الحكومة السعودية تعتقل قضاة استخدمتهم لتمرير انتهاكات جسيمة بعد دعوات لادانتهم بقانون “ماجنتسكي”

4 نوفمبر، 2017

أدرجت منظمات حقوقية أسماء قضاة من المملكة العربية السعودية ضمن قائمة لأسماء مواطنين غير أمريكيين، قالت المنظمات أنهم متورطين بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في عدد من دول العالم. ولقد طالبت المنظمات بفرض عقوبات عليهم عبر«قانون ماجنتسكي العالمي»، الذي صدر في ديسمبر 2016، والذي بموجبه يمكن للسلطات الامريكية محاسبتهم وفرض عقوبات عليهم، حين ثبوت ارتكابهم جرائم أو أعمال عنف أو إنتهاكات.

 قدمت 23 منظمة حقوقية بينها هيومن رايتس واتش، ريبريف، بيت الحريات، حقوق الإنسان أولا، أميركيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين، القلم، مراسلون بلا حدود، الشفافية الدولية، تقارير إلى وزارة الخارجية الأميركية ووزارة الخزانة، وضحوا فيها إنتهاكات خطيرة قام بها أفراد وموظفين حكوميين من بينهم قضاة ورجال أمن في عدة دول، تتضمن قصص مروعة حول التعذيب، الإخفاء القسري، القتل، الاعتداء الجنسي، الرشوة، إصدار أحكام جائرة، وغيرها. وبحسب القانون، تتضمن العقوبات التي قد يواجهها المتهمون تجميد الأصول، والمنع من السفر والاعتقال.

 المنظمات أكدت في رسالة وجهتها لوزيري الخارجية والخزانة الأمريكيتين، أن مصادر تقاريرها افادات مباشرة من الضحايا ومحاميهم. إضافة إلى تقارير منظمات غير حكومية محلية، ولجان دولية. كذلك، وفيما يتعلق بالسعودية، فقد كان تقرير الخارجية الامريكية المتعلق بتقييم حالة حقوق الإنسان في السعودية لعام 2016، أحد المصادر المعتمدة، والذي انتقد صراحة الانتهاكات القانونية التي صدرت من قضاة سعوديين ضد مدافعين عن حقوق الإنسان.

 وذكرت الرسالة، إلى أن قضاة من المحكمة الجزائية المتخصصة في الرياض، تورطوا بإصدار أحكام جائرة، من بينها أحكام إعدام بحق قاصرين، لم تتوفر لهم شروط المحاكمة العادلة، ولم تكن أحكامهم مستندة إلى أسس قانونية متينة. واعتمد القضاة في أحكامهم على إقرارات الضحايا التي انتزعت منهم تحت التعذيب دون إجراء تحقيق في ذلك وفق ما تقتضي إتفاقية مناهضة التعذيب التي انضمت لها السعودية في 1997، على الرغم من ذكر الضحايا أمام القضاة ما تعرضوا له من تعذيب، في استهتار جلي باتفاقية مناهضة التعذيب التي تقول في المادة 15: “تضمن كل دولة طرف عدم الإستشهاد بأية أقوال يثبت أنه تم الإدلاء بها نتيجة للتعذيب كدليل في أية إجراءات”. وقد أصدرت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان مؤخرا تقريرا يستعرض بلاغات عدد من المحكومين بالإعدام أمام قضاة في المحكمة الجزائية المتخصصة، ولكن دون أن يستجيب القضاة لشكوى أي منهم، ومن بينهم أطفال ومتظاهرين ومتهمين بجرائم غير جسيمة.

كما قالت المنظمات، إن أغلب الحالات المختصة بالسعودية، كانت تتعلق بمعتقلين أدينوا بالمشاركة في المظاهرات والإحتجاجات التي انطلقت في السعودية في 17 فبراير 2011، والتي رفع فيها المحتجون شعارات تطالب بالحرية والعدالة والحقوق المدنية. وتقوم السعودية بمحاكمتهم في المحكمة الجزائية المتخصصة بالرياض، وهي محكمة تأسست في عام 2008 وتتولى النظر في محاكمة المتهمين بالإرهاب وقضايا أمن الدولة من البالغين. بيد أن السعودية باتت تحاكم فيها المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان والمتظاهرين، حتى الأطفال منهم. وفي الوقت الراهن ثمانية قاصرين قد تنفذ بحقهم عقوبة الإعدام في أية لحظة.

 في 18 سبتمبر 2017، وبعد 5 أيام من تاريخ رفع المنظمات الحقوقية رسالتها في 12 سبتمبر 2017 إلى وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون و وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين، التي تتضمن الإشارة لقضاة السعودية بصفتهم متهمين بارتكاب جرائم، بدأت الحكومة السعودية حملة إعتقالات شملت قضاة في المحكمة الجزائية المتخصصة، وأشارت تقارير إعلامية إلى أنه كان من بينهم القضاة: محمد عبدالله الدوسري، محمد عثمان الزهراني، عمرعبدالعزيزالحصين، تركي عبدالعزيز آل الشيخ، سلطان حنس العتيبي، عبداللطيف عبدالعزيز آل عبداللطيف، بندر حمد التويجري. ولم يصدر من الحكومة السعودية إيضاح رسمي لأسباب اعتقال القضاة، ما يجعل المنظمة لا تستطيع تأكيد الأسباب التي دعتها لاعتقالهم.

وبحسب متابعات المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، كان قد اصدر هؤلاء القضاة أحكاما جائرة في عدد من القضايا، بينها قضية المدافع عن حقوق الإنسان الشيخ نمر باقر النمر، الذي اعدمته وزارة الداخلية إلى جانب 46 شخصا بينهم أطفال ومتظاهرين في 2 يناير 2016، وحكم بسجن الفقيه الشيعي البارز حسين الراضي بتهم تتعلق بحرية التعبير ومطالبته التحالف العربي الذي تقوده السعودية بإيقاف الحرب على اليمن. إضافة قضايا تتعلق بأحكام جائرة ضد مدافعين عن حقوق الإنسان وأصحاب رأي، من بينهم: عيسى النخيفي، فاضل المناسف، عبد العزيز الشبيلي، الشاعر عادل اللباد، وغيرهم:

في الوقت الذي تؤكد فيه المنظمة على أهمية ملاحقة كل من تسبب في أي عملية قتل خارج نطاق القانون الدولي، أو امتنع عن التحقيق في ادعاءات التعرض للتعذيب، أو ساهم في إعتقال أشخاص على خلفية نشاطاتهم السلمية والحقوقية، وفي إصدار أحكام جائرة أدت إلى إنهاء حياة أبرياء، إلا أنها تشدد على أهمية عدم إغفال أن القضاة هم جزء من نظام قضائي مرتبط في قمة هرمه بالملك وعلى علاقة بوزارة الداخلية. وتمر أحكام الإعدام في السعودية بعدد من المراحل القضائية، ولا يتم تطبيق العقوبة إلا بعد المرحلة الحاسمة والأخيرة وهي صدور أمر من الملك أو من ينيبه بالتنفيذ، وذلك وفق الفقرة الأولى للمادة 217 من نظام الإجراءات الجزائية: “تنفيذ الأحكام الصادرة بالقتل، أو القطع، أو الرجم، أو القصاص في النفس أو فيما دونها، بعد صدور أمر من الملك أو مِمْن ينيبه”. وهذا ما يجعل الملك السعودي ضالعا في هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بشكل رئيسي.

 تشدد المنظمة على أهمية معاقبة الذين يرتكبون انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في السعودية، وعدم إغفال المتسببين الرئيسيين، كما تؤكد أهمية توفير محاكمات علنية وعادلة لهم، لكي يتسنى معرفة كافة الضالعين في تلك الانتهاكات التي أدت إلى قتل خارج إطار القانون أو إعتقال تعسفي أو تعذيب أو غيره من المخالفات للقوانين الدولية. وفيما تؤكد المنظمة أنه من المهم معاقبة منتهكي حقوق الإنسان بكافة السّبل الدولية، تشير إلى ضرورة فصل السلطات في السعودية، وإصلاح النظام القضائي بما يمكن معه تطبيق شروط المحاكمات العادلة، لكي يتاح للمواطنين والمقيمين رفع شكاوى على مرتكبي الانتهاكات الجسيمة في المحاكم المحلية، ومحاسبتهم، وتأمين بيئة عمل للمدافعين عن حقوق الإنسان لتمكينهم بالقيام بواجباتهم في مراقبة حالة حقوق الإنسان ورصد الانتهاكات متى ما وقعت.

AR