نقص حاد في حقوق ما قبل محاكمة متهمين بالتجسس لإيران، يُفقدها لحد بعيد صفة المحاكمة العادلة

20 فبراير، 2016

تبدأ في 21 فبراير 2016 محاكمة لعشرات المعتقلين تتهمهم السلطات السعودية بالتجسس لصالح إيران. سيتوزع المتهمون في الجلسة الإفتتاحية على 5 أيام بدأ من 21 فبراير وحتى 25 فبراير. وفي واحد من التقارير الصحفية الرسمية التي تحدثت عن القضية، أشار إلى أن هناك 32 متهما في القضية بعد أن كانوا 27 بحسب التقرير، عُرف منهم 28 معتقلا نشرت المنظمة الأوروبية السعودية أسمائهم في تقرير سابق.

السلطات السعودية كانت قد بدأت في 17 مارس 2013 سلسلة من الإعتقالات في مدن مختلفة، ترافق ذلك مع تغطيات إعلامية رسمية مكثفة تتركز على إتهامهم بإرتباط إستخباراتي بإيران دون أن يأخذ في عين الإعتبار أصل براءة المتهم، قوبل ذلك ببيان أصدره مواطنون على معرفة بالمعتقلين ينفون فيه إدعاءات وزارة الداخلية، إلا أن وزارة الداخلية أقدمت على استهداف من وقع البيان بممارسات تعسفية مثل المنع السفر لمدد وصلت لثلاثة أشهر وجلسات تحقيق تضمنت تهماً بالإفتآت على ولي الأمر وتكذيب الدولة والتعهد بعدم التوقيع على أي بيان والتدخل في شؤون الدولة والإحتجاز التعسفي ورصد الموقعين ومتابعتهم في تحركاتهم الإجتماعية وكتاباتهم في وسائل التواصل الإجتماعي، بينما استمرت في تغطياتها الإعلامية.

وعلى الرغم من وصول القضية بعد قرابة 3 سنوات إلى أبواب المحكمة الجزائية المتخصصة السيئة الصيت، إلا أن الإعلام السعودي التي تسيطر عليه وزارة الداخلية قام ومنذ اليوم الأول بتبني خطاب يحمل في طياته إتهاما قطعيا ضد المعتقلين، ما يثير شكوكا جادة حول جدوائية المحاكمة. الأمر الآخر الأكثر خطورة، هو إكراه المعتقلين على الإدلاء بإعترافات محددة تم تسجيلها بالفيديو.

يرى الخبراء القانونيون أن المحاكمة لكي تكون عادلة تتطلب توفر عدة حقوق، القسم الأول منها يبدأ منذ لحظات القبض أو الإشتباه وحتى بدء المحاكمة، والقسم الثاني يبدأ منذ بدء المحكمة وحتى آخر المراحل القانونية لإقرار الحكم، وبحسب تتبع وإستقصاء المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان لمجريات ما قبل المحاكمة، توصلت إلى أن المتهمين حرموا حقوقاً لازمة فيما قبل المحاكمة، ما يجعل المحاكمة تفتقد لمقدمات أساسية من متطلبات العدالة. إن عدم توافر هذه الحقوق يشكل خرقا لشروط ومباديء المحاكمة العادلة التي تضمنتها معاهدات ومواثيق إنضمت لها السعودية، ومن هذه الحقوق:

1.      الحق في الحرية:

إن الإعتقالات التي تعرض لها المتهمون تعد إنتهاكا لحقهم الأساس في الحرية وفي الأمان، والتي تنص عليها المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: (لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه)، حيث تم إعتقالهم دون أي مذكرات توقيف أو محاكمة عادلة أو أدلة مباشرة وملموسة تؤكد التهم التي وجهت لهم.

2.                  الحق في الإستعانة بمحام قبل بدء المحاكمة:

(وينبغي أن يكون المحتجزون قادرين على الإتصال بالمحامي منذ بداية احتجازهم، بما في ذلك أثناء التحقيق معهم…في جو من السرية والخصوصية) [1] . منعت السلطات السعودية المعتقلين المتهمين بالتجسس من حقهم في الحصول على محام قبل بدء المحاكمة وخلال فترة التحقيق.

إن حضور المحامي في جلسات التحقيق من شأنه أن يوفر حماية للمتهم من التعذيب أو المعاملة السيئة، كما أنه يساعد المتهم على معرفة الخيارات القانونية المتاحة أمامه ومنها حقه في الطعن في مشروعية الإحتجاز.

3.                  الحق في الإتصال بالعالم الخارجي:

منذ لحظة إعتقالهم لم يتوفر لهم حق الإتصال بالعالم الخارجي بشكل إعتيادي، إعمالا في المزيد من الضغوط والأذى النفسي، حيث تعرضوا للإنقطاع عن العالم بمدد متفاوتة، وصل بعضهم لثلاثة أشهر، في إنتهاك الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري المادة 17 (2، د): (ضمان حصول كل شخص يحرم من حريته على إذن للاتصال بأسرته أو محاميه أو أي شخص آخر يختاره، وتلقي زيارتهم، رهنا فقط بمراعاة الشروط المنصوص عليها في القانون، وضمان حصول الأجنبي على إذن للاتصال بالسلطات القنصلية لدى بلده وفقا للقانون الدولي الواجب التطبيق). كما أنها خالفت المادة 14 (3) من الميثاق العربي التي تنص على حق المتهم (في الاتصال بذويه).

أضف إليه أن بعض أهالي المعتقلين لم يعلموا مكان تواجد أبنائهم عند الإعتقال، كما لم تضمن لهم السلطات في بعض الأوقات الزيارات بشكل منتظم خصوصا في الفترات التي تقول السلطات أنهم قيد التحقيق.

4.                  الحق في المثول أمام قاض على وجه السرعة:

يأتي عرض المعتقلين المتهمين بالتجسس بعد إقتراب أغلبهم من إكمال ثلاث سنوات على الإعتقال كمخالفة واضحة للقوانين المحلية والدولية، في الوقت الذي يرى الخبراء القانونيين أن العرض على قاض هو حق للمتهم ينبغي أن يتم على وجه السرعة وذلك لإعتبارات قانونية عدة، وتذهب بعض التقديرات إلى أن العرض ينبغي أن يتم في غضون أيام.

5.                  الحق في الطعن في مشروعية الإحتجاز:

نظرا للكثير من التجاوزات القانونية التي تقوم بها السلطات السعودية للمعتقلين، ونظرا للصعوبات التي يواجهها المعتقل أو ذويه عند المطالبة بالحقوق البسيطة منها حتى العلاج الذي لايتسنى للمعتقل في بعض الأحيان، فإن المعتقل يشعر أن الحق في الطعن في مشروعية الإحتجاز حقاً بعيد المنال فضلا عن أن هناك الكثير يجهل ذلك. إن غياب المحامي طيلة فترة ما قبل المحاكمة، يجعل من المتهم عاجزا عن أي خطوات قانونية وجاهلا بالكثير من الحقوق، وبحسب طبيعة السجون السياسية في السعودية فإن هذه الفترة هي الأخطر على المعتقل في كونه عرضة للتعذيب النفسي والجسدي والإهانات والإذلال.

6.                  الحق في مساحة زمنية وتسهيلات لإعداد الدفاع:

منذ اللحظات الأولى للإعتقال، قام الإعلام السعودي الرسمي والذي تسيطر عليه الدولة، بإتهام المعتقلين قبل أي تحقيق. ولا تحتوي البيئة القانونية في السعودية على إمكانية جادة لمقاضاة تلك الإتهامات الغير قانونية والتي روجها الإعلام وكأنما هي تهما قطعية.

لايُمَكَّن المعتقل في السعودية من الدفاع عن نفسه فعلياً إلا بعد بدء المحاكمة، بغض النظر عن المدة التي يقضيها قبل المحاكمة.

ولاتتم المساواة بين الإدعاء وبين الدفاع في هذا الحق. حيث تفتتح الجلسة الأولى من المحاكمة في المحكمة الجزائية المتخصصة بعرض تهم المدعي العام، دون مساواة مع الدفاع، الذي لايتمكن من بدء مهمته في أحسن الأحوال إلا من الجلسة الثانية من المحاكمة، غير أنه وفي بعض الأحيان يتم تعطيل الدفاع بالتواطيء بين القضاء والسجون إلى أكثر من ذلك، ففي قضية الشيخ نمر النمر لم تقدم له تسهيلات لتقديم دفاعه إلا في الجلسة السابعة التي عقدت بعد 448 يوما من الجلسة الأولى.

من الممكن نظريا إعداد الدفاع قبل بدء المحاكمة بوقت كافٍ من خلال إطلاع المتهم على التهم الموجهة له، ومنحه التسهيلات اللازمة للإتصال بمحاميه في جو من الوسع والسرية، وهذا ما لايتوفر للمتهم بحسب سير الإجراءات القضائية في السعودية.

7.                  الحق في أوضاع إنسانية أثناء الإحتجاز وعدم التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية:

تعرض المعتقلون المتهمون بالتجسس لإنتهاك لحقهم في الأوضاع الإنسانية الملائمة أثناء الإحتجاز، كذلك لم يحظى حتى كبار اللسن منهم بالرعاية الطبية اللازمة، ولم تكن ظروف إحتجازهم إنسانية.

كذلك فقد تعرض عدد منهم للتعذيب الجسدي والنفسي، ومنه المنع من النوم، والإجبار على الوقوف لساعات، وآثار حروق في الأيد، والسجن الإنفرادي لمدة تجاوزت الشهرين، ومضايقات في أداء عباداتهم.

إن إتفاقية مناهضة التعذيب التي أنضمت لها السعودية تمنع تبرير التعذيب أو غيره من ضروب سوء المعاملة، وذلك بغض النظر عن الظروف الإستثنائية أو التهديدات الإرهابية أو مدى خطورة التهمة.

ترى المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، أن افتقاد هذه الحقوق الأساسية، أفقد المحاكمة لمقدمات لا تكتمل بدونها شروط المحاكمة العادلة.

إن تزايد إصدار الأحكام القاسية، حيث تواجه أعداد متزايدة من المعتقلين أحكاما ومطالبات بالإعدام، يفرض مخاوف فعلية على سير محاكمة المتهمين بالتجسس.

[1] دليل المحاكمة العالة، منظمة العفو الدولية، ص 43. https://s3.amazonaws.com/PHR_other/arabic/fair-trial-manual-arabic.pdf

AR