بمحكمة غير (محددة الاختصاص) وبقوانين فضفاضة، السعودية تخالف التعهدات الأممية بمواصلة سجن أبو الخير لـ 15 سنة

21 سبتمبر، 2014

حكمت المحكمة الجزائية المتخصصة من مقرها الصيفي في جدة، في السادس من يوليو لعام 2014، بالسجن على المدافع البارز عن حقوق الإنسان وليد أبو الخير15 سنة، وغرامة مالية قدرها 200,000 ريال (53000 دولار)، ومنع من السفر 15 سنة تبدأ بعد انتهاء سجنه، وإغلاق جميع المواقع والحسابات الإلكترونية المتعلقة به، وذلك في القضية الثانية التي ابتدأت أولى جلسات محاكمتها في السادس من أكتوبر 2013.

أستند الحكم الصادر على أبو الخير إلى (التعزير)، كما استند إلى أنظمة أخرى:

الأول: نظام مكافحة جرائم المعلوماتية، الذي تم استخدامه على نطاق واسع ضد المدافعين عن حقوق الإنسان، وضد المتظاهرين، وضد الإعلاميين، خصوصاً المادة السادسة منه [1] ، وذلك منذ أن تم اعتماده بمرسوم ملكي في تاريخ27/03/2007 ، ليبدأ العمل به بعد 120 من هذا التاريخ، كما استخدمت المادة الثالثة عشرة منه ضد أبو الخير [2] . وهذا النظام لا يتوافق مع القانون الدولي لحقوق الإنسان ومعاييره، كما نص بذلك المقرر الخاص للمدافعين عن حقوق الإنسان بالأمم المتحدة  في فبراير 2013 ([3])، وتم انتقاد القانون سيء الصيت من جميع المنظمات الحقوقية الدولية.

الثاني: نظام جرائم الإرهاب وتمويله، الذي بدأ تطبيقه في 31/01/2014 ، بعد أن تمت المصادقة عليه بمرسوم ملكي في تاريخ 27/12/2013، حيث استخدمت منه المادة 21 ضد أبو الخير [4] .

الثالث: نظام وثائق السفر الصادر بالمرسوم الملكي بتاريخ 28/08/2000، استخدمت المادة السادسة، الفقرة الثانية [5] .

حيث عرضت وكالة الأنباء السعودية الرسمية خبر الحكم موضحاً لذلك [6] ، في ظل امتناع السيد أبو الخير ومحاميه من استلام صك الحكم.

كما أستند أيضاً على (التعزير) الذي يستخدمه القضاء السعودي، والذي يعني أن القاضي يحكم وفق تقديره الشخصي، لا على أساس لائحة عقوبات محددة، وعلى ذلك يمكن لقاضٍ آخر أن يحكم بعقوبة مختلفة. ليبلغ بذلك الحكم ضد أبو الخير إلى 15 سنة.

حيث صدرت هذه الأحكام على خلفية خمسة تهم وجهها الادعاء العام، هذا نصها:

  1. السعي لنزع الولاية الشرعية والخروج على ولي الأمر، والتشكيك في الذمم والإساءة للمسؤولين في الدولة، وتأليب الرأي العام ضدهم.
  2. انتقاص وإهانة السلطة القضائية، والقدح علناً في ذمة القضاة ونزاهتهم، واستقلالهم، ووصفهم زوراً بالظلم وعدم النزاهة وانتهاك حقوق الإنسان.
  3. استعداء المنظمات الدولية ضد المملكة، والإدلاء ببيانات كاذبة وغير موثقة بقصد الإساءة لسمعة المملكة والتحريض عليها.
  4. إنشاء جمعية غير مرخصة والإشراف عليها (مرصد حقوق الإنسان)، والاشتراك في إنشاء جمعية أخرى غير مرخصة (حسم) لنشر البيانات والاتهامات لمؤسسات الدولة العدلية والتنفيذية بالجور والظلم والتعدي على اختصاصات مؤسسات حكومية وأهلية (هيئة حقوق الإنسان، والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان).
  5. إعداد وتخزين وإرسال ما من شأنه المساس بالنظام العام، المُجًرًّم المُعاقب عليه بموجب نظام جرائم المعلوماتية.

مطالبا في نهايتها بالحكم عليه (بعقوبة تعزيرية بليغة زاجرة له ورادعة لغيره)، ومطالباً بتطبيق عقوبات نظام مكافحة جرائم المعلوماتية.

يعد هذا الحكم الثاني على وليد أبو الخير في أقل من تسعة شهور، حيث صدر بحقه حكم سابق بالسجن 3 شهور. الجدول الآتي يوضح تفاصيل القضيتين:

القضية الأولىالقضية الثانية
التهمازدراء القضاء – التواصل مع جهات أجنبية – المطالبة بملكية دستورية – المشاركة في الإعلام لتشويه سمعة البلاد – تحريض الرأي العام ضد النظام العام للبلادنزع الولاية الشرعية – تأليب الرأي العام -تأسيس منظمتين حقوقيتين – التواصل مع منظمات وإعلام أجنبيين
بداية المحاكمة19/02/201206/10/2013
عدد الجلسات1710
الحكم3 شهور15 سنة200 ألف ريال غرامة15 سنة منع من السفرإغلاق جميع المواقع والحسابات الإلكترونية المتعلقة به
مستند الحكمنظام مكافحة جرائم المعلوماتية – نظام جرائم الإرهاب وتمويله – التعزير
تاريخ الحكم29/10/201306/07/2014
حالة الحكمتم تصديقه بشكل نهائي في تاريخ 06/02/2014ابتدائي
المحكمةالمحكمة الجزئية بجدةالمحكمة الجزائية المتخصصة
القاضيعبدالمجيد الشويهييوسف الغامدي

ترى المنظمة الأوروبية السعودية أن القضيتين متشابهتين، تشتركان في بعض المضامين، وهذا ما أوضحه أبو الخير في معرض رده. ما يوضح الاستهداف الذي تعرض له مقابل أنشطته السلمية، ولم تكن هاتين القضيتين المؤشر الوحيد على استهدافه:

– حين حضوره إلى استدعاء في هيئة التحقيق والادعاء العام في 21 مارس 2012، تم إبلاغه بمنعه من السفر، وذلك حينما كان يستعد لحضور دورة مدتها ستة أسابيع بعنوان: (قادة الديمقراطية) في جامعة سيراكوز، في ولاية نيويورك برعاية وزارة الخارجية الأمريكية [7] .

– إضافة إلى ذلك تم توقيفه لمدة 24 ساعة في مركز شرطة الشرفية بجدة حينما تم استدعاءه في الأول من أكتوبر 2013 ، حيث تم إيقافه عند حضوره في اليوم التالي، ليفرج عنه في الثالث من أكتوبر بعد إيقاف استمر 24 ساعة، حيث تم إعلامه من قبل أحد الضباط إن أمر اعتقاله صادر من الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة على خلفية إقامته لمنتدى (غير مرخص)، (يرمي إلى زعزعة أمن واستقرار البلاد)، دون أن يكن هناك تهم موجهة من الادعاء العام أو تحقيق مسبق في التهمة.

– كما اختفى في 15 ابريل 2014 قسريا لمدة 24 ساعة، دون علم أسرته أو وكلائه، حيث كان ذلك بداية لإيقافه التعسفي الذي لا يزال مستمرا، وذلك بعد حضوره الجلسة الخامسة في قضيته الثانية دون أن يبدي القاضي الأسباب، على الرغم من تكرار أبو الخير طلب معرفة أسباب الإيقاف.

أفصحت الممارسات التي قامت بها الحكومة السعودية في إجراءات القبض والإيقاف والمحاكمة على وليد أبو الخير، ما تقوم به من انتهاكات ومخالفات على المئات من معتقلي الرأي، حيث رصدت المنظمة الأوروبية السعودية في تقاريرها عشرات الحالات التي تؤكد الاستمرار الممنهج في انتهاك القوانين المحلية، والقوانين الدولية، وما انضمت إليه من معاهدات.

قام السيد أبو الخير بإيضاح عدم قانونية محاكمته، في رده الذي قدمه في جلسته الثامنة من قضيته الثانية في السادس والعشرين من يونيو الماضي [8] ، موضحا فيه أن محاكمته تفتقر للعدالة وأن القاضي لا يتصف بالحيادية.

توضح المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان إن المحكمة الجزائية المتخصصة الذي حوكم فيها أبو الخير والتي نطقت في مايو ويونيو الماضيين بالحكم بالإعدام على 5 معتقلين بينهم متظاهرين واحدهم كان طفلاً حين اعتقاله [9] ، لم ينشر لها اختصاص قضائي منذ إنشاءها بمرسوم ملكي رقم 10810 وتاريخ 26/12/2007، ما يعطي الادعاء العام التابع لوزارة الداخلية مساحة واسعة لتحويل القضايا للمحكمة الجزائية المتخصصة دون معرفة المتهم بالأساس القانوني لذلك، والذي يُمَكِّنَهُ من الطعن.

يؤشر هذا إلى التعسف في استخدام القوانين العدلية، وسريانها فيما يصب في مصلحة المدعي العام، وبالتالي يختل مبدأ (النظر المنصف للقضايا) الذي هو ركن أساس من أركان المحاكمات العادلة: (لكل شخص الحق في محاكمة عادلة تتوافر فيها ضمانات كافية وتجريها محكمة مختصة ومستقلة ونزيهة ومنشأة سابقا بحكم القانون) [10] .

ونظراً لعدم شرعية المحكمة، ونظراً لإخلالها بمعايير المحاكمات العادلة، أمتنع أبو الخير ووكلاءه عن استلام صك الحكم وتقديم لائحة اعتراضية عليه، والاكتفاء بمعارضة الحكم بعد النطق به، ما يعني أن أوراق القضية ستحول إلى محكمة الاستئناف دون اعتراض رسمي من قبل أبو الخير، وذلك كموقف إزاء عدم شرعية المحاكمة.

إننا في المنظمة الأوروبية لحقوق الإنسان، نبدي القلق البالغ حول ما تقوم به الحكومة السعودية من إطلاق أحكام تعسفية على ناشطين بالإعدام، أو بسنوات وصلت إلى 30 سنة و 25 سنة، أو أحكامها الأخيرة على المدافعين عن حقوق الإنسان والذي صدرت خلال الأشهر الماضية، ضد كلا من: فاضل المناسف 14 سنة، ورائف بدوي 10 سنوات، وعبدالله الحامد 10 سنوات، ومحمد القحطاني 11 سنة، ومخلف الشمري 5 سنوات، وزكريا صفوان 10 سنوات وغيرهم الكثير، والذي يتعارض مع:

  1. القانون الدولي لحقوق الإنسان، بما يتضمن من اتفاقيات دولية وإقليمية صادقت السعودية عليها، والتي لها السمو القانوني على الأنظمة المحلية وهي واجبة التطبيق.
  2. المنصب الذي تشغله المملكة العربية السعودية في مجلس حقوق الإنسان كأحد الأعضاء المنتخبين فيه لمدة ثلاث سنوات حتى 2016. إذ ينص القرار التأسيسي للمجلس على: (أن يتحلى الأعضاء المنتخبون في المجلس بأعلى المعايير في تعزيز وحماية حقوق الإنسان) [11].
  3. ما قدمته السعودية في استعراضها الدوري الشامل الأخير، منها ما جاء في الفقرة 27 (تكفل أنظمة المملكة حرية الرأي والتعبير لكل إنسان) [12] .
  4. ما قبلته من توصيات [13] قدمتها العديد من الدول، منها:
  • (138/53): (مواءمة تشريعاتها الداخلية مع الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع، وسن وتنفيذ قانون بشأن تكوين الجمعيات يمكن جميع المنظمات غير الحكومية من العمل بشكل قانوني، دون مضايقة ودون تدخل حكومي لا مبرر له (الجمهورية التشيكية) ).
  • (138/154): (ضمان عدم إساءة استعمال النظام القضائي ونظام إنفاذ القانون لمضايقة الأفراد لتعبيرهم عن آرائهم السياسية أو الدينية (الجمهورية التشيكية) ).
  • (138/170): (احترام حرية التعبير وتكوين الجمعيات، وتقييد المقاضاة الجنائية إلى الحد الضروري فيما يخص الأشخاص الذين يمارسون هذه الحقوق (بلجيكا) ).
  • (138/172): (السماح بتسجيل المنظمات غير الحكومية العاملة في مجال حقوق الإنسان، سواء على المستوى القانوني أو العملي (بلجيكا) ).
  1. الإفراج الفوري عن السيد وليد أبو الخير والمدافعين عن حقوق الإنسان ومعتقلي الرأي.
  2. إلغاء المحكمة الجزائية المتخصصة، وإسقاط الأحكام الصادرة منها والتي استخدمت ضد أصحاب الرأي والإعلاميين والمدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين.
  3. مراعاة موقعيتها كعضو منتخب في مجلس حقوق الإنسان، وعليها الالتزام بالتعهدات والالتزامات الطوعية التي قدمتها لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة.
  4. البدء الفوري والملموس في تنفيذ ما تم قبوله من توصيات تلقتها السعودية في الاستعراض الدوري الشامل الأخير، وقد أقرت في 28 فبراير 2013 موافقتها على قرابة 200 توصية منها.
  5. البدء في منح مؤسسات المجتمع الصفة القانونية والنظامية من أجل مباشرة مهامها، وإلغاء الأحكام الصادرة على نشطاء بسبب أعمالهم المدنية.

قامت بتوجيه تهمة (إنشاء جمعية غير مرخصة والإشراف عليها (مرصد حقوق الإنسان)، والاشتراك في إنشاء جمعية أخرى غير مرخصة (حسم)) إلى أبو الخير وتم مقاضاته وسجنه بموجبهما.

[1] المادة السادسة من (نظام مكافحة جرائم المعلوماتية): يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تزيد على ثلاثة ملايين ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل شخص يرتكب أياً من الجرائم المعلوماتية الآتية: (الفقرة الأولى) إنتاج ما من شأنه المساس بالنظام العام، أو القيم الدينية، أو الآداب العامة، أو حرمة الحياة الخاصة، أو إعداده، أو إرساله، أو تخزينه عن طريق الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي.

[2] المادة الثالثة عشر من (نظام مكافحة جرائم المعلوماتية): مع عدم الإخلال بحقوق حسني النية، يجوز الحكم بمصادرة الأجهزة، أو البرامج، أو الوسائل المستخدمة في ارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في هذا النظام، أو الأموال المحصلة منها. كما يجوز الحكم بإغلاق الموقع الإلكتروني، أو مكان تقديم الخدمة إغلاقا نهائيا أو مؤقتاً متى كان مصدراً لارتكاب أي من هذه الجرائم، وكانت الجريمة قد ارتكبت بعلم مالكه.

[5] (نظام وثائق السفر) المادة السادسة: 2- لا يجوز المنع من السفر إلا بحكم قضائي أو بقرار يصدره وزير الداخلية لأسباب محددة تتعلق بالأمن ولمدة معلومة، وفي كلتا الحالتين يبلغ الممنوع من السفر في فترة لا تتجاوز أسبوعا من تاريخ صدور الحكم أو القرار بمنعه من السفر.

[10] المادة ١٣ من الميثاق العربي لحقوق الإنسان التي صادقت عليه السعودية في ابريل ٢٠٠٩ واصبح نافذا في ١٩ مايو ٢٠٠٩.

[15] تقرير الفريق العامل المعني بالاستعراض الدوري الشامل. ويحتوي على التوصيات التي قدمتها الدول A/HRC/25/3

AR