين من صدوره، لم تغلق السعودية دُور الرعاية، على الرغم من كل المعلومات التي أكدت تعرض الفتيات فيها لمختلف أنواع الانتهاكات بما في ذلك العنف والتعذيب ولم تتحسن الأوضاع فيها.

 إضافة إلى ذلك، مازال القضاء في السعودية يسمح برفع قضايا تقيد حركة النساء وقد تبيح العنف ضدهن من قبل العائلات من بين ذلك قضايا التغيّب عن المنزل. رغم احتفال السعوديات أكثر من مرة بإجراءات اعتقدن أنها ألغت حق الأهل بملاحقة بناتهن في حال خرجن من المنزل بتهمة التغيّب، من بين ذلك في يوليو 2019 حين أقرت التعديلات على نظام الأحوال المدنية أعطت المرأة الحق بالتنقل والسفر، ولكن ثبت بعد ذلك عدم كفاية هذه التعديلات في حماية النساء من الملاحقة. وفي يونيو 2021 صدر تعديل على قانون المرافعات  أقر بأنه لا تقبل بلاغات وقضايا التغيّب إلا إذا ارتبطت بجريمة. في ظل التعريف الواسع وغير الدقيق للجرائم في النظام السعودي، لا يمكن ضمان عدم ملاحقة النساء بتهم التغيّب، كما أنه وبحسب بعض الناشطات لم يتم تعميم ذلك على النساء المحتجزات حالياً في دُور الرعاية، وبالتالي لا يمكن التثبت من جدوى هذه التعديلات.

ترى المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن العنف مازال جزءاً من معاناة النساء في السعودية، وتعتبر أن الإجراءات التي روجت لها الحكومة السعودية خلال السنوات الماضية للحد من العنف استخدمت كجزء من الدعاية السياسية، ومازالت تفتقر إلى الخطوات العملية التي تساهم في حماية المعتدى عليهن ومحاسبة المعتدين.

وتشدد المنظمة الأوروبية السعودية على أن العنف ضد النساء بكافة أشكاله، الأسرية والاجتماعية والرسمية وغيرها، لا يمكن الحد منه في ظل سياسة الإفلات من العقاب الممنهج ضد المنتهكين والمعتدين في السعودية، وفي ظل انعدام الثقة الشعبية مع الهيئات الرسمية التي تروج لها الحكومة. كما تعتبر المنظمة أن المجتمع المدني وهيئات حقوق الإنسان يفترض أن تتولى متابعة الضحايا ووصلها بالجهات الرسمية المعنية، وبالتالي فإن طمس دورها يمنع التوثيق الواقعي للقضايا ويحرّم الضحايا من خيارات أخرى للدفاع عن أنفسهن.

AR