الإخفاء القسري في السعودية: جريمة منفلتة

30 أغسطس، 2020

في 30 أغسطس 2020 يحيي العالم “اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري“، يتزامن مع هذه المناسبة إستمرار إستخدام جريمة الإخفاء القسري من قبل حكومة المملكة العربية السعودية كأسلوب استراتيجي، التي ترى الأمم المتحدة إنها تستخدم أحياناً “لبث الرعب داخل المجتمع”. وتعد السعودية إحدى الدول التي تمارس الإخفاء القسري بشكل ممنهج ومستمر، مع غطاء رسمي يؤمن استمرار سياسة الإفلات من العقاب، في تأكيد لعدم وجود قضاء مستقل.

لم تصادق السعودية على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الإختفاء القسري التي دخلت حيز التنفيذ عام 2010، والتي تهدف إلى منع الاختفاء القسري والحرص على تحقيق العدالة للناجين والضحايا وعائلاتهم، والكشف عن الحقيقة، وتلقي التعويض المناسب.

إضافة إلى عدم مصادقتها على المعاهدة الدولية، تتيح العيوب في قوانينها وخاصة نظام مكافحة الإرهاب، ذريعة لممارسة جريمة الإخفاء القسري، حيث تسوغ المادة 20 من القانون للحكومة عزل المعتقل عن عائلته والعالم الخارجي لمدة تسعين يوماً إذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك، “وإن تطلب التحقيق مدة منع أطول، يرفع الأمر إلى المحكمة المختصة لتقرير ما تراه”.

أنواع الإخفاء القسري:

تعرف الإتفاقية الدولية الإخفاء القسري بأنه “أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون”. بالتالي فإن استخدام الإخفاء القسري في السعودية قد يمتد من ساعات عند الاعتقال وعدم تبليغ العائلة والإقرار بفعل الحرمان من الحرية، إلى أيام، وفي بعض الحالات مدة أطول، أو حتى عدم الاعتراف بأصل الاعتقال. كما في مختلف الإنتهاكات والجرائم التي ترتكبها الأجهزة الرسمية، توجد صعوبة في توثيق جرائم الإخفاء القسري بسبب منع أي دور للمجتمع المدني في السعودية في الداخل، وقد رصدت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان حالات عديدة مارست فيها الحكومة السعودية الإخفاء القسري، وتعتقد المنظمة أن الأعداد أكبر.

مقدمة للتعذيب:

خلال الإختفاء تُنتهك حقوق أساسية، بينها الحق في الحماية من التعذيب، والحق في محاكمة عادلة. متابعة المنظمة الأوروبية السعودية أظهرت أن الحكومة تستخدم الإخفاء القسري في العديد من القضايا كمقدمة للتعذيب، بحيث يتبعه سوء معاملة بهدف انتزاع اعترافات تستخدم لاحقا في أحكام قاسية قد تصل إلى الإعدام. من بين القضايا، قضية المواطن أمجد المعيبد، الذي أعدم مع آخرين في يوليو 2017 على الرغم من أنه تعرض للإخفاء القسري لمدة أسبوع بعد اعتقاله على يد رجال يرتدون ثياباً مدنية. إضافة إلى المعيبد، أعدمت الحكومة السعودية الشاب المتظاهر عبدالله آل طريف في أبريل 2019 مع 36 آخرين، بعد تعرضه للإخفاء القسري لمدة 12 يوما بعد اعتقاله. بعض هذه القضايا تعود لقاصرين، من بينهم محمد عصام الفرج الذي اعتقل في يوليو 2017 حين كان يبلغ من العمر 15 عاما، وتعرض لإخفاء قسري، بحيث لم يتم إبلاغ عائلته بمكان وجوده إلا بعد مرور يوم على الاعتقال، وهو حاليا يواجه خطر الإعدام بعد أن طالبت النيابة العامة بقتله.

الإخفاء القسري طال أيضا عددا من الأمراء من الأسرة الحاكمة، بحيث اعتقل بعضهم وإخفائهم عن العالم الخارجي، كما حدث مع الأميرة بسمة بنت سعود وغيرها من الأمراء الذين تعرض بعضهم للاختطاف خارج السعودية.

إضافة إلى ذلك، توجد حالات متنوعة من الإخفاء القسري للأجانب، توثقها جهات متنوعة، من بينها قضية الشاب الأردني من أصل فلسطيني خالد الناطور الذي اعتقلته الاستخبارات السعودية في 2013، وذلك لمجرد وصوله لمطار الرياض في رحلة عمل، حيث دام اعتقاله وإخفاؤه قسريًا ثلاثة أشهر في ظروف غامضة قبل الإفراج عنه وترحيله لبلاده، وذلك دون توجيه أي تهمة أو عرضه على المحكمة، فيما أشارت المعلومات إلى أن سبب الاعتقال هو انتقاده مشاركة الدرك الأردني في قوات درع الجزيرة في البحرين. كما تعرض المواطن الأردني حسين أبو الخير للإخفاء القسري لمدة 12 يوما قبل تمكينه من التواصل مع عائلته، وهو حاليا يواجه خطر الإعدام باعترافات انتزعت منه تحت التعذيب، بينها ما حصل خلال مدة الإخفاء.

مقدمة للقتل:

تمارس الحكومة السعودية الإخفاء القسري بحق أفراد تعمد إلى قتلهم لاحقا. في قضية الشاب مكي العريض الذي اختفى لمدة يومين، قال مركز شرطة العوامية لعائلته، إنه مات بسبب الخوف بعد اعتقاله، إلا أن الآثار التي وجدت على جسده كانت في غاية الوضوح على أنه تعرض للتعذيب الشديد أثناء فترة الإخفاء القسري.

وفي قضية الصحفي جمال خاشقجي، لم تقر الحكومة السعودية بأن موظفين حكوميين هم المسؤولين عن قتله وإخفاء مصيره في قنصلية السعودية في تركيا إلا بعد مرور 17 يوما من الإختفاء، ليتبين لاحقا أنه قُتل واخفيت جثته.

إنكار مستمر:

في بعض القضايا التي رصدتها المنظمة الأوروبية السعودية ترفض الحكومة الاعتراف بمسؤوليتها عن إخفاء بعض الأفراد. ففي قضية الداعية سليمان الدويش، الذي اختفى في أبريل 2016، لم تعترف الحكومة السعودية حتى الآن باعتقاله رسميا على الرغم من ورود اسمه على على الموقع الإلكتروني “نافذة” المخصص لإدراج أسماء المعتقلين وحالتهم، وأشارت البيانات القليلة إلى أنه رهن التحقيق، إلا أن الإسم حُذف بعد فترة. كما رصدت المنظمة انقطاع أخبار المعتقل أحمد المغسل منذ اعتقاله في أغسطس 2015 في مطار بيروت وتسليمه، كما لا زال مصير محمد آل عمار منذ 226 يوما وعبد الرحمن السدحان منذ 889 يوما غير معروف.

تظهر طبيعة قضايا الإخفاء القسري في السعودية أنه يستخدم كوسيلة انتقامية، حيث أن هذه الممارسة يكثر استخدامها ضد المعارضين والنشطاء وأصحاب الرأي. فإلى جانب إخفاء الأفراد، تمارس الحكومة السعودية إخفاءً قسريا لجثامين أشخاص قتلتهم بموجب أحكام قضائية تعسفية أو خارج نطاق القضاء، حيث وثقت المنظمة الأوروبية السعودية إخفاء مكان جثامين 86 شخصا منذ العام 2016. وفيما يؤكد الفريق العامل المعني بالاختفاء القسري في  الفقرة 6 من التعليق العام بشأن الحق في معرفة الحقيقة، على أن “يشمل الحق في معرفة الحقيقة بشأن المصير ومكان وجود الشخص المختفي، عند وفاة الشخص المختفي، حق الأسرة في إعادة رفات أحبائهم إليهم، ودفنها وفقًا لظروفهم بينها التقاليد أو الدين أو الثقافة الخاصة”، فإن السعودية تخالف القواعد والقوانين الدولية بحرمان العائلات من ممارسة الحق في الدفن الذي تراه لائقا لأفراد عائلتهم الذين يقتلون على يد الجهات الرسمية.

دواعي القلق في اليوم العالمي:

رصد المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان يبين أن دواعي القلق التي أثارتها الأمم المتحدة بمناسبة اليوم العالمي لمساندة ضحايا الإخفاء القسري، تتواجد في السعودية من خلال النهج المتبع. يتبين أن الحكومة عمدت إلى استغلال أنشطة مكافحة الإرهاب كذريعة لانتهاك التزاماتها، حيث منعت الأفراد الذين يحاكمون وفق قانون مكافحة الإرهاب من التواصل مع عائلاتهم لفترات متفاوتة تصل إلى عدة سنوات.

وفي حين تؤكد الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من جريمة الإختفاء القسري على أنه يجب معاقبة كل “من يرتكب جريمة الاختفاء القسري، أو يأمر أو يوصي بارتكابها أو يحاول ارتكابها، أو يكون متواطئا أو يشترك في ارتكابها”، فإن السعودية لا زالت تطبق سياسة الإفلات من العقاب على المتهمين، وخاصة مع انعدام أي شكل من أشكال استقلالية القضاء، والصلاحيات الواسعة التي تتمتع بها رئاسة أمن الدولة، وهو الجهاز المسؤول بشكل مباشر عن حالات الاعتقال التي تطال نشطاء ومدافعين عن حقوق الإنسان. يظهر ذلك بشكل فادح في قضية قتل الصحفي جمال خاشقجي، حيث أن التحقيقات لم تتم مع الأفراد الذين يفترض أنهم مسؤولون عن الموظفين الذين قاموا بعملية القتل، ولم تتطرق إلى المسؤولين عن إصدار أوامر بينها أمر الإخفاء.

تؤكد المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن الإخفاء القسري في السعودية ممارسة منهجية تستخدمها الحكومة السعودية بشكل انتقامي، ولا تتوافر في البلاد -حاليا- أرضية تؤهل للحد من هذه الممارسة. وفيما تستند إلى قوانين معيبة، وتجاوزات قانونية عديدة، فإن الإنكار وانعدام سبل المسائلة، يتيحان الديمومة لهذه الجريمة.

ترى المنظمة أن رفض المصادقة على اتفاقية حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، يدل على إنعدام النوايا الحسنة لدى السعودية للتوقف عن جريمة الإخفاء القسري.

AR