اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام 2021: السيف يقطع وهم الإصلاحات في السعودية

10 أكتوبر، 2021

يحيي العالم اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام في العاشر من اكتوبر 2021، في ظل انهيار صورة “تَحَسُّن” حاولت المملكة العربية السعودية ترويجها خلال العام 2020 فيما يتعلق بإصلاحات في ملف الإعدام، وقتامة الصورة المستقبلية. فخلال 2021 ضاعفت السعودية عدد الأحكام المنفذة والعام لم ينقض بعد، ولا زالت تهدد حياة العشرات بينهم أطفال ومعتقلي رأي، في ظل انعدام العدالة القضائية.

اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام 2021

يخصّص اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام للعام 2021 للنساء اللاتي قد يتعرضن لصدور أحكام الإعدام في حقهن، واللائي تم إعدامهن، وكذلك النساء اللائي تم تبرئتهن أو تم العفو عنهن. وذلك لأن “قصصهن تبقى حقائق غير مرئية”.

تعدم السعودية النساء بشكل متكرر. منذ العام 2011، أعدمت السعودية 29 إمرأة، توزعن على جنسيات متعددة. 8 منهن كن سعوديات، بما نسبته 27% من مجمل إعدامات النساء. توزعت البقية على عدة جنسيات: 3 أندونيسية، 6 أثيوبية، 3 فيليبينية، 3 كينية، 2 يمنية، وواحدة من كل من الجنسيات التالية: مصرية، سيرلنكية، نيبالية، سورية، نيجيرية.

تظهر الجنسيات التي توزعت عليهن النساء اللواتي أعدمن خلال السنوات العشر الأخيرة، أن مانسبته 72% تقريبا من الأحكام طالت نساء غالبهن من العمالة المهاجرة في السعودية. وفي ظل الانتهاكات التي تطال العمال والعاملات المهاجرين في السعودية وخاصة من ناحية إفتقادهن لحقوقهن خلال التقاضي، فإن المخاوف من الانتهاكات التي طالتهن تتأكد. وفي ظل انعدام الشفافية في تعامل الحكومة السعودية مع ملفات الإعدام، ومنها ما يطال الأجانب، لم تتمكن المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان من توثيق أي من القضايا التي نفذت فيها أحكام إعدام بحق النساء، ولكن تتبع قضايا مشابهة وطبيعة النظام القضائي يرجح الانتهاكات. من بين الانتهاكات التي تطال الأجانب بشكل خاص، عدم القدرة على التواصل مع العالم الخارجي لفترات متفاوتة، عدم الحصول على مترجم، عدم الحصول على محام في الغالب أو في أوقات متأخرة من مسار القضية، التعرض للتعذيب وغيرها من الانتهاكات الممنهجة في السعودية.

حاليا، وفي ظل استحالة الوصول إلى احصاءات رسمية دقيقة، فإن هناك صعوبة في رصد عدد المهددات بالإعدام حاليا. ولكن وبحسب المعلومات التي وصلت إلى المنظمة الأوروبية السعودية لا زالت عدد من العاملات المهاجرات يواجهن عقوبة الإعدام.

إضافة إلى ذلك، كانت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان قد وثقت قضية المدافعة عن حقوق الإنسان إسراء الغمغام التي هددتها بالإعدام قبل أن تعيد وتسقط النيابة العامة طلب القتل، بعد عاصفة انتقادات. وحكم على الغمغام بالسجن 8 سنوات.

العام 2021: حقيقة ادعاءات الإصلاح

إلى جانب الانتهاكات في إعدام النساء، تظهر أرقام الإعدام ونوعيتها زيف ادعاءات السعودية فيما يتعلق بتغيير في التعامل مع عقوبة الإعدام، حيث أطلقت عددا من الوعود على التوالي.

في يناير 2021، أصدرت هيئة حقوق الإنسان الرسمية السعودية بيانا قالت فيه أن سبب انخفاض أحكام الإعدام المنفذة خلال 2020 يعود لإصلاحات في نظام العدالة الجنائية، وكذلك يعود إلى حد كبير لوقف أحكام القتل بجرائم المخدرات.

في 8 فبراير 2021، أعلن ولي العهد محمد بن سلمان عن تنظيمات تشريعية، قال إنها سوف تساهم في تطوير البيئة التشريعية واستقرار المرجعية النظامية بما يحدّ من الفردية في إصدار الأحكام، ويمنح إمكانية التنبؤ بها. التنظيمات عبارة عن مشروع نظام الأحوال الشخصية، ومشروع نظام المعاملات المدنية، ومشروع النظام الجزائي للعقوبات التعزيرية، ومشروع نظام الإثبات.

 وفي مارس 2020 صدر أمر ملكي قالت هيئة حقوق الإنسان الرسمية أنه يوقف بشكل تام اعدام القاصرين.

وقد سُبِقَ 2021 بوعود أخرى أبرزها ما صرح به محمد بن سلمان في أبريل 2018 بأنه يجري العمل على تقليص عدد أحكام الإعدام إلى الحد الأدنى الممكن، كما تداولت وسائل الإعلام الرسمية السعودية معلومات في يونيو 2020 عن نقاشات تخص وقف أحكام القتل التعزيرية.

كل هذه الوعود بدأت تتبخر، مع بداية 2021. فبعد أن تقلصت أحكام الإعدام المنفذة خلال 2020 بنسبة 85% مقارنة بـ 2019، عادت الأرقام ترتفع مع بداية 2021، وتضاعفت حتى 10 أكتوبر 2021 ليتم تنفيذ 56 حكم، حتى نشر هذا البيان.

7 أحكام من بين الأحكام المنفذة منذ بداية 2021 هي أحكام قتل تعزيرية، أي أنها أحكام القتل التي يعود فيها الحكم لتقدير القاضي، ولا عقوبة منصوصة عليها في النسخة الإسلامية المتطرفة التي تتبناها السعودية في نظامها القضائي، فيما توزعت الأحكام المتبقية بين الحدود والقصاص في محاكمات لا يمكن الوثوق بها.

في يونيو 2021 أعدمت السعودية القاصر مصطفى الدرويش بشكل مفاجئ، حيث كانت عائلته تنتظر اتصاله الأسبوعي لتصدم بنشر وكالة الأنباء الرسمية خبر قتله. أكد إعدام الدرويش استمرار السعودية بإعدام القاصرين، على الرغم من الانتهاكات التي طالت القضية ومن بين ذلك التعذيب وتجاهل دفاعه عن نفسه بشكل بشع.

في 3 أغسطس 2021، نفذت حكماً بالقتل تعزيراً بحق الشاب أحمد بن سعيد الجنبي. وبحسب البيان الرسمي الذي أصدرته وزارة الداخلية حول الحكم، لم يواجه الجنبي تهما تتضمن القتل أو إراقة الدماء، بل إن عددا من تهمه كانت لها علاقة بالتظاهر. تلى ذلك في 6 سبتمبر 2021 تنفيذ حكم الإعدام بحق الشاب عدنان بن مصطفى الشرفا.

وفي 5 أكتوبر أعدمت السعودية الشاب مسلم المحسن تعزيرا أيضا، على الرغم من الانتهاكات التي انطوت عليها قضيته، ومن بين ذلك عدم تقديم أدلة وانتزاع اعترافات تحت التعذيب وغيرها. وقد كانت اتهمته حين اعتقلته بإنه قاتل، ثم لم تتمكن من تلبيسه التهمة وإستبدلتها بتهمة أخرى وقالت إنه كان يقود دراجة نارية وأن القاتل شخص آخر كان يركب معه، ولكنها في كل الأحوال أصرت على قتله، دونما أي أدلة أو إثباتات.

المهددين حاليا بالقتل

تنعدم الشفافية في تعامل الحكومة السعودية في ملف الإعدام. ويحول دون  ذلك خطورة الوصول إلى توثيق دقيق لعدد الأفراد الذين يواجهون عقوبة الإعدام، في ظل ترهيب العائلات والمجتمع الأهلي من الإدلاء بأي معلومات. خلال 2021 رصدت المنظمة الأوروبية السعودية تنفيذ أحكام إعدام بحق أفراد واجهوا تهما بينها المشاركة في مظاهرات من دون أن تكن لديها أي معلومات عنهم أو عن حكم الإعدام الذي يتهددهم. يؤكد ذلك فرضية وجود حالات عدة لم تعرف بعد، وقد يتم تنفيذ الأحكام فيها في أي لحظة.

على الرغم من هذا الواقع، تقول بيانات المنظمة الأوروبية السعودية، أن هناك حاليا 04 قضية يواجه فيها المعتقلون أحكاما بالإعدام في مختلف درجات التقاضي، من بيهم 5 قاصرين على الأقل. من بين القاصرين، عبد الله الحويطي الذي يواجه خطر الإعدام بعد مصادقة محكمة الاستئناف على الحكم. وكانت المنظمة الأوروبية السعودية قد وثقت الانتهاكات التي تعرض لها الحويطي منذ لحظة اعتقاله حين كان يبلغ من العمر 14 عاما. كماطالبت النيابة العامة بالإعدام لكل من جلال اللباد، حسن زكي الفرج، يوسف المناسف، وسجاد آل ياسين.

إضافة إلى ذلك، أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة (محكمة الأرهاب)، أحكاما جديدة في 2021، بينها بحق الشاب محمد الشاخوري الذي يواجه تهما بينها ما يتعلق بالمشاركة في المظاهرات. ورصدت المنظمة الأوروبية السعودية انتهاكات عديدة تخللتها مراحل محاكمة الشاخوري من بين ذلك تعرضه للتعذيب الشديد وحرمانه من الحق في الدفاع عن نفسه.

كما لا زالت محاكمة عدد من معتقلي الرأي جارية، حيث لا زالت النيابة العامة تطالب بالقتل التعزيري للشيخ سلمان العودة والشيخ حسن المالكي وعلي العمري وغيرهم، في ظل مماطلة وانعدام لشروط العدالة.

إنعدام المحاسبة

تنتهك الحكومة السعودية من خلال إصدار وتنفيذ أحكام الإعدام التعسفية القوانين الدولية والتزاماتها، وخاصة اتفاقية مناهضة التعذيب واتفاقية حقوق الطفل، وتستمر بإصدار أحكام إعدام بحق قاصرين وعلى الرغم من مزاعم التعذيب.

مراقبة المنظمة الأوروبية السعودية للإجراءات المتبعة والمحاكمات المتعلقة بعقوبة الإعدام والقضايا السياسية، يظهر أن المباحث العامة التي تندرج تحت جهاز رئاسة أمن الدولة المرتبط بالملك وابنهتسحق بشكل منهجي جميع حقوق المتهم التي تكفلها الأنظمة المحلية.

يُحرم المتهم بعد اعتقاله مباشرة من التواصل مع عائلته ويُعزل في الحبس الانفرادي لمدة طويلة في فترة التحقيق يصاحبها تعذيب متفاوت نفسي وجسدي، وقد يصل في بعض الحالات لمستويات سادية ويؤدي للقتل أو التأثير على الصحة الجسدية، كما يُمنع من الاستعانة بمحام قبل بدء المحاكمة الصورية، في خلاف صارخ لنظام الاجراءات الجزائية المحلي. انعدام استقلالية الأجهزة يمنع أي شكل من أشكال المسائلة أو المحاسبة على الانتهاكات، ويدفع الجهات المسؤولة عن الانتهاكات إلى المضي بها حتى بعد تنفيذ الأحكام، إذ لاتزال الحكومة السعودية تحتجز 90 جثمانا على الأقل، ممن قتلتهم، على الرغم من مطالبة الأُسر، بها بما ينتهك أيضا القوانين الدولية وحقوق العائلات.

الخاتمة

في اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام، ترى المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، أن السعودية لا زالت تستخدم هذه العقوبة ضد كافة فئات المجتمع بما في ذلك الفئات الأكثر ضعفا، مثل النساء والعمال والعاملات المهاجرون، والأطفال، ولا يبدو أن هناك جدية كافية حاليا لتغيير ذلك.

ولاحظت المنظمة إلى أن السعودية تحاول إمتصاص حدة الانتقادات التي وجهت لها خلال السنوات السابقة، من خلال تغييرات في طريقة تطبيقها للعقوبة. من بين ذلك الانتقال من تنفيذ الإعدامات الجماعية كالتي حصلت في 2016 و 2019 إلى الإعدامات الفردية، والترويج لمعلومات مضللة وغير واقعية أمام الهيئات الدولية وبينها مجلس حقوق الإنسان. على الرغم من ذلك فإن الصورة الدموية للإعدامات في السعودية لاتزال تفرض نفسها، خاصة مع المسار التصاعدي لأرقام الأحكام المنفذة في 2021 مقارنة بـ 2020، واستمرار انتهاك الالتزامات الدولية ونكث الوعود بالإصلاح.

AR