بعد عامين من القتل التعسفي: السعودية “تعذب العائلات” عبر إستمرارها بنهج إحتجاز الجثامين الغير إنساني

13 يناير، 2018

في مخالفة للقوانين الدولية، وتجاهل للمطالب الإنسانية المحقة، تستمر حكومة المملكة العربية السعودية في إحتجاز عشرات الجثامين لضحايا الإعدامات خارج نطاق القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفية، ومن بينهم ضحايا قامت بإعدامهم في الإعدام الجماعي الكبير الذي نفذته في 2 يناير 2016، وشمل 47 شخصاً، لم تُعرف ظروف محاكماتهم، عدا عن قلة منهم عُرف أن محاكماتهم هزلية وشكلية ولم تتوافر فيها أدنى شروط العدالة.

وإضافة لإحتجاز الجثامين طيلة العامين، لازالت الحكومة السعودية تخفي مكان دفن عدد من الجثامين، في سلوك يفتقد للإنسانية بشكل كبير، من شأنه مضاعفة المشاعر المؤلمة التي تعيشها الأسر.

رصدت المنظمة مطالبات بعض العوائل بإسترداد جثامين أبنائها، من بينهم عائلة المطالب بالعدالة الإجتماعية الشيخ نمر باقر النمر وأسرة المتظاهر القاصر علي آل ربح وأسرة المتظاهر محمد الشيوخ وأسرة محمد الصويمل.

في 3 يناير 2016 طالبت عائلة الشيخ نمر باقر النمر، الذي شمله الإعدام الجماعي، بإستلام جثمانه بعد يوم من إعلان السعودية قتله، حيث أصدر مجلس عائلة النمر، بيانا  في 3 يناير 2016، أشار فيه إلى أن الحكومة أكدت أن دفن الشيخ النمر قد تم في مقبرة مجهولة ومن دون إذن العائلة في مخالفة للأحكام الشرعية والقوانين التي تقضي بأن یدفن المیت حسب وصیته إذا کانت لدیه وصیة أو حسب رغبة ذویه کحق اصلي من حقوقه وحقوقه، واعتبرت العائلة أن عدم تسليم الجثمان هو “فاجعة أخرى”.

كما طالبت أسرة الشاب علي آل ربح، الذي أعدم أيضا ضمن الإعدام الجماعي، بتسلم جثمانه، مؤكدين أنه دُفن دون أذن ذويه، وأنهم (لم يأذنوا أو يوكلوا أي أحد أن يتولى تجهيز الجثمان نيابة عنهم، أو أن يقوم بدفنه خارج مسقط رأسه العوامية).

إلى جانب ذلك، في 11 فبراير 2016 وبعد مرور أربعين يوما على عملية الإعدام الجماعي، أصدرت عائلة الشيخ النمر، وأُسَر علي آل ربح ومحمد الشيوخ ومحمد الصويمل، بياناً جماعيا  طالبوا فيه الملك السعودي وكل شخص مسؤول أو صاحب قرار، برد جثامين أبنائهم من أجل دفنها بحسب معتقداتهم الدينية.

وإضافة إلى افتقاد هذه الإعدامات لأبسط أساسيات العدالة، وعدم ضلوع أي من الضحايا في أي جريمة جسيمة، يترك إجراء إحتجاز الجثامين متاعب نفسية مستمرة على الأُسر، وقد انتقدت لجنة حقوق الإنسان هذا السلوك في إحدى تعليقاتها في قضية تحمل ظروفا مشابهة من حيث عدم تسليم الجثمان وعدم معرفة مكان دفنه وعدم المعرفة المسبقة بتوقيت تنفيذ الإعدام، حيث قالت إنها: “تتفهم العذاب المستمر والإجهاد العقلي الذي تعرض له صاحب البلاغ بصفتها أم السجين، بسبب عدم اليقين للظروف التي أدت إلى إعدامه فضلا عن موقع مقبرته. إن السرية التامة لتاريخ تنفيذ الإعدام ومكان دفنه ورفضهم لتسليم الجثة لدفنها، له تاثير في تخويف أو معاقبة الأسر عن طريق تركهم عنوة في حالة من عدم اليقين و الأضطراب النفسي و العقلي. وتعتبر اللجنة أن إخفاق السلطات في إخطار صاحبة البلاغ بالموعد المقرر لإعدام ابنها وما يترتب على ذلك من اخفاقهم المستمر في إخطارها بموقع قبر إبنها، معاملة غير إنسانية، مما يشكل انتهاكا للمادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”.

يعتبر المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفيا، ضمن رأيه في (حقوق أسر المحكوم عليهم بالإعدام)، أن “رفض تسليم الجثمان إلى ذويه من السمات القاسية جدا في عقوبة الإعدام”. كما تنص إتفاقية حقوق الطفل في مادتها التاسعة أنه في حال فصل الطفل عن والديه بإجراءات رسمية مثل سجنه أو وفاته، تقدم الدولة للأسرة عند الطلب: “المعلومات الأساسية الخاصة بمحل وجود عضو الأسرة الغائب”.

وقد نفذت الحكومة السعودية إعدام 2 يناير 2016 الجماعي، رغما من تحذيرات أممية أكدت إفتقار المحاكمات إلى شروط العدالة. فقد أشار 6 خبراء أمميون في رسالة وجههوها للحكومة السعودية في 17 نوفمبر 2014 إلى أن محاكمة الشيخ النمر افتقدت أكثر الإجراءات صرامة ولم تتوافر فيها ضمانات المحاكمة العادلة، وطالبوا بحمايته من تنفيذ حكم الإعدام الذي وصفوه بالتعسفي.

إضافة إلى ذلك، قالت لجنة إتفاقية حقوق الطفل في الأمم المتحدة في 25 أكتوبر 2016، في الفقرة 20 من ملاحظاتها الختامية تعليقاً على تقارير قدمتها السعودية: أن السعودية تحاكم الأطفال الذين جاوزوا سن الخامسة عشرة بصفتهم كبارا وتحكم عليهم بالإعدام بسبب جرائم يدعى أنهم ارتكبوها عندما كانوا دون سن الثامنة عشرة، في أعقاب محاكمات لاتوفر ضمانات احترام الإجراءات الواجبة والمحاكمة العادلة. وقد استشهدت لجنة اتفاقية حقوق الطفل بأربعة ضحايا أعدمتهم السعودية ضمن الإعدام الجماعي في 2 يناير 2016، وهم مصطفى أبكر وأمين الغامدي ومشعل الفراج، الذي تشير المعلومات أنهم أطفالأ حين القبض عليهم، وعلي آل ربح الذي وجهت له تهم تتعلق بعمر دون ثمانية عشر عاما وجميعها تهماً غير جسيمة وبعضها تتعلق بالتظاهر والتعبير عن الرأي وتم إعدامه بموجبها.

الأرقام المتعلقة بضحايا الإعدام في السعودية، توضح تعالي السعودية على الآراء المعترضة بالمنطق القانوني على إجرائاتها المتعلقة بالإعدام، والصادرة من مختلف آليات الأمم المتحدة، والمستندة على قوانين دولية إنضمت لبعضها السعودية. إذ تمضي السعودية في تنفيذ أحكام الإعدام، فمنذ الإعدام الجماعي للسبعة والأربعين حتى ذكراه الثانية في 2 يناير 2018، نفذت عقوبة الإعدام بحق 254 شخصا واجه عدد كبير منهم تهما غير جسمية بحسب القانون الدولي بينها ما يتعلق بالمخدرات، كما تم إعدام أربعة سجناء وهم يوسف المشيخص، وأمجد المعيبد، ومهدي الصايغ، وزاهر البصري بعد محاكمات لم تتمثل لأبسط شروط المحاكمات العادلة وتجاهل القضاة شكاوى السجناء بتعذيبهم وإكراههم على أقوال، كما إن التهم التي وجهت لهم لم تكن من التهم الجسيمة وكذلك أحتوت على تهم تتعلق بالتظاهر السلمي والتعبير عن الرأي.

إضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من عدم شفافية الحكومة السعودية في الإفصاح عن أعداد المحكومين بالإعدام، لا تزال حياة العشرات من المواطنين مهددة، فبحسب آخر توثيق قامت به المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان في يوليو 2017، يواجه 47 سجينا خطر الإعدام، بعد محاكمات غير عادلة، بينهم 7 أطفال على الأقل، وهناك اليوم أكثر من 30 سجينا أحكام إعدامهم نهائية وقد تنفذ في أي لحظة.

إن المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان تكرر التأكيد على أن الإعدام الجماعي الذي نفذته الحكومة السعودية في 2 يناير 2016 والذي شمل الشيخ نمر النمر إلى جانب معتقلين بتهم تعبير عن الرأي، وأطفال، إنتهاك لحقّهم الأساسي في الحياة ويعد قتلا خارج نطاق القانون، وتدعو المنظمة إلى السعي لملاحقة ومحاكمة كافة المتورطين في الإعتقال العنيف والمحاكمات غير العادلة والأحكام الكيدية التي خضع لها الشيخ النمر ومن معه في الإعدام الجماعي.

كما تؤكد المنظمة على الضرورة الملحة لتكثيف جهود المجتمع المدني لضمان عدم تكرار هذه الجريمة، بهدف إسقاط الأحكام المماثلة الصادرة بحق العشرات، وتأمين محاكمات عادلة

AR