ادعاءات مضللة في رد السعودية على موقف كندا المطالب بإطلاق سراح النشطاء

6 أغسطس، 2018

تابعت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، تعليق وزارة الخارجية السعودية على الموقف الكندي، الذي عبرت فيه عن قلقها من إعتقالات نشطاء المجتمع المدني ونشطاء حقوق المرأة.

لاحظت المنظمة إشتمال الرد السعودي على مغالطات متعددة، ونرى في المنظمة أن هذا البيان هو جزء من منهجية مضللة، تستخدمها السعودية في التعامل مع مختلف الخطوات الدولية التي تعبر عن مواقف من إنتهاكات حقوق الإنسان في السعودية، مثل المواقف الصادرة من الأمم المتحدة، أو الصادرة من دول كالسويد وألمانيا وكندا. فعلى سبيل المثال، راجعت المنظمة العديد من الردود السعودية الرسمية على المقررين الخاصين في الأمم المتحدة، ولاحظت أن السعودية لم تتورع عن تقديم معلومات كاذبة ومضللة ولاتمت للما يجري على أرض الواقع بصلة.

  1. تمحور الموقف الرئيسي في البيان السعودي، حول توصيف خطوة كندا بإنها تدخلا في شؤونها الداخلية، وفي سياق رفضها للموقف الكندي، أستشهدت بسلوكها وأشارت إلى
    أنها تحرص “على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول”. غير أن مراجعة بسيطة لسجلها تُظهر مئات الأمثلة لمواقف لها متعلقة بما يجري في دول أخرى في جوانب حقوق الإنسان. إن هذه الحجة التي تحاول بها السعودية رفض موقف كندا، هي تمارسها بشكل متكرر وإعتيادي، وهي ترفض من كندا ومن الدول الأخرى ما تجيزه لنفسها مراراً وتكراراً.
  2. بينما تحتفي دول العالم بمجتماعتها المدنية، وتعزز مكانتهم، وتمنحهم مختلف أشكال الدعم، وتحمي حريتهم -التي هي حق أصيل لهم- بالأطر القانونية، وتعتبرهم جزءً رئيسياً من بناء البلاد على مختلف الصعد، نرى أن السعودية في بيانها تستنكر مصطلح “نشطاء المجتمع المدني” الذي جاء في البيان الكندي. وهي بهذا تمنح العالم تفسيرا لما تمارسه من إضطهاد تجاه أفراد وجماعات المجتمع المدني، إذ أن أصل الحكاية أنها لاتعترف بهم أصلاً، وترى أن واجبها تجاههم يتمثل في العداء والإقصاء والإلغاء التام، وأن ماتريده من مواطنيها فقط هو التبعية المطلقة، وترفض كافة مواقف وصور الإستقلالية.
  3. تقول السعودية في بيانها أن بيان كندا “غير صحيح جملة وتفصيلاً ومجاف للحقيقة”، بينما كل ماورد في بيان كندا المقتضب، معلومات مؤكدة، كذلك فإن التوصيفات المستخدمة في البيان الكندي صحيحة بكاملها وتعبر عن الواقع المعاش في السعودية.
  4. إن ماعبرت عنه السعودية في بيانها من أن إعتقال النشطاء “تم من قبل الجهة المختصة وهي النيابة العامة”، نؤكد أولا أن النيابة جهة غير مستقلة وأنها مرتبطة مباشرة بالملك، وهذا ما ينص عليه أمر ملكي صدر من الملك سلمان في يونيو 2017. ثانيا يتولى جهاز رئاسة أمن الدولة “القمعي” الذي أنشأه الملك سلمان في منتصف 2017 معظم عمليات الإعتقال والتحقيق، والذي هو في أحد أوجهه، عبارة عن توسيع لجهاز المباحث العامة، بالإضافة إلى أخذه لبعض المهمات القمعية التي كانت ضمن مهام وزارة الداخلية. الأمر الثالث في ما لو كانت النيابة هي من تقوم بعمليات الإعتقال، فإنها لاتمتثل للقوانين الداخلية في عمليات الإعتقال، مثل إبراز أمر إعتقال قانوني. الأمر الرابع فإن ماقيل أنهم أتهموا بارتكاب جرائم توجب الإيقاف، فإن هذا إدعاء فضفاض وبحاجة لأدلة ملموسة لإثباته، كما إن السعودية تعتمد في تعاملها مع النشطاء “نظام جرائم الإرهاب وتمويله” الذي يحتوي على عبارات فضفاضة جدا، تقوم السعودية -على الدوام- بإسقاطها على النشطاء المستهدفين.
  5. إن ما تتحدث عنه السعودية من أن الإجراءات النظامية المتبعة كفلت للمعتقلين “حقوقهم المعتبرة شرعا ونظاما ووفرت لهم جميع الضمانات خلال مرحلتي التحقيق والمحاكمة” كذب محض وإدعاء باطل ومكشوف، إذ أن المعتقلين في السعودية يحرمون بشكل كبير من كثير من الحقوق والضمانات القانونية. كما أنه من الأساس -وعلى سبيل المثال- تستهدف الحكومة المحامين اللذين يترافعون في قضايا معتقلي الرأي والنشطاء، مثل المحامي إبراهيم المديميغ الذي إعتقلته في منتصف مايو 2018، ومثل المحامي عبدالعزيز الحصان والمحامي طه الحاجي اللذين أضطرا للهجرة نتيجة لعملهم في الترافع والدفاع عن معتقلي الرأي، ونتيجة لهذا الترهيب، يرفض كثير من المحامين التعامل مع قضايا معتقلي الرأي، وفي حال قبل المحامي بالترافع، فإنه لايستطيع أن يمارس دوراً فاعلا في الدفاع بسبب القيود والتعقيدات الكثيرة وبسبب عدم إستقلال القضاء الذي لايتأثر غالبا بدفاع المحامين عن الضحايا.
  6. تتحدث السعودية في البيان عن “أنظمة المملكة وإجراءاتها المتبعة”، ونحن نؤكد أن السعودية لاتحترم قوانينها الداخلية، وتنتهك إلتزاماتها الدولية، وترتكب الكثير من التجاوزات بحق المعتقلين، بعضها يصل إلى مستوى الجرائم مثل التعذيب.
  7. تصف السعودية القضاء بأنه “سلطة قضائية”، والحال أنه ليس سلطة مستقلة أبداً، ويمكن للملك والمقربين منه من التأثير فيه، كما أن الأنظمة الداخلية تمنح الملك الصلاحيات الواسعة في تعيين وإقالة المجلس الأعلى للقضاء الذي بدوره يضطلع بتعيين القضاة، وهذا ما دعى لجنة تقافية مناهضة التعذيب في الأمم المتحدة، إلى إعرابها عن القلق: “إزاء التقارير التي تفيد بعدم استقلال وحياد السلطة القضائية “، “وينبغي أن تكفل الدولة الطرف وجود سلطة قضائية مستقلة ومحايدة تماماً، وفقاً للمعايير الدولية. وينبغي أن تُدخل الدولة الطرف على وجه الخصوص إصلاحات على السلطة القضائية لتمكينها من العمل بفعالية في تناولها مسائل الإفلات من العقاب، وجبر الضحايا، والإجراءات القانونية الواجبة، بما يتماشى مع الاتفاقية.”، “تعرب اللجنة عن قلقها لقبول الاعترافات تحت الإكراه كأدلة في المحاكم” فالقضاء يتجاهل تظلمات معتقلي الرأي في تعرضهم للتعذيب، ولايقوم بدوره في محاسبة المعذبين.
  8. تقول السعودية: “ولتعلم كندا وغيرها من الدول أن المملكة أحرص على أبنائها من غيرها”، ولكن لاتوجد دلائل عملية تثبت إدعاء السعودية بإنها أحرص، ففي وقت تقوم السعودية بمعاملة النشطاء بالقتل خارج نطاق القانون وبالإعدام التعسفي وبالتعذيب وبالإعتقال وبمنع السفر، وبنشر أجواء الترهيب والتخويف في داخل البلاد بين النشطاء وإبقائهم رهن التهديد بالإستهداف في أي وقت، وتمنعهم من حرياتهم المدنية والسياسية، وتحرمهم من كثير من حقوقهم المشروعة، نرى أن دولاً من بينها كندا وألمانيا وأستراليا ونيوزلندا والسويد وغيرهم، يمنحون المئآت إن لم يكن الآلاف من المواطنين والمواطنات المهاجرين من السعودية، حق اللجوء السياسي، ويتمتعون في تلك الدول بحقوق كثيرة حرموا منها في بلدهم، ويحظون بالأمان الحقيقي بعيدا عن القتل أو التعذيب أو الإعتقال أو الترهيب، ويعيشون حياة كريمة. هذه الحالات تثبت أن السعودية تحاول التضليل عبر إستخدام لفظة الأبناء، وهي بعيدة كل البعد عن المعاملة الأبوية للمواطنين، التي تستلزم الرعاية والكرامة والحقوق، أما القتل والتعذيب والسجن، فهذا مفهوم مرعب لمعنى الأبوة، ولاينسجم مع معاني الأبوة السامية.
  9. إن السعودية ومن خلال “نظام جرائم الإرهاب وتمويله السعودي“، ومن خلال المحكمة الجزائية المتخصصة المعروفة بمحكمة الإرهاب، قوضت الكثير من القوانين الداخلية والدولية التي تتضمن حقوق الإنسان، إذ سوغت السعودية لنفسها عبر قانون ومحكمة الإرهاب، الكثير من التجاوزات والإنتهاكات، وتخلفت عمليا وبشكل كبير عن معايير حقوق الإنسان المتعارفة دولياً.

نرى في المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، إن ماتقوم به السعودية من الإستئصال الشرس للمجتمع المدني ولنشطائه وللمدافعين والمدافعات عن الحقوق، وماتقوم به من ردود فعل على أي خطوات دولية حاثة على إحترام حقوق الإنسان، هو عمل متكامل يهدف لتهيئة بيئة مستمرة ومستدامة لإضطهاد الشعب والتنكيل به وسحق كرامته. إن السعودية ومنذ تسلم الملك سلمان الحكم، وفي ظل الصلاحيات الواسعة الذي يحظى بها إبنه ولي العهد، تشهد واحدة من أسوأ الفترات في مجال حقوق الإنسان.

نشكر في المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان الموقف الكندي. وفيما يتعلق بالحكومات أو الأحزاب أو المنظمات أو الإعلام أو مختلف تشكيلات المجتمع المدني حول العالم، فإننا نشكر جميع المواقف التضامنية السابقة، ونرحب بأي مواقف لاحقة، ونؤكد أن لجميع ذلك أهمية وتأثيراُ، خصوصاً في هذا الوقت الذي تستفرد فيه الحكومة السعودية بالشعب وتطوقه بالإعتقالات والتعذيب والمنع من السفر والتعهدات بعدم ممارسة النشاط الحقوقي، وتمارس عليه مختلف صنوف الترهيب. إن السياسة الداخلية لاتحمل دلالات على تحسن حالة حقوق الإنسان، بل الخشية أن يكن القادم أسوأ.

AR