
بناء على طلب الخبيرة المستقلة للأمم المتحدة المعنية بتمتع كبار السن بجميع حقوق الإنسان، الدكتورة كلوديا ماهلر، قدمت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان مدخلات قبيل الزيارة التي تقوم بها إلى المملكة العربية السعودية:
الأطر القانونية والمؤسسية والسياسية الداعمة لحقوق الإنسان لكبار السن
نصت المادة السابعة والعشرون من النظام الأساسي للحكم في السعودية على أن: “تكفل الدولة حق المواطن وأسرته في حالة الطوارئ، المرض، العجز، والشيخوخة وتدعم نظام الضمان الاجتماعي، وتشجع المؤسسات والأفراد على الإسهام في الأعمال الخيرية”. وهذا النص يعكس التزام الدولة برعاية كبار السن. كما نصت المادة الحادية والثلاثون من النظام نفسه على أن: “تعنى الدولة بالصحة العامة وتوفر الرعاية الصحية لكل مواطن”، مما يضمن تقديم خدمات صحية لكبار السن.
وقد أصدرت المملكة نظامًا خاصًا بكبار السن، وهو “نظام حقوق كبير السن ورعايته”، الذي يهدف إلى حماية حقوق كبار السن وتوفير الرعاية اللازمة لهم. بالإضافة إلى ذلك، أصدرت اللائحة التنفيذية لنظام الحماية من الإيذاء لضمان حماية كبار السن من سوء المعاملة والإيذاء. بنص النظام على أن يُعتبر “المسن” كل من بلغ الستين من العمر أو أكثر.
إضافة إلى ذلك، يمكن لكبار السن التقديم على الرعاية طويلة الأمد من خلال خدمة طلب التسجيل بدور الرعاية لكبار السن[1]، حيث تهدف هذه الدور إلى إيواء ورعاية كل مواطن ذكر أو أنثى بلغ الستين فأكثر وعجز عن القيام بشؤونه الخاصة، ولا تتوفر لأسرته وأقاربه الإمكانات لذلك، بالإضافة إلى رعاية المرضى والمسنين الذين لا عائل لهم ويحالون من المستشفيات بشرط خلوهم من الأمراض المعدية والعقلية. وتقدم من خلال هذه الدور الرعاية الإيوائية الحكومية، والتي تتضمن الرعاية الاجتماعية والطبية والنفسية، وتتنوع فعاليات أنشطتها كالنشاط الثقافي والمهني والترفيهي والرياضي، ويشرف على هذه البرامج والفعاليات جهاز وظيفي يضم كافة التخصصات للقيام بالخدمات المنوطة به لخدمة المقيمين في الدار.
وضع كبار السن فيما يتعلق بحقوقهم المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية
تشير التقارير إلى أن كبار السن في السعودية يواجهون تحديات عدة تتعلق بحقوقهم المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك تعرضهم للعنف وسوء المعاملة في بعض الحالات.
العنف وسوء المعاملة:
تزايدت التقارير حول تعرض كبار السن للإيذاء والعنف في بعض الحالات، وخاصة لدى المسنين المعتقلين، حيث يعد سوء المعاملة والتعذيب ممارسة شائعة في سجون السعودية لا يسلم منها كبار السن:
- سلمان العودة (14 ديسمبر 1956)، يبلغ من العمر حاليا، 68 عاما، اعتقله السعودية عام 2017، وتطالب النيابة العامة له بالقتل بعد أن وجهت له سبعة وثلاثون تهمة منها: تأليب المجتمع على الحكام، السعي في الإفساد المتكرر، الارتباط بشخصيات وتنظيمات تتبع الإخوان، دعوته للتغيير في الحكومة السعودية.
تؤكد التقارير تعرضه للتعذيب، حيث حرم من حقه في العلاج وحتى حقه في النوم، حيث كان يحقق معه لأيام طويلة متواصلة دون أن يغمض له جفن، كما أنه كان يتم تقييد يديه وقدميه ويُلقى داخل زنزانة العزل الانفرادي مغمض العينين، ثم يُرمى له الطعام في أكياس صغيرة وهو ما زال مقيدا، فيضطر لفتحها بفمه حتى تجرحت أسنانه في فترة من الفترات. لا زال حتى اليوم في السجن الانفرادي.
- عوض القرني: (1957)، تجاوز عمره66 عاما. اعتقل عام 2017 ، وتطالب النيابة العامة له بالقتل بتهم بينها إنشاء حسابات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والمشاركة في محادثات عبر واتساب ونشر مقاطع فيديو أشاد فيها بالإخوان المسلمين.
المقررون الخاصون التابعون للأمم المتحدة أكدوا انطواء اعتقاله على انتهاكات عديدة وسوء معاملة حيث وضع في السجن الانفرادي لأشهر ومنع من التواصل مع العالم الخارجي. ومنذ سنوات هو معتقل من دون صدور حكم قضائي بحقه.
الاعتقالات التعسفية:
تؤكد التقارير أن السعودية تعمد إلى اعتقال عدد من كبار السنة على خلفيات متنوعة، بعضها يتعلق بنشاطاتهم السياسية أو نشاطات ذويهم المعارضة.
في مارس 2018، تم اعتقال السيدة الستينية عايدة الغامدي، ونشر الإعلام الرسمي إشاعات تتحدث عن التهم الموجهة ضدها وبينها التخطيط لزعزعة أمن البلاد. بقيت الغامدي لأشهر في السجن الانفرادي، ولا زالت معتقلة فيما من المرجح أن السبب الانتقام من نشاط ابنها المعارض السياسي.
وفي مايو 2018 تم اعتقال السيدة عزيزة اليوسف (مواليد 1950) وهي أكاديمية ومدافعة عن حقوق المرأة. وفي عام 2013 تم اعتقال الدكتور علي الحاجي (مواليد 1949) بتهمة التجسس لصالح إيران.
ومنذ العام 2016، يقبع الشيخ حسين الراضي (1951)، في السجن بعد أن حكم عليه 13 عاما على خلفية مواقف له تعارض الحكومة السعودية حول الحرب على اليمن وتنديده بإعدام المطالب بالعدالة الإجتماعية الشيخ نمر النمر. وكان الشيخ الراضي خلال سنوات اعتقاله قد تعرض لانتهاكات في السجن، حيث منع من العلاج اللازم ونقله إلى المشفى وغيرها.
الوفاة في السجون:
على الرغم من انعدام الشفافية في التعامل الرسمي السعودي، رصدت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان عدة قضايا لوفيات في سجون السعودية خلال السنوات الأخيرة لكبار في السن:
- عبد الله الحامد: (12 يوليو 1950):
في 24 أبريل 2020، حين كان يبلغ من العمر 70 عاما توفي المدافع عن حقوق الإنسان الدكتور عبدالله الحامد، بعد سلسلة من الإهمال الطبي في المعتقل. الحامد هو أحد أبرز مؤسسي جمعية الحقوق المدنية والسياسية حسم، اعتقل عدة مرات بسبب نشاطه الحقوقي و مطالبه الإصلاحية. في سبتمبر 2018 فاز الحامد بالتشارك مع رفيقه الدكتور محمد القحطاني والناشط وليد أبو الخير بجائزة رايت ليفيلهوود، المعروفة باسم “جائزة نوبل البديلة”، وفي مارس 2020 فاز بالتشارك مع رفاقه في جمعية حسم بالجائزة الحقوقية الأبرز في هولندا المعروفة بـ خوزين بينينغ.
المعلومات أشارت إلى أن الحامد كان قد نقل من سجن الحائر في الرياض، الذي يعتقل فيه منذ العام 2013 إلى العناية المركزة في 9 أبريل 2020، وذلك بعد تعرضه لجلطة في المخ ودخوله غيبوبة، حيث كان “يعاني من وضع صحي متدهور، نقل على إثره للمستشفى قبل أكثر من ثلاثة أشهر، وأخبره الطبيب حينها بحاجته العاجلة لإجراء عملية قسطرة في القلب بشكل عاجل”.
على الرغم من ذلك قامت السلطات السعودية بإعادته للسجن في ظروف صحية صعبة وعرضته لضغوط نفسية كبيرة، حيث تم منعه من الاتصال والزيارة لعدة مرات، ولم يسمح للحامد إخبار أسرته أو أي أحد في الخارج بحالته الصحية.
وكان الحامد قد اعتقل في مارس 2013، بعد أن حكم عليه بالسجن 11 عاما والمنع من السفر 11 عاما، بتهم بينها المشاركة في تأسيس جمعية غير مرخصة.
- موسى بن محمد القرني (1954):[2]
في صباح يوم 10 أكتوبر 2021، حين كان عمره 67 عُثر على القرني ميتًا في زنزانته بسجن ذهبان بجدة، حيث أشارت المعلومات إلى تورط سجناء آخرين في قتله. في 14 أكتوبر 2021، أعيد جثمان الدكتور القرني لأسرته. وزُعم أن الجثة كانت عليها آثار تعذيب ، بما في ذلكهههههت كسور في الضلوع.
خبراء الامم المتحدة لحقوق الإنسان حمّلوا حكومة السعودية المسؤولية عن وفاة القرني في السجن، وأشاروا إلى أن المعلومات التي تلقوها تؤكد أن قتل القرني انطوى على عدة انتهاكات للقوانين الدولية. وكان الفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي قد اعتبر منذ عام 2007 ان اعتقاله تعسفي وطالب بالإفراج عنه.
وأوضح المقررون أنه أثناء حرمانه من حريته، تعرض الدكتور القرني، للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، بما في ذلك الضرب والحبس الانفرادي والإيداع في زنازين مع معتقلين آخرين يحتمل أنهم متطرفون، كانوا يعمدون إلى ضربه بسبب آرائه الإصلاحية ومشاركته المدنية.
وأشارت الرسالة إلى أن القرني نُقل قسراً إلى مستشفى للأمراض النفسية وأعطي أدوية غير مناسبة، وحُرم بشكل منهجي من الرعاية الطبية الكافية ، حتى عندما أصيب في مايو 2018 بسكتة دماغية. وأشاروا إلى أن المعلومات أوضحت أن سبب وفاة الدكتور القرني لم يكن طبيعياً بل نتيجة صدمة، بما في ذلك في الوجه والرأس. وعلى الرغ من هذه المعلومات لم يجر حتى الآن تحقيق شامل في الوفاة لتحديد أسبابها وظروفها.
عدنان الشرايدة:
هو مواطن أردني (1 يونيو 1963)، ألقي القبض عليه في فبراير 2017، ووجهت له تهم تتعلق بتهريب المخدرات. حكم عليه بالقتل تعزيرا في فبراير 2019. خلال فترة اعتقاله تعرض لجلطة بالدماغ أدت إلى شلل ومشاكل في النطق، كما تعرض لأزمة قلبية أدت إلى نقله إلى المستشفى. طالبت عائلته بالعفو أو رفع الحكم بسبب وضعه الصحي، إلا انهم لم يتلقوا جوابا. في ديسمبر 2024، حين كان يبلغ من العمر 61 عاما، وبعد أن أمضى 7 سنوات في السجن في ظروف صعبة للغاية، توفي داخل السجن. لم يتم تسليم جثته إلى عائلته.
التقاطع والشيخوخة:
فيما يتعلق بالتمييز التقاطعي، يعاني كبار السن غير السعوديين من التمييز في الوصول إلى الرعاية والخدمات الاجتماعية. إذ تقتصر معظم الخدمات على المواطنين السعوديين، مما يعرض كبار السن من الجنسيات الأخرى إلى التهميش والحرمان من الخدمات الأساسية. يكرس نظام حماية كبار السن التمييز ضد الأجانب من كبار السن، حيث تحصر الاستفادة من دور الرعاية ومن الخدمات الحكومية بالمواطنين السعوديين.
الخاتمة:
تمارس السعودية الاعتقال التعسفي بشكل واسع، لا يستثني ذلك الكبار في السن الذين يعانون من صعوبات في التأقلم وفي الحصول على حقوقهم داخل السجون.
تنعدم الشفافية في تعامل الحكومة السعودية في ملف المعتقلين ما يمنع الوصول إلى معلومات كافية عن العمر والتهم، إلا أن المعطيات تشير إلى أن عدد المعتقلين من فئة المسنين كبير.
توصي المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان بـ:
- السعي للحصول على معلومات حول عدد المعتقلين في السجون، أعمارهم، وتهمهم.
- ضمان توفير بيئة آمنة داخل السجون للمعتقلين من كبار السن، بحيث لا يتعرضون لأي شكل من أشكال الأذى أو سوء المعاملة أو غيرها من الانتهاكات.
- المطالبة بإجراء تحقيقات شفافة في كافة حالات الوفيات داخل السجون، وخاصة تلك التي قد تكون نتيجة للإهمال الطبي أو سوء المعاملة لكبار السن.
- ضمان أن تكون السياسات والأنظمة في المملكة عادلة وشاملة لجميع السكان دون تمييز.
- العمل على وضع سياسات لمنع تطبيق العقوبة المزدوجة، بحيث لا يقضي المعتقلون سنوات طويلة في السجن دون حكم قبل أن يُحكم عليهم بالإعدام.
- ضمان حقوق المحكومين بالإعدام من كبار السن، حيث تنص القوانين الدولية على ضرورة تنفيذ عقوبة الإعدام بطريقة تضمن الحد الأدنى من المعاناة، وهو ما لا يتماشى مع واقع المسنين المرضى داخل السجون.
[1] https://www.hrsd.gov.sa/care-elderly
[2] https://spcommreports.ohchr.org/TMResultsBase/DownLoadPublicCommunicationFile?gId=26797