فرنسا وجهودها المشبوهة في التّلميع للسّعوديّة *

فرنسا وجهودها المشبوهة في التّلميع للسّعوديّة *

تتصدّر قضيّة إغتيال الصّحافي جمال خاشقجي في أكتوبر 2018 قائمة القضايا التّي هزّت الصّورة التّي تحاول السّعوديّة ترويجها لنفسها منذ 2015 بزعامة محمد بن سلمان. فهذه القضيّة أجبرت الزّعامات الأوروبيّة على إتّخاذ موقف حازم من السّعوديّة وأميرها الشّاب المتهوّر.

وبعد أن فرضت هذه القضيّة حظرًا ديبلوماسيًّا على بن سلمان، كان الرّئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أوّل رئيس أوروبي يبادر إلى كسر هذا الحظر. ماكرون الذّي بادر إلى زيارة وليّ العهد ومصافحته برّر قائلًا أنّ التّواصل مع المملكة بوجهها الرّسمي ضروريّ للحفاظ على أمن وإستقرار المنطقة، باعتبارها الدّولة الأولى من حيث الحجم والقوّة في الخليج. ورغم العلاقة التّي لا تزال “وديّة” أكدّ ماكرون “عدم الرّضا عن الملف الحقوقي، ووضوح موقف فرنسا في كلّ ما يتعلّق بحقوق الإنسان”.

أمّا فيما يخصّ الحرب على اليمن، وبعد أن أصدرت ألمانيا قرارًا بوقف تسليح السّعوديّة إثر مقتل خاشقجي، صرّح الرّئيس الفرنسي أنّ هذا القرار ديماغوجيّ، ففرنسا التّي تدعم حرب السّعوديّة على اليمن المستمرّة لليوم والتّي تعدّ ثاني دولة تزوّد السّعوديّة بالأسلحة بعد الولايات المتّحدة الأميركيّة، اعتبرت أنّ إتخاذ موقف سلبي من السّعوديّة بما يخصّ حرب اليمن سيعقّد العلاقات بينها وبين المملكة.

تجدر الإشارة إلى أنّ فرنسا منخرطة مع السّعوديّة في أكثر من مشروع، وذلك منذ العام 2015 في عهد الرّئيس  فرانسوا هولاند، وهذا الوقت يتزامن مع وصول الملك سلمان بن عبد العزيز إلى الحكم ودخول ولي العهد على مسرح الأحداث. ففي الوقت الذّي كانت فيه الولايات المتّحدة الأميركيّة تسعى إلى تسهيل علاقاتها مع إيران، ظلّت فرنسا متحفّظةً تجاهها وهذا ما عزّز العلاقة بين السّعوديّة وفرنسا حينها، لتأتي حرب السّعوديّة على اليمن وتكرّسها، وتحظى بالمزيد من التّعزيز بعد وصول ماكرون إلى سدّة الرّئاسة عام  2017.

فالسّعوديّة كانت قد أطلقت عام 2016 رؤيتها الإستراتيجيّة للعام 2030، الرّؤية التّي تضمن للمملكة الإستقلال الإقتصادي، من خلال التّنويع في إيراداتها ومصادر دخلها القومي، وكان لفرنسا دورٌ هامٌّ في ذلك.

في قطاع التّرفيه مثلّا، الذّي تعتمد عليه الرّؤية بشكل كبير، يظهر الدّور الذي لعبته فرنسا. فالقطاع يعدّ من أبرز القطاعات التّي تستخدمها الدّول لتلميع صورتها،  والحكومة الفرنسيّة وقّعت منذ العام 2018 إتفاقيّة تنصّ على التّنمية الثّقافية والنّهوض بتراث محافظة العلا، على أن يدار المشروع من قبل السّلطات الفرنسيّة بشكل مباشر، بالإضافة إلى العديد من الإتّفاقيّات الإقتصاديّة في قطاعات عديدة أخرى كقطاع الطّيران، وقطاع الصّناعات البتروكيميائيّة وغيرها.

وإنطلاقًا من الخطّة الإستراتيجيّة نفسها دعمت السّعوديّة القطاع السّياحي، وأطلقت التّأشيرات السّياحيّة للمرّة الأولى، للتّأكيد على إنفتاحها وعصريّتها في الوقت الذّي يعكس واقع حقوق الإنسان فيها صورة مغايرة تمامًا.

في قطاع الرّياضة أيضّا، أدارت (Amaury Sports Organization A.S.O)  في العام 2020 أحد أهمّ الأحداث الرّياضيّة، ليس في السّعوديّة فحسب بل في القارّة الآسيويّة ككلّ،  وهو سباق رالي داكار (Dakar rally) ، الرّالي الأطول في العالم، وكانت المرّة الأولى التّي يقام فيها هذا الحدث في القارّة. نظّم الحدث على أعلى المستويات ليعزّز صورة المملكة المهتمّة بالرّياضة ويدعم القطاع السّياحي بما يرّوج للنّظام السعودي.

علاوة على ذلك، تنشط في فرنسا اليوم العديد من مجموعات الضّغط التّي تدعم إقامة كأس العالم 2030، في السّعوديّة وهو أحد أهمّ الأحداث الرّياضيّة عالميًّا على الإطلاق، رغم التّنديد الفرنسي  بإقامة كأس العالم 2022 في قطر لوجود قضايا إنتهاك حقوق إنسان.

ففي الوقت الذّي توّقع الشّركات الإقتصاديّة الكثير من الإتّفاقيّات وتستمرّ السّعوديّة في إستيراد الأسحلة الفرنسيّة، تبقى قضايا حقوق الإنسان متصّدرة الصّفحات الأولى في الصّحف الأوروبيّة والفرنسيّة على وجه الخصوص.

كلّ ما ذُكر يشير إلى الدّور الأساسي الذّي تلعبه فرنسا في دعم السّعوديّة في الكثير من القطاعات وتساعدها على تحسين صورتها أمام الرّأي العام الدّولي، وذلك لما له من مصالح مكتسبة تحصل عليها فرنسا.

منذ بداية العام 2022 نفذّت السّعوديّة 147 إعدامًا ، وكلّ الوقائع تؤكّد أن إرتفاع الضّغط المادّي وحصول الأنظمة على التّأييد السّياسي والدّولي وتشابك العلاقات الإقتصاديّة يزيد من حدّة العنف والإنتهاكات، فدعم السّلطات الفرنسيّة للنّظام السّعودي المستمرّ بشكل يومي، يساعد  في الإستمرار بتلميع صورته، ويعزّز مكانته في حين تستمّر ممارساته وترتفع حدّة الإنتهاكات. وكلّ ذلك يستوجب المزيد من الرّصد والمساءلة والتّحقيقات من قبل المنظّمات الحقوقيّة لكشف شبكات العلاقات ورصد الإنتهاكات للحؤول دون التّعتيم عليها.

*كلمة الياس جيوفري في المؤتمر السنوي الثالث لضحايا الانتهاكات في المملكة العربية السعودية الذي عقد بتاريخ 9و 10 ديسمبر 2022.

AR