الاستعراض الدوري الشامل للسعودية: فرصة هلا التويجري للتضليل

بعبارات ترويجية، ونبرة عالية كرست رئيسة هيئة حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية هلا التويجري، دور الهيئة في غسيل صورة بلادها والتغطية على انتهاكات حكومتها الجسيمة، والتلاعب بالآليات الدولية.

وفي كلمتها الافتتاحية أمام دورة الاستعراض الدوري الشامل الرابعة والتي عقدت في 22 يناير 2024، في جنيف، أشادت التويجري بدور الاستعراض باعتباره إحدى أدوات مجلس حقوق الإنسان الفاعلة التي تهدف إلى تحسين أحوال حقوق الإنسان في العالم على أساس مبادئ المساواة والشمولية والتعاون والحوار.

رئيسة هيئة حقوق الإنسان اعتبرت أن حكومة بلادها أبدت “أقصى درجات التعاون والجدية في التعامل مع الآلية”، من تقديم تقاريرها الوطنية في أوقاتها، وأيجاد آلية وطنية فاعلة لمتابعة تنفيذ التوصيات وإشراك أصحاب المصلحة والمشاركة بوفود  تضم ممثلين على مستوى عال من مختلف الجهات المعنية.

وقالت التويجري أن السعودية نفذت 85% من إجمالي عدد التوصيات التي قدمت لها والبالغ عددها 450 توصية، فيما تعتمد هيئة حقوق الإنسان على التقييم الرسمي والمعلومات غير المستقلة في معيار تنفيذ التوصيات.

وأشارت إلى أنه تم إعداد التقرير الوطني في إطار الجولة الرابعة للاستعراض الدوري الشامل وفق المبادئ الدولية التي تقوم على تحديد وتفعيل مصادر استقاء المعلومات والبيانات والمتابعة المحوكمة والتحليل المعمق وإيراد الأدلة الوصفية والكمية، كما قالت أنه تم ضم مختلف فئات المجتمع إلى إعداد التقرير بما في المجتمع المدني.

المقدمة التي تلتها التويجري، تشكل دلالة واضحة على مقدار تزييف المعلومات التي احتواه التقرير الرسمي السعودي، حيث ادعت أنه تم العمل على التقرير وفق منهجية ضمت مختلف فئات المجتمع بما في ذلك المجتمع المدني. التصريح بمشاركة المجتمع المدني في إعداد التقرير يأتي في ظل انتهاكات واسعة بحق المدافعين عن حقوق الإنسان بما في ذلك الإخفاء القسري والاعتقال التعسفي والمنع من السفر، إلى جانب حظر أي نوع من أنواع المنظمات والجمعيات. كما أن الإشارة إلى استقاء المعلومات ومصادرها يأتي في ظل تجريم التعامل مع المنظمات والهيئات الدولية.

 التقرير الوطني يرصد ما وصفته التويجري، بالتقدم المحرز في مجال حقوق الإنسان من نوفمبر 2018 حتى اكتوبر 2023. وبحسب التويجري تحققت خلال هذه المدة “إصلاحات وتطورات نوعية في مختلف مجالات حقوق الإنسان في إطار رؤية 2030 التي جاءت منسجمة مع المعايير الدولية خاصة مجال الحق في التنمية”، وشملت الإصلاحات جميع المستويات التشريعية والقضائية والتنفيذية والإجرائية وجميع حقوق الإنسان وموضوعاتها.

تشير البيانات والمعطيات التي رصدتها المنظمة إلى أن القفزة النوعية كانت في جسامة الانتهاكات، ففيما تحدثت التويجري عن 100 إصلاح في مجال حقوق الإنسان، يبيين تقرير المنظمة الذي تم مشاركته مع آلية الاستعراض الدوري الشامل أن الانتهاكات هي التي شملت مختلف مجالات حقوق الإنسان.

التويجري اعتبرت أن سياسة بلادها لا تهدف “إلى الوقوف عند الالتزامات بل يهدف من خلال التوجيهات إلى الوصول إلى أفضل الممارسات في مجال حقوق الإنسان”. تحاول رئيسة هيئة حقوق الإنسان في كلمتها الإشارة إلى أن بلادها نفذت كافة التزاماتها وبدأت بالعمل على ممارسات أفضل في مجال حقوق الإنسان. ترويج التويجري يناقض الأرقام والحقائق، فخلال الفترة التي أشارت لها أعدمت السعودية 615 شخصا بينهم قاصرون ومتظاهرون وأفراد انتزعت اعترافاتهم تحت التعذيب. وخلال هذه الفترة شنت السعودية حملات اعتقال واسعة شملت ناشطات ومدافعات عن حقوق المرأة، وحملات طالت رجال دين وصحفيين، كما أطلقت مشاريع سكانية واقتصادية أدت إلى تهجير الآلاف قسري في مناطق مختلفة من البلاد.

التويجري اعتبرت أن التطورات والإصلاحات لم تتوقف حتى في أشد الظروف التي شغلت العالم مثل جائحة كورونا حيث صدر وعدّل خلالها العديد من التشريعات واتخاذ تدابير رامية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان. وكانت المنظمة قد رصدت خلال فترة الجائحة انتهاكات عديدة لحقوق الإنسان من بين ذلك تعريض معتقلي الرأي للفيروس والحرمان من الحق في الصحة، إلى جانب زيادة القمع والاعتقالات التعسفية على خلفية آراء معتقلة بالتدابير وغيرها من الانتهاكات.

كلمة التويجري عددت ما اعتبرته بناء إطار قانوني فاعل لتعزيز وحماية حقوق الإنسان من بين ذلك تطوير مرفق القضاء الذي يعد الضامن الأساسي لحقوق الإنسان، وإصلاحات على نظام وثائق السفر، ونظام الأحوال المدنية ونظام التأمينات الإجتماعية ونظام العمل ونظام الحماية من الإيذاء وغيرها. الحديث عن إصلاحات قانونية وقضائية يأتي في ظل استمرار انعدام أي استقلالية للقضاء حتى في القانون حيث يتبع مباشرة للملك، فيما لا زال القضاة يتمتعون بصلاحيات واسعة تسمح لهم بإصدار أحكام من دون سند قانوني.  

 وأشارت التويجري إلى صدور نظام الإثبات والأحوال الشخصية والمعاملات المدنية وإعداد مشروع نظام العقوبات ، معتبرة ان التشريعات “تمثل نقلة نوعية ورفع مستوى النزاهة وزيادة آليات الرقابة”. وكان ولي العهد محمد بن سلمان قد وعد بأصدار أول قانون للعقوبات في السعودية عام 2021، وعلى الرغم من مرور عامين لم يصدر حتى اليوم.

التويجري تحدثت التوصيات المتعتقلة بالعدالة الجنائية واعتبرت أن صدور قانون الأحداث هو “إصلاح تاريخي في مجال قضاء الأحداث لاشتماله على أحكام تنظم التعامل مع الأحداث الجانحين بما يتلائم مع أعمالهم ويحقق المصلحة في تقويم سلوكياتهم”. كما قالت أن السعودية ألغت عقوبة الإعدام على الأحداث في القضايا التعزيرية بموجب هذا النظام.

حديث التويجري هو تكرار للتصريحات الرسمية السابقة والتوريج لتغير تاريخي في مجال العقوبات على الأحداث، إلا أنه لا يعكس الواقع الذي يتضمن استمرار القانون بالسماح بإصدار أحكام قصاص وحد بحق قاصرين. كما أنه يتضمن إنكارا لحقيقة قتل قاصر هو مصطفى الدرويش بعد صدور القانون، وكون 8 معتقلين حاليا يواجهون عقوبة القتل تعزيرا بعقوبات حصلت حين كانت أعمارهم أقل من 18 عاما.

الكلمة أشارت إلى اتخاذ آليات صارمة لتنفيذ التوصيات المتعلقة بمكافحة الاتجار بالبشر وإنشاء آلية وطنية لذلك، إلا أنها تجاهلت بشكل تام عمليات قتل المهاجرين  الذي قد يكونون ضحايا اتجار على الحدود.

التويجري قالت أنه تم تنفيذ 80 بالمئة من توصيات اللجان والهيئات التابعة لمجلس حقوق الإنسان، وأن بلادها تتعاون مع آلية الإجراءات الخاصة من خلال الاستجابة الفاعلة للحالات والقضايا وبلغت نسبة الاستجابة 99%. الحديث عن الاستجابة لرسائل المقررين الخاصين تأتي في ظل رصد تلاعب وتقديم معلومات مضللة وتجاهل تام للآراء الدولية حيث تم إعدام والاستمرار باعتقال أفراد كان الخبراء الدوليون قد أكدوا أن اعتقالهم غير قانوني وطالبوا برفع الاحكام عنهم.

ترى المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن كلمة هلا التويجري أمام الاستعراض الدوري الشامل كرست دور هيئة حقوق الإنسان الرسمية في غسيل صورة السعودية. كما تعتبر أن التوصيات التي من المفترض أن تنتج عن هذه الآلية يجب أن لا تتأثر بتلاعب الهيئة والمعلومات المضللة التي تقدمها.

AR