السعودية: تنتقم من نشطاء الخارج بإضطهاد عوائلهم في الداخل والتعامل معهم كرهائن

1 نوفمبر، 2018

دفع القمع والإستهداف الذي تمارسه المملكة العربية السعودية خلال السنوات الأخيرة بحق الشعب والنشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان، إلى إختيار المئآت إن لم يكن الآلاف للهجرة إلى خارج البلاد، حماية للنفس من الإستهداف بالإعدام أو التعذيب أو السجن والأحكام الظالمة، أو رغبة بممارسة النشاطات المختلفة السياسية والحقوقية والإعلامية بحرية، والتصدي للإستبداد الذي يشتد، خصوصاً منذ بدء عهد الملك سلمان وإبنه في 2015.

بعد فراغ الحكومة من القضاء على نشطاء الداخل، ودك بنية المجتمع المدني المستقل، إستدارت لنشطاء الخارج لتستكمل خطتها القمعية، بغية إيقاف ماتبقى من الأصوات القادرة على الحديث بحرية. مارست أساليب متنوعة، بعضها ناعمة وصولاً لأساليب أخرى قاسية، ومؤخرا فضحت قضية الصحفي جمال خاشقجي الذي اختفى بعد دخوله قنصلية السعودية في تركيا، نوايا وأساليب السعودية تجاه المواطنين في الخارج الذين يمارسون حقهم في حرية الرأي ويطالبون بإصلاحات.

المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، تابعت ووثقت بعض الممارسات التي قامت بها السعودية على بعض أسر وأقرباء وأصدقاء النشطاء في الخارج، ومن خلال الملابسات التي وقفت عليها المنظمة، ترى أنها ممارسات إنتقامية، تتستر ببعض القوانين المعيبة، جعلت من بعض الضحايا المقربين للنشطاء، بمثابة رهائن.

عبد الله الغامدي

ناشط سياسي من السعودية (19 أبريل 1975) يعيش في بريطانيا. منذ العام 2002 تحدث بشكل سري عن إنتهاكات حقوق الإنسان حينما كان في داخل السعودية. في العام 2004 وبعد هجرته إلى بريطانيا، بدأ بالمطالبة بشكل علني بالحقوق المدنية والسياسية والإجتماعية عبر التدوين والمشاركات الإعلامية وبعد ذلك عبر وسائل التواصل الإجتماعي.

في 26 مارس 2018 اعتقلت الحكومة السعودية والدته السيدة المسنة عايدة الغامدي، حيث داهمت القوات الأمنية منزلها في محافظة جدة واعتقلتها، واعتقلت معها إبنها عادل، دون أي أمر قضائي، وإقتادتهم إلى مكان مجهول، تبين لاحقا أنهم في سجن جدة، كما قامت الحكومة السعودية أيضا في الأثناء بمداهمة منزل أخيه المقيم في محافظة الدمام، سلطان، واعتقلته عبر قوات أمنية ترتدي الزي المدني وإدعت أنهم يخططون لزعزعة أمن البلاد.

الناشط السياسي عبدالله الغامدي نشر بيانا بعد عملية الإعتقال، أشار فيه إلى أن سبب إعتقال والدته هو  تقديمه هدية لها عبارة عن مبلغ مالي بسيط لايتجاوز الإحتياجات الإعتيادية.

عايدة ربة منزل وعادل طالب وسلطان موظف،ليس لأي منهم أنشطة سياسية. منعت الحكومة السعودية عايدة وعادل وسلطان من الاتصال بأفراد عائلاتهم وإبلاغهم بتفاصيل الاعتقالات كما منعتهم من الاتصال بمحامين.

تم الإفراج عن سلطان في 20 أبريل 2018، وفي 22 أبريل نشر على تويتر فيديو يهاجم فيه شقيقه، أكد فيه أن اعتقال العائلة بسبب أموال تلقوها من عبد الله.

تلقى عبد الله معلومات تفيد بأن سلطان أجبر على إنتاج ونشر الفيديو. علاوة على ذلك، ليس لدى الأسرة أي معلومات عن مكان وجوده. هناك شائعات عن احتجازه رهن الإقامة الجبرية، وطالب بعض النشطاء على تويتر السلطات السعودية بالإفصاح عن مكان وجوده. وفي 28 يونيو 2018، سُمح للعائلة بزيارة عادل وعايدة بشكل شهري، إلا أنهم لايزالون محرومون من غالبية حقوقهم القانونية.

ترافق إعتقال عائلة الغامدي مع حملة في إعلام السعودية الرسمي، وجهت تهم قبل التحقيق أو المحاكمة، وصمتهم بالإرهاب وإدعت أنهم كانوا بصدد مخطط يهدف إلى زعزعة أمن البلاد.

الشيخ حسن الصالح

ناشط سياسي من السعودية (10 أبريل 1971) يعيش في إيران. لم يزر السعودية منذ خمس سنوات بسبب المخاوف من الإعتقال على خلفية نشاطه وآرائه السياسية التي يعبر عنها في الوسائل الإعلامية وعبر مواقع التواصل الإجتماعي.

تمارس الحكومة السعودية حاليا ضغوطاً على عائلة الصالح، حيث إعتقلت في 20 ديسمبر 2017 بشكل تعسفي أخيه ناجي الصالح بتهمة التواصل مع أخيه ودعم أنشطته، وتعرض للتعذيب ولا زال في السجن الإنفرادي.

إضافة إلى ذلك تم إستدعاء والدة الصالح رغما عن كبر سنها، واتهمت بالتواصل مع إبنها، وتم تهديد بقية الأخوة بالإعتقال في حال التواصل معه.

إضافة إلى ذلك، وبسبب المخاوف من الإعتقال والتسليم إلى السعودية بناء على إتفاقيات أمنية، لم يتوجه الصالح إلى الأردن، حيث يقيم إبنه المعاق المصاب بالتوحد والإضطراب النمائي، رغما عن حاجته لتجديد إقامة إبنه، وهذا ما دفع مدرسة إبنه بالتهديد بحرمانه من التعلم وإخراجه من المدرسة. وبحسب الصالح، حاولت الحكومة تنفيذ خطة لإعتقاله من الأردن، حيث أتصلت به إدارة المدرسة تطلب منه القدوم للأردن لتجديد جواز سفر إبنه من أجل تفادي إيقاف دراسته، لكنه لم يذهب، وعرف بعد ذلك أن المباحث قالوا لأخيه المعتقل في وقت سبق إتصال المدرسة، إننا سنحضر أخاك خلال أيام.

حاليا المستندات الخاصة بإبنه في حوزة السفارة السعودية في الأردن، والسفارة تمتنع من تجديدهم إلا بحضور أبوه أو من يوكله، ويعرف الصالح أنه سيعتقل فيما لو وصل إلى الأردن أو السفارة. ولقرابة 6 سنوات لم يلتقي الصالح بإبنه.

عمر بن عبد العزيز الزهراني

ناشط سياسي من السعودية (4 يناير 1991) يعيش في كندا. بدأ الدراسة في كندا كطالب مبتعث في 2009. خرج لآخر مرة من السعودية في العام 2012، وبسبب نشاطه الذي بدأ خلال وجوده في كندا، أوقفت الحكومة السعودية الدعم المالي لبعثته التعليمية وبات مؤكداً أنه سيكون في خطر فيما لو رجع السعودية مرة أخرى وقد يتعرض للإعتقال والتعذيب والمحاكمة، ما دفعه إلى تقديم طلب لجوء في العام 2013، وفي فبراير 2015 منح حق اللجوء السياسي.

نشط عمر عبر مواقع التواصل الإجتماعي. حيث إنتقد في تغريداته سياسات الحكومة السعودية، والإنتهاكات التي تقوم بها وخاصة بحق المعتقلين، وإستخدم شبكات التواصل الإجتماعي للحديث عن الحقوق المتنوعة، وتناول عدة قضايا من بينها مؤخرا الأزمة بين السعودية وكندا وجريمة قتل الصحفي جمال خاشقحي. تلقى رسائل شفهية من مقربين من الحكومة طالبوه فيها بالكف عن التكلم وإلا سيواجه عواقب.

في 22 أغسطس 2018، نشر مقطع فيديو، أكد فيه إعتقال إثنين من أخوته وثمانية من أصدقائه، أشار فيه إلى أن سبب الإعتقالات هو عدم تجاوبه مع رسالة من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان حملها إليه أخوه أحمد ومعه رجلان آخران قبل أسابيع، حيث جاؤوا ليفاوضوه ويقنعوه بالعودة إلى السعودية، مؤكدين أن ابن سلمان سيضمن له عدم تعرضه لسوء حال عودته. حاليا لا يزال أخوة وأصدقاء عمر بن عبد العزيز معتقلين تعسفيا. وقد أفاد عمر في حسابه في تويتر، أن أخوه أحمد عذب صعقاً بالكهرباء، وأخوه عبدالمجيد عذب بالإغراق.

علي هاشم الحاجي

ناشط سياسي من السعودية (1 نوفمبر 1983) يعيش في لبنان. خرج من السعودية في 2017، بعد أن تم إستدعاؤه للتحقيق أمام المحكمة الجزائية المتخصصة، التي أنشئت أساساً لمحاكمة المتهمين بممارسة الإرهاب، ولكنها تحاكم النشطاء وأصحاب الرأي. إستدعاء الحاجي أتى على خلفية نشاطه عبر شبكات التواصل الإجتماعي وإنتقاده لسياسات الحكومة والقمع الذي تمارسه على المواطنين. بعد خروجه من السعودية إستمر نشاطه، حيث تحدث عبر مواقع التواصل والوسائل الإعلامية عن الإنتهاكات والإعتقالات كما طالب بالحقوق المدنية والسياسية.

في 2018، زارته عائلته في لبنان، زوجته وخمسة أطفال. وفي أغسطس 2018 عند عودتهم المؤقتة إلى السعودية تم إيقافهم في مطار الدمام لمدة ثلاث ساعات، ووجهت للزوجة إهانات وتهديدات وأسئلة حول زوجها ونشاطه، كما أجبرت على البصم على ورقة لم تعرف محتواها. القوات الأمنية في المطار عمدت أيضا إلى مصادرة جميع جوازات سفر العائلة، وحاليا لا زالوا ممنوعين من السفر.

على الدبيسي

مدافع عن حقوق الإنسان من السعودية (17 أكتوبر 1980) يعيش في ألمانيا. أعتقل تعسفياً مرتين في عامي2011 و2012، خلال حملات إعتقال تعسفية شهدتها السعودية تزامنا مع تظاهرات وإحتجاجات شهدتها البلاد أثناء أحداث الربيع العربي.

تم إعتقاله في 2 مايو 2011 من إحدى نقاط التفتيش المؤدية إلى مدينة صفوى، بسبب وجود كتب متنوعة في سيارته، وتم وضعه في السجن الإنفرادي والتحقيق معه حتى أفرج عنه في 4 مايو 2011. وفي سبتمبر 2011 أعيد إعتقاله من نفس نقطة التفتيش، وبسبب وجود أوراق وكتب في سيارته أيضاً، وبقي في السجن حتى أطلق سراحه في أغسطس 2012 بدون توجيه أي تهمة، وبعد ثمانية أشهر من إطلاق سراحه، إستدعته المباحث للتحقيق من دون ذكر السبب وطلبت منه الحضور ما أثار مخاوف من إعادة إعتقاله تعسفيا وتعريضه للتعذيب أو إقامة محاكمة جائرة له، مادفعه إلى الخروج من السعودية في أبريل 2013.

في ألمانيا بدأ نشاطه الحقوقي، حيث أنشأ مع مواطنين من السعودية، المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان التي تهدف إلى نشر الإنتهاكات، وإمداد وسائل الإعلام بمجريات الحالة الحقوقية، وتقديم تقارير إلى مختلف أجهزة الأمم المتحدة المعنية.

في سبتمبر 2016 وبشكل مفاجيء، نشرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية خبراً أشارت فيه إلى أنه لم يحضر جلسة محاكمة كانت مقررة له في أبريل 2016، وحددت له جلسة أخرى لمحاكمته بموجب قانون مكافحة الإرهاب وتمويله، الذي عرف بإستخدامه ضد النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان. كما أخبرته بعض المصادر في صيف 2016 أن هناك أمراً بالقبض عليه في الدول العربية بتهمة زعزعة الأمن الوطني.

في 18 أغسطس 2017 أعتقل إبن اخته القاصر محمد اللباد (17 فبراير 2001)، بشكل تعسفي من نقطة تفتيش ونقل إلى مركز شرطة العوامية دون توجيه أي تهم. في أبريل 2018 تم إستدعاء والدته السيدة إبتسام الدبيسي من قبل مباحث القطيف، حيث تم ترهيبها بالإعتقال، وتم إعتبار ماتكتبه عن إبنها في حسابها في تويتر تأليباً على الدولة وجريمة إلكترونية تجيز إعتقالها. خلال التحقيق سُئِلت إبتسام عن نشاط شقيقها وطلب منها إخباره التوقف عن نشاطه والعودة إلى البلاد.

في أثناء التحقيق طلبت منهم إطلاق سراح إبنها، فكان رد المحققون: كيف نطلق سراحه فيما لا زال خاله مستمرا بنشاطه؟.

وضع محمد في سجن غير مخصص للأحداث، ووجهت له تهما أجبر على التوقيع عليها، بينها المشاركة في مظاهرات وتكرار شعارات ضد الدولة وحمل المولوتوف.

عروض بالعودة

إلى جانب إستهداف العائلات في الداخل، يتعرض النشطاء المقيمون في الخارج إلى أساليب متعددة بهدف القضاء على نشاطهم، حيث تلقى عدد منهم إتصالات ودعوات من الحكومة بشكل مباشر أو غير مباشر، تحثهم على العودة إلى السعودية مقابل ضمان عدم ملاحقتهم أو إعتقالهم. من بين هؤلاء نائب رئيس المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان عادل السعيد، والمحامي المدافع عن حقوق الإنسان طه الحاجي الذي تواصلت معه السفارة السعودية في برلين تعرض عليه العودة للسعودية، بعد أن كان غادرها تجنبا للإعتقال. تثير هذه الممارسات مخاوف النشطاء من إمكانية أن تكون خطوات أولية قبل التصعيد ضدهم أو ضد عائلاتهم المقيمة في الداخل.

ترى المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن المضايقات التي تطال أسر المعارضين والنشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان، المقيمين في الخارج، جزء من سياسات الحكومة السعودية لكبت الحريات والنشاط المدني المستقل.

وتؤكد المنظمة أن هذه الممارسات إنتهاك للقوانين الدولية التي تكفل الحق بحرية الرأي والتعبير، إلى جانب كونه إنتهاك لإعلان حماية المدافعين عن حقوق الإنسان الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1998. حيث تنص المادة 12 أن على “الدولة أن تتخذ التدابير اللازمة التي تكفل حماية السلطات المختصة لكل فرد، بمفرده وبالاشتراك مع غيره، من أي عنف، أو تهديدات، أو انتقام، أو تمييز ضار فعلا أو قانونا، أو ضغط، أو أي إجراء تعسفي آخر نتيجة لممارسته المشروعة”.

تشدد المنظمة على أن هذه الإنتهاكات إنتقامية، وهي إبتزاز يهدف لإيقاف النشطاء عن حقهم المشروع في حرية الرأي. إن مايجري على أفراد أسر النشطاء، يدخل في خانة القمع الغير مسبوق الذي تميز به عهد الملك سلمان.

إن إستهداف أفراد أسر النشطاء والمقربين إليهم، بالتهديد أو المضايقات أو الإعتقالات، ممارسة تؤدي إلى نزع شعور الأمان من المقربين للنشطاء، وتعد ممارسة ترهيبة تضاف لسجل السعودية الأسود في حقوق الإنسان.

AR