آلة العلاقات العامّة السّعوديّة وسيلتها لصرف الإنتباه عن الواقع *

آلة العلاقات العامّة السّعوديّة وسيلتها لصرف الإنتباه عن الواقع *

تحترف المملكة العربيّة السّعوديّة الخداع والأكاذيب في التّعامل مع ملفّ حقوق الإنسان، فهي تعمل على تعتيم حقيقة الأوضاع الحقوقيّة لديها، بينما تستمرّ بإطلاقها الوعود للمجتمع الدّولي حول قيامها بالإصلاحات، في الوقت الذّي تنتهك القانون الدّولي دون أي اعتبار.

طبيعة النّظام السّياسي في السّعوديّة تشكّل حجر الأساس الذّي يجب أن ننطلق منه لمقاربة الأوضاع الحقوقيّة، فالنّظام السّعودي ملكي مطلق، وآليّات صناعة القرار فيه محدودة للغاية، ورغم التّغيرات التّي طرأت على النّظام السّياسي في المملكة منذ التّأسيس، لم يزل الملك مركز العمليّة السّياسيّة والرّجل الأوّل في صنع السّياسة الدّاخلية والخارجيّة على السّواء. فلا وجود لأي سلطة منتخبة ديمقراطيًّا أو أي جهاز يعمل على مساءلة القادة. 

لذلك إنّ أي حديث عن عقوبة الإعدام والتّجاوزات التّي تقوم بها السّعوديّة يقع على عاتق الملك سلمان ووليّ عهده بشكل مباشر. وكلّ كلام عن جماعات متشّددة تقف في وجه ضغوط بن سلمان تجاه الإصلاح ليس سوى محاولات تبرئة وتملّص من المسؤوليّة.

“نحن نتخلّص من عقوبة الإعدام بالكامل” هذا ما صرّح به محمد بن سلمان في الثّالث من آذار الماضي، وأكّد أن السّعوديّة ستبقي على الإعدام في حالتين محدّدتين كما ينصّ القرآن، وهما حالات القتل وتهديد الشّخص للكثير من الأرواح. ولكنّ المملكة بعد هذا التّصريح بتسعة أيّام أقدمت على إعدام 81 رجلًا وهي أكبر عمليّة إعدام جماعي في تاريخها، نصف العدد أعدم بسبب إحتجاجات مؤيدة للدّيمقراطيّة، وأكثر من 70 % من أجل جرائم غير مميتة. والأهمّ من كلّ ذلك أنّ 69 رجلًا منهم لم تكن المنظّمات الحقوقيّة على إطّلاع بتفاصيل قضاياهم، ما يدفع للقول أنّ مدى الإنتهاكات القانونيّة في حالاتهم غير معروف.

تتّبع السّعوديّة نمطًا مشابهًا من الوعود والأكاذيب عندما يتعلّق الأمر بإعدامات الأطفال أيضًا، فالسّلطات لجأت إلى الإلتفاف على قانون الأحداث الذّي أطلقته عام 2018 و أعلنت فيه أن عقوبة الإعدام ستلغى بالنّسبة للمتّهمين من الأطفال، عبر تضمينه في المادّة 16 منه تحذيرًا ينصّ على إمكانيّة استخدام عقوبة الإعدام للأطفال في فئات معيّنة من الجرائم. وفي عام 2020 أعلنت السّلطات عن مرسوم ملكي سيوسّع نطاق قانون الأحداث لكنّ نصّ المرسوم لم ينشر كاملًا.

الطّفل مصطفى الدّرويش أُعدم في حزيران  2021، لمشاركته في الإحتجاجات عندما كان طفلًا، وهناك ما لا يقل عن ثمانية معتقلين تهمهم تعود لسنّ الطفولة، وهم معرّضون اليوم لعقوبة الإعدام.

في سياق مشابه في كانون الثّاني 2021، أعلنت هيئة حقوق الإنسان السعودية عبر تويتر عن تعليق عقوبة الإعدام على الأفراد المدانين بجرائم المخدرات، ومنذ ذلك الحين توقّفت الإعدامات على قضايا المخدّرات، حتّى العاشر من نوفمبر في العام الحالي 2022، حيث تغيّر كل شيء.

فقد أعدمت السّعوديّة ما لا يقلّ عن واحد وعشرين شخصًا في جرائم مخدّرات، دون إطلاع المنظّمات الحقوقيّة على أي من قضاياهم، ما يشير إلى سريّة الإعتقالات وسير المحاكمة وصدور الأحكام، كلّ ذلك دون أي تبرير لهذا التّحوّل من قبل السّلطات.

حسين أبو الخير وهو أردني الجنسيّة، أحد الأشخاص المعرّضين لخطر الإعدام الوشيك بتهمة تهريب المخدّرات، فبعد إعتقاله وتعرّضه للتّعذيب لمدة 12 يومًا إعترف أبو الخير، وتمّ الحكم عليه بالإعدام وذلك دون الإتّصال بمحامٍ طيلة فترة الإجراءات. مؤخّرًا تمّ إخباره بقرب إنتقاله إلى زنزانة الموت، ما يؤكّد أنّ الإعدام متوقَّع الحصول في أيّ لحظة.

كلّ ذلك يشير إلى أنّ كلّ مزاعم المملكة الإصلاحيّة، التّي يقودها ولي العهد ضمن ما يسمّى الأجندة الإصلاحيّة ليست سوى وسيلة للكذب وصرف الإنتباه عن الواقع. فحين تعد السّعوديّة بازدياد رقعة التّسامح السّياسي، تتعرّض حياة المعتقلين السّياسيّين كسلمان العودة وحسن المالكي لمزيد من الخطر وتزداد إحتماليّة مواجهتهم لمصير الإعدام، وحين تعد بإلغاء عقوبة الإعدام بالنّسبة للأطفال يزداد تعرّض الأطفال كعبدالله الحويطي لخطر الإعدام، وينسحب ذلك أيضًا على المتّهمين بجرائم المخدّرات كحسين أبو الخير، فوجود وعود واضحة بوقف الإعدام على جرائم المخدّرات، يزيد من التّخوّفات من القيام بإعدامه قريبًا أيضًا.

*كلمة زكي الصّرّاف في المؤتمر السنوي الثالث لضحايا الانتهاكات في المملكة العربية السعودية الذي عقد بتاريخ 9و 10 ديسمبر 2022.

AR