حقوقيون وباحثون ونشطاء من السعودية في ندوة حول عقوبة الإعدام: دموية وإرهاب يمارسها النظام كأداة للقمع

29 أكتوبر، 2019

بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام، عقدت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان ندوة تحت عنوان “الإعدام في السعودية: الرؤية والمسؤولية الإجتماعية”، شارك فيها عددٌ من المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء والباحثين من السعودية.

الندوة أقيمت في 11 أكتوبر 2019 في بيت الديمقراطية والحريات في برلين، وسلطت الضوء على واقع تنفيذ عقوبة الإعدام وسط الارتفاع الدموي في معدلاتها واتخاذها طابعا سياسياً.

افتتح الندوة نائب رئيس المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، السيد عادل السعيد، بالإشارة إلى التصاعد الدموي في أرقام تنفيذ عقوبة الإعدام الذي شهدته السعودية منذ وصول الملك سلمان بن عبد العزيز إلى الحكم في يناير 2015، كما نوه إلى أنها طالت فئات جديدة، بينها أصحاب الرأي والمعارضين.

أوضح السعيد أنه منذ بداية العام 2019 حتى 7 أكتوبر 2019، قطعت الحكومة السعودية 164 رأساً متجاوزة الأرقام القياسية التي سبق أن تحققت في العام 2015. وأكد أن أكثر ضحايا الإعدامات متهمين بجرائم لا تعد من الأشد خطورة، بينها 68 حكم إعدام بناء على تهم مخدرات و 37 حكم على خلفية تهم سياسية، كان من بينهم 6 أطفال.

السعيد شدّد على أن معظم ضحايا الإعدامات السياسية أكدوا في سير المحاكمات أن اعترافاتهم انتزعت منهم تحت وطأة التعذيب الوحشي، ولكن على الرغم من ذلك تمت المصادقة على أحكامهم. كما أشار إلى أن المنظمة قد قامت في وقت سابق بتحليل عدداً من صكوك أحكام إعدام، وثبت من خلاله أن القضاة يصدرون أحكامهم على أفهام دينية متشددة ونصوص دينية من أجل إلباس الحكم لبوساً دينّيأ، معتبرا أن ذلك يثبت أن مزاعم بن سلمان بمحاربة الفكر الديني المتشدد، زائفة.

عقب توطئة السعيد، أدلى مدير مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث الشيخ سعيد الغامدي بمداخلته، حيث تحدث عن الانتهاكات التي تعتري المحاكمات والأحكام في السعودية، مشيرا إلى أن هناك نقاط أساسية تخالف الشريعة الإسلامية. وأوضح الغامدي أن التعذيب الممارس في كافة السجون، وخاصة السجون الأمنية والسياسية، يجعل الأحكام مردودة مباشرة.

إضافة إلى ذلك تحدث الغامدي عن قضية سن الرشد، حيث أن هناك اجتهادات ليست من الإسلام بصلة تتجاهل اختلافات الوعي والادراك وتسمح بالحكم بالإعدام على أفراد لم تتجاوز أعمارهم 18 عاما.

الغامدي فصّل في قضية الأحكام التعزيرية، وأوضح أنها تعني العقوبة التي تبنى على تقدير القاضي، وذكر أن من أهم شروط هذا الحكم أن لا يكون وفق الأهواء والمصالح الخاصة أو السياسية، وبالتالي فإن التعزير الذي يطلبه “ولي الأمر” غير صحيح، مؤكداً أن العقوبة تعزيراً لها حدود ويجب أن تكون على قدر الجريمة والمعصية.

إضافة إلى ذلك، تطرق الغامدي إلى قانون مكافحة الإرهاب الذي يسمح بأحكام إعدام بحق الأفراد بجرائم بينها انتقاد الملك وولي عهده أو انتقاد مشاريع الدولة، معتبراً أن هذا إرهاب بحد ذاته.

أما الباحث المتخصص في الشؤون السعودية الدكتور حمزة الحسن، فلقد أشار بدوره إلى أن موضوع الإعدامات في السعودية ممكن مقاربته من عدة زوايا، من بينها حقوقية أو دينية أو غيرها، محبذا التطرق إليه من الزاوية السياسية، خاصة أن الإعدامات جزء كبير منها سياسي لا جنائي.

أوضح الحسن أن الدول تبرر لنفسها الإعدامات الجنائية على أنها حفظ للأمن والنظام ومنع الجريمة، متسائلاً لماذا قد يقوم نظام بتنفيذ إعدامات سياسية. الحسن أجاب بأن الحكومة قد تقول بأن الهدف هو حفظ النظام السياسي أو حماية مصالح الشعب أو الأمن القومي، إلا أنه اعتبر أن كل هذه المبررات الظاهرية غير مقبولة، خاصة أنها تصدر عن نظام عليه إشكاليات ومطعون في شرعيته حيث أنه لم يأت برضا الناس.

الحسن اعتبر أنه بالإضافة إلى ذلك، فإن حكم الإعدام بشكل عام لا يؤدي عادة إلى النتيجة التي يرجوها النظام، وذلك بحسب الإحصاءات الرسمية.  وأوضح أن الإعدام في القضايا الجنائية مثل المخدرات مثلاً، لا يؤدي إلى خفض نسبة الجرائم أو يحقق الردع الذي يعتبر النظام أنه المبرر، مشدداً على أن السؤال الذي يجب أن يطرح هو مبررات الجريمة.

أكد الحسن بأن هذا العهد هو أسوأ مما سبقه لعدة أسباب، بينها أن الملوك خلال الحقبات السابقة رفضوا إصدار أو تنفيذ أحكام إعدام بهذه الصورة، على الرغم من القمع الذي كان يمارس مثل إخفاء بعض الأفراد وقتلهم تحت التعذيب. وقال أن النظرة تغيرت بعد تجربة الربيع العربي، حين شعر النظام أنه مهدد بعد أن كسر المجتمع الحواجز الحمراء.

وأكد الحسن أن الإعدامات الكبيرة والسياسية والعلنية هي في الغالب دليل على النظام المضطرب، الذي يذهب إلى أقصى حدود من القتل خارج نطاق القضاء والإرهاب في الشارع وغيرها، يضاف ذلك إلى الطبيعة الدموية للحاكم الذي يلجأ إلى العنف وشياع الرعب.

من جهته تطرق مدير مركز الجزيرة العربية لتعزيز الحريات  المحامي سلطان العبدلي إلى النظام القضائي في السعودية، معتبراً أن القضاء والقضاة في السعودية يشرعون سفك الدماء على الرغم من أن الدين يحرمها، واصفاً القتل تحت التعذيب أو من خلال الإعدامات من غير حق بالكارثة الكبرى. رأى العبدلي أن الوضع الذي تعيشه السعودية هو “حالة طوارئ”، وأن النظام يحلل القتل من خلال القضاة الذي يعينهم ويطردهم الملك. واعتبر المحامي العبدلي أن هناك إمعان في الظلم من خلال عملية احتجاز الجثامين، وعدم تمكين العائلات من رؤيتها.

وأشار العبدلي إلى أن ما يظهر إلى العلن ليس كل شيء، مؤكداً أن هناك عمليات قتل في السجون لا يعرف بها أحد، وهذا ما يعتبر إرهاب للمواطنين، مشدداً على أن الأنظمة والمحاكم التي تشرف عليها الحكومة، وبينها نظام مكافحة الإرهاب ومحاكمه تؤكد أن هذا النظام إرهابي وقاتل ودموي.

بدوره أكد رئيس منظمة القسط لحقوق الإنسان السيد يحيى عسيري في مداخلته، أن القانون الدولي لا يحرم عقوبة الإعدام بشكل كامل، بل يدفع نحو تقنينها، وأن من يطالب بإيقافها بشكل كامل هي مجموعة من منظمات المجتمع المدني. وتساءل، هل نطالب بتقنين عقوبة الإعدام والحد منها أم نطالب بإلغائها بشكل كامل. مشيرا إلى أن الأرقام العالية للأحكام المنفذة خلال هذا العام حيث وصلت إلى أكثر من 160 حكم، بينهم 3 نساء، فيما أوضح أن الجنسيات تبدأ من 85 حكم بحق سعودي، يليها أفراد من الجنسية الباكستانية والأردنية واليمنية، ما يشير إلى كون هذه العمليات تستهدف أفرادا من الجنسيات الأضعف.

العسيري تسائل حول أسباب الغضب الكبير من الإعدامات التي نفذت في مصر، من قبل أناس من السعودية، مقابل رد فعل أضعف على الإعدامات في السعودية، مجيبا أنه يرى أن ذلك يعود إلى أن الكثير من الناس تعتقد أن الإعدامات في السعودية هي تطبيق للشريعة الإسلامية، وأن مناهضتها هي مناهضة للشريعة.

وذكر عسيري ثلاث أمثلة لمتهمين بارتكاب جرائم القتل، ولكن نهايتهم كانت مختلفة، مما يثبت عدم وجود عدالة في تطبيق عقوبة القصاص في السعودية. المثال الأول لقضية كان قد عمل عليها مع منظمات أخرى عام 2013 وهي تعود لعاملة منزلية من الجنسية السيرلانكية قتلت ربة المنزل، موضحاً أنه طالب برفع الإعدام عنها بسبب تعرض العاملة لانتهاكات عديدة قبل ذلك، وأنها كانت في حالة دفاع عن النفس وقت الجريمة، بالإضافة إلى خروقات قانونية انطوت عليها محاكمتها، من بين ذلك عدم حصولها على مترجم وعلى محام إلى جانب ملابسات أخرى، مشيراً إلى أن الحملة التي عمل بها للمطالبة برفع الحكم قوبلت بمهاجمة واسعة وتهم بالوقوف ضد الشريعة.

المثال الثاني، شخص من أبناء القبائل المشهورة في السعودية قتل شخصاً ، وتبرع عدد كبير من المحامين للدفاع عنه، وأصبحت محاكمته تحظى بتغطية إعلامية، وكثير من القبائل تدخلوا بالإضافة لما أسماهم بأمراء الدم، من أجل جمع تبرعات كدية لأهل القتيل للحصول على جزء منها.

المثال الثالث، عندما يكون القاتل من أبناء الأسرة الحاكمة، وأشار إلى قضية قتل فيها أحد أبناء الأسرة الحاكمة أحد الأشخاص ولكن الملك سلمان الذي كان حينما أميرا للرياض قال أن سيفنا لا يأكل من لحمنا، في إشارة واضحة أن القصاص لا يطبق بحق أبناء الأسرة الحاكمة. كما أشار عسيري أنه في بعض الحالات يدفع آخرون ثمن جريمة أفراد الأسرة الحاكمة. وشدد عسيري أن التفاوت في تطبيق العدالة والقصاص هو انتفاء للعدالة، وهذا ما ينطبق على العقوبات التعزيرية التي يوجد عليها الكثير من النقاشات.

من جهتها أكدت الحقوقية الدكتورة حصة الماضي أن الإعدام هو إزهاق لروح، وعلى الرغم من وروده في الشريعة الإسلامية إلا أنه ورد بحدود. الماضي اعتبرت أن النظام الذي تتحكم به الأسرة الحاكمة هو نظام قمعي تراق فيه الدماء بسهولة، معتبرة أنه منذ تسلم الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد محمد بن سلمان الحكم، ازدادت الأوضاع سوءا ودموية.

وشددت الماضي على أن أحكام الإعدام التي تستهدف معتقلي رأي لم يرتكبوا جرائم تخالف التزامات السعودية والمعاهدات والمواثيق التي صادقت عليها، ومن بين ذلك المجازر الجماعية التي شهدتها البلاد كمجزرة أبريل 2019 التي قتل فيها 37 شخص بينهم أطفال.

الحقوقية السعودية أكدت أن السلطة السعودية لم تجد من يردعها ومن يوقف الوحشية التي تمارسها، فإلى جانب الإعدامات تمنع تسليم الجثامين للعائلات. ورأت الماضي أن الحكومة تحاول من خلال هذه الممارسات أن ترسل رسالة إلى المواطنين بأنها قد تعتقل وتعدم وتمنع دفن كل من يخالفها الرأي، داعية إلى تكاتف النشطاء في الخارج والمنظمات الحقوقية ومجلس حقوق الإنسان للوقوف بصرامة لحماية الأفراد الذين لا زالوا يواجهون حكم الإعدام.

وكانت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، قد نشرت تقريرا بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة الإعدام، وثقت فيه واقع عقوبة الإعدام في السعودية منذ بداية العام 2019، وأشارت إلى الانتهاكات التي انطوت عليها، كما بينت المخاوف على حياة العشرات ممن تهددهم هذه العقوبة.

مباركٌ لكم هذا الوطن. مباركٌ لكم بانتصاراته وكراماته الزائفة. مبارك لقبضاتكم المرفوعة سنوات طوال إضافية من الذل المتستر خلف الرايات. مباركة لكم الطرقات المفتوحة التي تقضم ساعات أيامنا وتسرق حياتنا، وأعمالكم التي لا تكفيكم قوت يومكم.

أضيفوا يوما جديدا لأيام مجدكم. ومبارك لنا مزيد من الخيبات.

AR