الوصول إلى الشّركات ضربة مرتدّة توجّه للنّظام السّعودي *

الوصول إلى الشّركات ضربة مرتدّة توجّه للنّظام السّعودي *

تلعب الشّركات الأجنبيّه العاملة في السّعوديّة دورًا سياسيًّا، يمكّنها من المساهمة في التّغيير السّياسي وخاصّة في ما يتعلّق بالدّيمقراطيّة وحقوق الإنسان.

يعبّر النّاشطون الحقوقيّون عن الإحباط الذّي يتمكّن أحيانًا منهم بسبب البطء المسيطر على الوسائل التّي يتمّ استخدامها في التّعاطي مع حقوق الإنسان، كآليّات الأمم المتّحدة ومجلس حقوق الإنسان، أو اللّجوء إلى الحكومات أخرى والإستعانة بها، في المقابل تستطيع شركات الأعمال والأموال أن تدخل كمساعد أساسي مساهم في تفعيل دور المجتمع المدني للقيام بتغيير إيجابي في ما يخصّ هذا الملف.

ففي السّعوديّة، تشكّل الإستثمارات الأجنبيّة جزءًا أساسيًّا من رؤية ال2030، ولا شكّ أن الحكومة تسعى بكلّ ما أوتيت من عزم إلى إستجلاب تعاطف هذه الشّركات معها لضمان المزيد من التّأييد واالشّرعيّة.

إنطلاقًا من أهميّة هذا الدّور يترتّب على الجهات الفاعلة في الملفّ الحقوقي في السّعوديّة تركيز المزيد من الجهد في الحصول على إهتمام ومناصرة هذه الشّركات التّي ستتولّى الأعمال المستقبليّة، والتّعويل عليها للإسهام في طلب التّغيير أو البدء به إنطلاقًا من موقعها.

الحديث عن شركات الأعمال لا يتطرّق فقط للشّركات التي تعمل في ميادين محدّدة كالعلاقات العامّة أو الإستشارات، والتّي تلجأ إليها الحكومة بشكل مباشر لتبييض وتلميع هذه صورتها، بل يتعدّاه إلى الحديث عن المؤسّسات الرّياضيّة والشركات الفرديّة التّي يتمّ التّرويج لها من قبل الفنانين وغيرهم من المؤثّرين في الرّأي العام.

إستغلال مختلف مجالات الأعمال ليس جديدًا على النّظام السّعودي في محاولاته لدعم سرديّاته وترسيخ الصّورة التّي يحاول بها إظهار دائمًا نفسه كنظام منفتح وحديث، واليوم يمعن في خلق نموذج جديد لنفسه من خلال المشاريع الكبرى التّي يروّج لها.

مشروع نيوم مثلًا، الذّي أطلقه وليّ العهد في محافظة تبوك في ال2017، كجزء من رؤية 2030، الطّامحة إلى تحويل المملكة إلى نموذجٍ عالمي رائد في مختلف جوانب الحياة، مسؤول بشكلٍ مباشر عن تهجير قسري للقبائل القاطنة في المنطقة الواقعة على الحدود بين الأردن والسّعوديّة، ليس ذلك فحسب بل إنّ إعتراض الأهالي على مغادرة المكان أدّى إلى حملات واسعة من القمع والإعتقال قامت بها السّلطات. 

الأهالي المتضرّرون من عمليّة التّهجير وتبعاتها، كهدم المنازل ومصادرة الأراضي وملاحقة المعترضين إستطاعوا بالتّعاون مع عدد من المحامين، التّقدّم بشكوى إلى الأمم المتحدة، تضمّنت رسالة عاجلة إلى المقرر الخاصّ، وفي متابعة لعمليّة رفع الصّوت يتوجّب على النّاشطين والمجتمع المدني المحلّي التّواصل مع الشّركات الأجنبيّة المستثمرة في هذا المشروع، لإطلاعها على الإنتهاكات الحقوقيّة المرتكبة، فالعديد من الشّركات قد تقوم بمخالفات دون أن تدري، رغم تمركز المقرّات الرّئيسيّة لهذه الشّركات في دول تروّج للأفكار الدّيمقراطيّة وتوجب عليها الإلتزام بالتّشريعات القانونيّة والحقوقيّة، وهو ما يجب أن ينسحب على فروعها في كلّ المناطق والدّول.

بناء على ذلك، تقع على المنظّمات الحقوقيّة ردم الفجوة الواضحة بين الشّركات والمجتمع، وذلك عبر التّواصل والتّحقيق وجمع البيانات وتوقيع العرائض.

إستخدام السّعوديّة لأطراف جانبيّة وجعلها طرفًا مشاركًا في الإنتهاكات ليس جديدًا إطلاقًا، فقد سبق لولي العهد محمّد بين سلمان أن استخدم غرف فندق الريتز كارلتون لتعذيب العديد من الأشخاص، معظمهم من الأمراء والعائلة الحاكمة.

إنطلاقًا من واجب تحميل الشّركات مسؤوليّاتها، طالبت 38 منظّمة حقوقيّة منها منظمّة العفو الدّوليّة جوجل بوقف إنشاء منطقتها السّحابيّة في السّعوديّة، وكانت جوجل قد وقّعت مع أرامكو في نهاية العام 2020 عقدًا لإنشاء واحدة من أكبر خدمات الحوسبة السّحابيّة في العالم.

منظّمات حقوقيّة عديدة، وإلى جانب سجّل السّعوديّة الحافل بإنتهاكات حقوق الإنسان، تشير إلى أنّ السّلطات السّعوديّة تستخدم شركات كجوجل وتوتير وغيرها للتّجسسّ على مواطنيها، وخاصّة النّاشطين الحقوقييّن منهم.

لا ينفي إستعانة السّلطات السّعوديّة بالشّركات الأجنبيّة العالميّة للقيام بمارساتها مسؤوليّتها المباشرة والكاملة عن هذه الإنتهاكات باعتبارها المعتدي الأوّل والمستفيد الأوّل، ولكنّ متابعة عمل هذه الشّركات والتّواصل معها يساهم في تخفيف حدّة الإنتهاكات عبر الإضاءة عليها ومحاولة الحصول على مناصرة الشّركات ودعمها، لتبنيّ قضايا حقوق الإنسان وعدم الإكتفاء بكونها شاهدة على المخالفات والإنتهاكات.

أخيرًا، نؤكّد أنّ التّواصل والتّعاون بين المنظّمات والشّركات ليس سهلًا على الإطلاق، فالمنظّمات تتكبّد الكثير من العناء في الوصول إلى المسؤولين في هذه الشّركات والحصول على إهتمامهم والحديث معهم، ورغم صعوبة هذه المهمّة والكثير من العوائق التّي تعترضها إلّا أن القدرة على التّأثير في أصحاب الأموال وانعكاس هذا التّأثير بشكلٍ مباشر على الملف الحقوقي، باعتباره أكثر الوسائل التّي تهزّ النّظام يجعل من الأمر مستحقًّا لهذا العناء.

*كلمة زينة العيسى في المؤتمر السنوي الثالث لضحايا الانتهاكات في المملكة العربية السعودية الذي عقد بتاريخ 9و 10 ديسمبر 2022.

AR