السعودية توشك على هدم حي المسورة التاريخي ومئات المنازل التراثية مخالفة للقوانين التي تحظر تدمير التراث الإنساني

20 يناير، 2017

أعلنت الحكومة السعودية عن بدء تنفيذ عملية هدم لقرية (المسورة التراثية) يُقدر عمرها بأربعمائة سنة ويسكنها ما بين 2000 إلى 4000 آلاف بإختلاف التقديرات. فقد قالت صحف محلية رسمية في مطلع يناير 2017 إنه تم الإنتهاء من الإجراءات القانونية والمالية والهندسية اللازمة، وسيتم البدء بعملية الهدم، متجاهلة بذلك القوانين الدولية ومخالفة لنظامها المحلي، حيث ينص (نظام الآثار والمتاحف والتراث العمراني) في السعودية على: (يحظر التعدي على مواقع الآثار والتراث العمراني، أو تحويرها، أو إزالتها، أو إلحاق الضرر بها، أو تشويهها بالكتابة أو الطلاء أو النقش أو إلصاق الإعلانات عليها، أو إفتعال الحريق فيها، أو تغيير معالمها، أو طمسها)، كما إن إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية يقول: (على الدول أن تضع آليات فعالة لمنع ما يلي والانتصاف منه: “ب” أي عمل يهدف أو يؤدي إلى نزع ملكية أراضيها أو أقاليمها أو مواردها. “ب” أي شكل من أشكال نقل السكان القسري يهدف أو يؤدي إلى انتهاك أو تقويض أي حق من حقوقهم).

أثارت هذه الخطوة (مركز التراث العمراني الوطني) حيث ندد بأعمال الإزالة، إذ رأى (عدم أحقية أمانة المنطقة الشرقية بإزالة حي المسورة وأي موقع يحتوي على مبان تراثية، وأن ذلك مخالفة لنظام الآثار والمتاحف والتراث العمراني).

في وقت سابق، أدانت الأمم المتحدة في 9 أغسطس 2016 ممارسات الحكومة السعودية فيما يتعلق بالتراث الثقافي، واصفة في تقرير للمقررة الخاصة في مجال الحقوق الثقافية ما يجري في السعودية: (ما يبدو أنه تدمير منهجي في المملكة العربية السعودية للمساجد والمقابر والمزارات الدينية والمنازل والأماكن ذات القيمة الدينية والتاريخية والثقافية التي تُعتبر غير متوافقة مع التفسير الوهابي الحالي للإسلام). وقد أعربت المقررة الخاصة في مجال الحقوق الثقافية عن (أملها في تلقي رد أكثر موضوعية في الوقت الملائم من السلطات) وذلك بعد أن قامت في 14 أكتوبر 2015 بإرسال رسالة للحكومة السعودية تتضمن مساءلة حول التدمير الذي قامت به الحكومة السعودية للعديد من الآثار الثقافية، وقد تلقت ردا من وفد السعودية في جنيف في 23 أكتوبر 2015 يتضمن وعداً بالرد على الإدعاءات التي تضمنتها الرسالة، إلا أنه حتى الآن وبعد مرور أكثر من 14 شهرا، لم تفي الحكومة السعودية بوعدها.

ورغم بعض التحسن في الإهتمام بالتراث الثقافي المادي في السعودية، إلا أنه لايزال دون المستوى المطلوب مع إستمرار التدمير للتراث وإهمال أوغياب خطوات لتصحيح ما يمكن تصحيحه، مع ملاحظة وجود إزدواجية في الإهتمام ببعض الآثار دون بعضها حيث تم -على سبيل المثال- الإهتمام ببعض الآثار ومنها (الدرعية التاريخية) عاصمة الدولة السعودية الأولى، وإهمال آثار أخرى كالتي تخص عصر صدر الإسلام في مكة المكرمة والمدينة المنورة، الأمر الذي يفهم أنه غياب أو عيوب في المعيارية أو وجود إزدواجية. كل ذلك يجعل مستوى الإهتمام بالتراث في السعودية لا يرقى لمستوى الإهتمام الدولي، إذ صدر في 27 سبتمبر 2016 عن الإمم المتحدة قرارا لتعزيز الحقوق الثقافية وحماية التراث الثقافي (إقتناعا منه بإن الضرر الذي يلحق بالتراث الثقافي، سواء المادي أو غير المادي، لأي شعب يشكل ضررا على التراث الثقافي للبشرية جمعاء)، دعت فيه (الدول إلى إعتماد استراتيجيات فعالة لمنع تدمير التراث الثقافي بوسائل من بينها ضمان المساءلة).

وإضافة إلى كون هذا الفعل إنتهاك للحقوق الثقافية وللتراث الإنساني المشترك، تعرب المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان عن خشيتها من البدء الفعلي بهدم حي المسورة التراثي أو أي أحياء أخرى تحمل قيمة ثقافية.

وفيما يتعلق بالإجراءات المتبعة لحد الآن، فإنه يشوبها الخلل والعشوائية وغياب المعيارية، ومنها ما يتعلق بتثمين المنازل. فبحسب تتبع المنظمة، فإن أغلب المنازل التي قامت الحكومة السعودية بتثمينها، لم تقدر فيها مبالغ تكفي لشراء منزل بديل بالمواصفات المتوسطة المتوافرة في نفس المدينة، أو بناء منزل. فقد نقلت صحيفة محلية في 8 يناير 2017 عن خيبة بعض الأسر بمبلغ التثمين، فقد أشارت إلى تثمين منزل إمرأة مسنة تدعى (أم بدر) بمبلغ 600 ألف ريال، تعويضا عن منزلها الذي يضم 13 شخصا تعيلهم وحيدة بعد وفاة زوجها، وبحسب التقديرات المحلية في المدينة فإن هذا المبلغ يقصر بشكل كبير عن إيجاد منزل يناسب هذا العدد، إذ أن بناء منزل بالمواصفات الحالية يتناسب مع هذه العدد يحتاج لأكثر من مليونين ريال، أي ما يقارب ثلاثة أضعاف المبلغ المقدر وذلك بحسب تقديرات مختصين محليين، وهذه الحالة ليست الوحيدة إنما هي واحدة من حالات عدة وقع عليها سوء التقدير والإجحاف في عملية التثمين، الأمر الذي لايؤمن لهم بديلا ويعرضهم لإحتمالات مقلقة. هذا ما دفع عدد من الأهالي المعنيين المتضررين بإرسال رسالة إلى الملك السعودي يطالبون فيها بإعادة التثمين وفق ظروف كل حالة وبما يتناسب مع إيجاد بدائل مناسبة. من جهة إخرى فإن هناك منازل ثمنت بمبالغ أعلى، منها منزلين بلغ تثمينهما 4 ملايين ريال في ظل غموض للمعايير، كما إنه من غير المستبعد وجود شبه فساد في مجمل عملية التثمين في ظل عدم وجود آليات فعالة لمراقبة الفساد والحد منه في السعودية.

نقل بعض أصحاب المنازل في حي المسورة إن الحكومة السعودية قامت في الأيام الفائتة بقطع التيار الكهربائي ليوم واحد، في خطوة منها للضغط عليهم لتعجيل الخروج، متجاهلة وجود مرضى وأطفال ومسنين والحاجة للتدفئة في فصل الشتاء، وفي ظل إجراءات غير مكتملة ومعايير متفاوتة إنعكست إجحافاً على الأهالي، وعدم رضى من قبل الكثير من الأسر.

تحوي السعودية على نشطاء مهتمين بالتراث الثقافي والتاريخي، إلا أن القمع الذي تمارسه الحكومة يمنعهم من الدعوة إلى إيقاف هذا المشروع المدمر، كما إن قمع المجتمع المدني في السعودية بشكل عام، يجعل من أي إنتقاد لهذه الإجراءات المتعددة الإنتهاكات والتجاوزات عرضة للإستهداف الأمني.

إن المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان تطالب الحكومة السعودية بالآتي:
1. الإلتزام بالقوانين الدولية والمحلية الداعية إلى المحافظة على التراث الثقافي المادي، وإيلاء كل المعالم التراثية في (حي المسورة) وغيره، مايساعد على المحافظة عليه وفق المعمول به في التعاطي مع التراث.

2. إبقاء الخيار للناس في اخلاء المنازل أو البقاء فيها، وعدم ممارسة أي طرق مباشرة أو غير مباشرة، يفهم منها إن من يريد البقاء سيتعرض لأخطار أمنية أو مضايقات، مع التأكيد على عدم المساس بأي معلم تراثي في حال تم إخلائه.

3. الراغبين بالإخلاء -بدون إكراه أو طرق تضمنت الجبر الخشن أو الناعم- على الحكومة أن توفر لهم البديل بالمواصفات المتناسبة مع الوقت الحديث.

4. إشراك جهات محايدة في التثمين، مع عدم ممارسة ما من شأنه أن يحجم من حقوق المعنيين، أو ممارسة أساليب التهديد والتخويف للقبول بالأمر الواقع.

5. إضافة إلى المبالغ المجزية للحصول على سكن بديل، على الحكومة التكفل بالنفقات اللازمة للإنتقال، مع إعطاء فترة زمنية تنناسب مع ظروف كل أسرة، وأن يكن الإنتقال دون خطوات يتعرضون فيها لصعوبات ومتاعب.

6. مراعاة مختلف الحالات الفردية وما تتطلبه كل حالة من مدة زمنية، حيث تشترك في بعض البيوت أكثر من أسرة وأفراد لهم حقوق في الإرث أو ملك أو غير ذلك، وإعطاء الأسر الوقت والتسهيلات اللازمة.

ترى المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، إن دواعي التنمية التي قالت بها الحكومة السعودية في تبريرها لهذه الخطوة الغير قانونية، لا تتوقف على هدم (قرية المسورة التراثية)، إذ أن الإحتفاظ بالمعالم التاريخية لا يعرقل أي خطط للتنمية في ظل إحتواء السعودية على أراضي شاسعة يمكنها إستيعاب أي خطط تنموية، كما إن تعرض الحكومة السعودية للتراث الثقافي يؤكد ما ذهبت إليه الأمم المتحدة من أن السعودية تسير في تدمير منهجي للأماكن ذات القيمة التراثية والتاريخية. إن خطط التنمية والتطوير لا تعني بأي حال من الأحوال تهديم التراث أو العبث به.

AR