حقوق الإنسان في السعودية 2018: تـ قـ طـ يـ ع حقوق الإنسان

28 ديسمبر، 2018

تنويه

هذا التقرير محاولة من المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان لإيضاح صورة إجمالية عن حالة حقوق الإنسان في السعودية في 2018، ولكن في نفس الوقت لايدعي التقرير إنه إحاطة شاملة بكل ما صدر من إنتهاكات من الحكومة، وإن عدم الإشارة لإسم ما، أو لقضية ما، لايعني بأي حال من الأحوال عدم أهميته.

الموضوعات المطروحة في التقرير ليست هي فقط القضايا الموجودة على الأرض، بل هناك غيرها الكثير من الشواغل الحقوقية، والهامة، على سبيل المثال لا الحصر، الحرب على اليمن وقضايا التدهور البيئي وقضايا العمال الأجانب، إنما طُرحت هنا بعض ما إستطاعت المنظمة من تغطيته طوال العام، بما يتوافق مع إمكانياتها.

المقدمة

تطورات صادمة في واقع حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، تمظهرت خلال عام 2018 في جرائم وإنتهاكات ممنهجة، شكلت في مجملها مرحلة غير مسبوقة في تاريخ حقوق الإنسان السيء في البلاد. فلم تقف الحكومة عند القتل خارج نطاق القضاء أو القتل تعسفا، والمحاكمات غير العادلة والتعذيب والإعتقالات التعسفية ونشر الترهيب وسحق الحريات في الداخل، بل مدت أيديها خارج البلاد لتطال نشطاء المهجر الفارين من سياسة القمع الداخلية. كل هذه المجريات ورثت لدى المواطنون وأصحاب الرأي قلقا متصاعدا على واقع البلاد عامة، كما أثارت قلقا على السلامة الشخصية وفتحت إحتماليات الإستهداف الفردي للأشخاص وذويهم. وكانت أكثر الأحداث فظاعة ودموية وبشاعة، تلك الجريمة الرسمية بقتل الصحفي جمال خاشقجي، وما زادها هولاً صدورها من أعلى مستويات القرار في البلاد، ليعقبها بعد هنيهة خبر جريمة التحرش والتعذيب للمدافعات عن حقوق الإنسان لجين وأخواتها، لتعبر هذه الأحداث وغيرها وبشكل صارخ عن الكوارث والويلات التي يمكن أن يؤدي إليها أسلوب وشكل الحكم المتبع حاليا في البلاد، الذي يحتكر القرار السياسي بالكامل ويقصي المجتمع المدني بعنف ويلغي فاعلية السلطة القضائية والتشريعية، ويلغي مساحة الحرية الإعلامية تماماً.

مشهد 2018 هو أحد ثمرات مرحلة متدهورة مقترنة بالعهد الجديد، خصوصاً بعد تسلم محمد بن سلمان ولاية العهد في منتصف 2017، مرحلة إزداد فيها القمع بروزاً، كنهج متبع لدى الأسرة الحاكمة، فكان 2017 عاماً لإضطهاد وترهيب الشعب، وتكسير للمجتمع المدني بحسب تقرير المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان السنوي السابق، ولكنه لم يكن إلا مرحلة في قمع وتدهور لازال في تصاعد.

قتل الصحفي خاشقجي شكل ذروة القمع والإجرام، فكان هو الحدث الذي باح بكل الصراخات المكتومة، الآخذة بالتراكم كلما تراكمت في يد ولي العهد السلطات والصلاحيات، وهو لم يفصح فقط عن ممارسات الدولة، بل أفصح عما هو أخطر، وهو النهج السياسي والإداري المتبع في البلاد، ونوعية الرجال الممسكين بزمام السلطة. فقد توالت الإنتهاكات خلال العام، وطالت كافة أطياف المجتمع والفئات الأكثر ضعفا فيه، واستُخدمت الأجهزة الرسمية لإستهداف المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء، وتطور التعذيب في السجون، واستمرت السعودية بعدم إحترام إلتزاماتها الدولية القاضية بحماية الحقوق ومسائلة المسؤولين عن الإنتهاكات، ولم توفر في كل ذلك الإنتهاكات بحق النساء والأطفال وكبار السن.

واقع تعاطي السعودية في ملفات حقوق الإنسان يتناقض مع التصريحات والوعود التي قدمها المسؤولون السعوديون وخاصة ولي العهد. ففي 5 مارس وفي مقابلة مع صحيفة تليغراف البريطانية قال ولي العهد أن السعودية “أحرزت تقدما كبيراً في حقوق الإنسان خلال وقت قصير”، بينما الواقع يشهد على تدهورها خصوصاً بعد تسمله ولاية العهد. فبعد قرابة 10 أسابيع على تصريحه أعتقلت تعسفياً مدافعات عن حقوق الإنسان وناشطات على خلفية أنشطة مشروعة.

وفي حوار مع قناة “سي بي إس” الأميركية أكد ولي العهد أن خطوة قيادة المرأة للسيارة ماهي إلا بداية لإعطاء النساء بقية حقوقهن، من أجل “المساواة مع الرجل” معتبرا أن السعودية قد قطعت “شوطًا طويلاً جدًا ولدينا طريق قصير لنقطعه”. في المقابل وعلى الرغم من رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة، إرتفعت حدة الإنتهاكات بحق النساء، وتم إعتقال رائدات في المطالبة بحقوق المرأة وناشطات بارزات في الدفاع عن حقوق الإنسان، كما طلبت النيابة العامة بالإعدام للمدافعة عن حقوق الإنسان إسراء الغمغام.

وخلال حوار مع مجلة تايم في أبريل، أشار ولي العهد إلى أن هناك عمل من أجل تقليل أحكام الإعدام إلى حد كبير من دون إلغائها بشكل كامل. ولكن السعودية إستمرت في تنفيذ وأصدار أحكام الإعدام، فمذاك وحتى 26 ديسمبر، نفذ 111 حكم إعدام، 41 منها بتهم المخدرات التي لاتعتبر من التهم الأشد خطورة في القانون الدولي.

ساعد ظهور ولي العهد في الوسائل الإعلامية الكبيرة والهامة، في التغطية على الواقع المتردي لحقوق الإنسان، كما أُستقبلت بعض التصريحات الإعلامية بحفاوة سياسية في بعض الدول، كما أنها خلقت في أجواء الإعلام الدولي صورة مضللة عن حقيقة ولي العهد العدوانية لحقوق الإنسان. وفي وقت كانت جهات إعلامية تبرز ولي العهد بكثافة، لم تقم في ذات الوقت بعرض الجانب الآخر بشكل مواز، عبر إظهار الشخصيات التي تتحدث بما يناقض رواية بن سلمان، لكن أحداث 2018 جاءت وأثبتت أن هذا الإحتفاء -الإعلامي و السياسي- غير منهجي، إذ لم تكن هناك آليات حكومية أو مدنية قادرة فعلا على تحقيق تلك الوعود، فقد قدمت في وقت يُحكِمُ الملك وولي عهده قبضتهم على جميع السلطات والقرارات في البلاد.

إلى جانب ذلك، فإن قتل الصحفي خاشقجي وما أحاط به، كان قد أرسل إشارات عديدة، أحدها عدم وجود آليات قانونية حقيقية في داخل السعودية من شأنها محاسبة مرتكبي الإنتهاكات والجرائم الأفراد أو الأجهزة المسؤولين، حيث ظهر أن القانون وآلياته تحت السيطرة التامة للمتنفذين.

إن الإنتهاكات والجرائم التي قامت بها السعودية خلال 2018، كما بيانات وتقارير الأمم المتحدة، وكذا المواقف الدولية، عرّت كافة الشعارات التي رفعت، والوعود التي قُدمت، وخاصة التي روجها ولي العهد.

الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفاً

في 5 أبريل وعد ولي العهد خلال مقابلة تلفزيونية بالعمل على الحد من معدلات الإعدام بشكل كبير، ولكن بعد أربعة أشهر من تصريحه وعلى النقيض التام، كانت النيابة العامة، والتي ترتبط بالملك سلمان مباشرة، قد طالبت في أغسطس بالإعدام للمدافعة عن حقوق الإنسان إسراء الغمغام، وآخرين تم إعتبارهم معها بمثابة مجموعة مشتركين بعدة تهم، بالرغم من كونهم نشطاء سلميين تركزت أنشطتهم في التظاهر: زوجها السيد موسى الهاشم، وأحمد المطرود وعلي عويشير وخالد الغانم، وطالبت بالسجن لمدة تصل إلى 20 سنة للناشط مجتبى المزين، نظير تهم تتعلق بنشاطهم المشروع في التظاهر والتعبير عن الرأي، الأمر الذي شكل تطوراً صادماً وغير مسبوق في ملف الإعدام.

وتوالت الصدمات، لتطالب النيابة العامة أيضا في سبتمبر بإنزال عقوبة الإعدام بحق الشيخ سلمان العودة، وذلك في أولى جلسات محاكمته التي إفتقدت إلى الشروط اللازمة للمحاكمة العادلة. واستمرت شهية النيابة العامة لمطالب الإعدام، لتنسحب أيضاً على الدكتور الإعلامي علي العمري، والشيخ عوض القرني، والشيخ حسن فرحان المالكي، وذلك على خلفية آرائهم ونشاطاتهم.

وخلال الربع الأول من 2018 إرتفعت نسبة الإعدامات 72% مقارنة بالربع الأول من 2017، وبلغت الإعدامات المنفذة من بداية العام حتى 26 ديسمبر 143 إعداماً، 57 منها بناء على جرائم المخدرات غير الجسيمة في القانون الدولي.

إضافة إلى ذلك وعلى الرغم من إدعاء السعودية القيام بإجراءات بهدف منح القضاء إستقلالاً وحمايته من أي تأثيرات، إلا أنه لاتوجد بوادر ملموسة، بل إزداد إستخدام النيابة العامة والمحكمة الجزائية المتخصصة في إستهداف النشطاء والإنتقام منهم، ولاتزال الأحكام التي صدرت في محاكمات غير عادلية، سارية، ومنها أحكام نهائية بإعدام أطفال بتهم بينها التظاهر والتعبير عن الرأي، وقد ينفذ القتل في أي لحظة.

وبحسب رصد المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان في نوفمبر، فإن هناك 58 معتقلا مهددين بالإعدام يتفاوتون في مرحلة التقاضي، بينهم 8 أطفال أحكام إعدامهم نهائية، وهؤلاء جزء بسيط من أعداد تقدر بالمئآت من المهددين بالإعدام في السجون السعودية. وبحسب البحوث التي تمت لكثير من قضايا هؤلاء الثمانية والخمسون معتقلاً، كانت محاكماتهم بعيدة بشكل كبير عن شروط المحاكمات العادلة، وأكدوا أمام القضاء أن إعترافاتهم أُنتزعت تحت التعذيب.

من بين المعتقلين الذين يواجهون خطر الإعدام في أي لحظة، 12 من المتهمين بالتجسس لصالح إيران، زادت المخاوف على حياتهم بعد إرسال ملفاتهم في الأول من نوفمبر إلى رئاسة أمن الدولة، ما يشير إلى إجراء تنفيذ الأحكام الصادرة بحقهم في أي لحظة، على الرغم من إفتقار محاكماتهم إلى العدالة. وقد تعرض بعضهم للتعذيب، وبعضهم هدد بإحضار أسرته أو زوجته للسجن إذا لم يوقع على أقوال كتبها المحققين أو تلاعبوا في صياغتها. وقد عُرف عن يوسف الحربي وهو أحدهم، بمحاولة الانتحار بسبب التعذيب الذي تعرض له، وذلك بحسب ما هو موثق في صك الحكم.

وثقت المنظمة أيضاً، أعداد الذين أعدموا خلال السنوات الماضية من جنسيات أجبنية، وإفتقار محاكماتهم إلى العدالة وإعدام نسبة غير قليلة منهم بتهم مخدرات. يشير التوثيق إلى أن السعودية قتلت 504 شخصا من 29 دولة منذ 2004 إلى 2017، كما زادوا 71 إعداما منذ بدء 2018 حتى 26 ديسمبر.

وفيما من الصعب الوصول إلى كافة بيانات المحكومين بالإعدام في السعودية وخاصة المتهمين بتهم مخدرات، فإنه لاتزال قضية الأردني حسين أبو الخير تشهد على طبيعة تعاطي السعودية مع المتهمين بجرائم المخدرات، حيث لايزال مهدداً بالإعدام، وقد راسل مقررون خاصون في الأمم المتحدة السعودية حول قضيته، وقد أصدر القضاء مرة أخرى حكما بالإعدام تعزيراً في 26 نوفمبر 2017. وكانت المحاكمة قد أعيدت بعد أن نقضت المحكمة العليا في 9 مارس 2017 حكم الإعدام الأول الذي صدر في 27 يناير 2015.

وخلال 2018 أكدت السعودية إصرارها على سياسة إحتجاز أو إخفاء الجثامين، غير الإنسانية، والتي تتسبب بعذاب نفسي عميق للأسر، وآخرها جثمان الصحفي جمال خاشقجي، لتبلغ الجثامين المحتجزة 32، وذلك فقط بدأً من يناير 2016 حينما قامت بإعدام المطالب بالعدالة الإجتماعية الشيخ نمر النمر ضمن إعدام جماعي بلغ 47 إعداما، ودون حساب أعداد أخرى من الضحايا لاتزال جثامينهم مغيبة منذ عدة عقود.

التعذيب والمعاملة القاسية أو المهينة

إستمرت السعودية خلال 2018 بممارسة التعذيب بحق المعتقلين في السجون، وإزدادت وتيرته بشكل خطر وغير مسبوق، ما أدى إلى سقوط مزيد من الضحايا. ففي نوفمبر برزت معلومات أكدت تعرض عدد من المدافعات عن حقوق الإنسان إلى التحرش الجنسي والتعذيب بالضرب والجلد والصعق الكهربائي إلى جانب سوء المعاملة وإهانة الكرامة، وهو ما دفع إحداهن إلى محاولة الإنتحار.

وفي مارس أنتهت حياة المعتقل علي جاسم النزغة (61 عاما) في سجن المباحث بالدمام، حيث أشارت معلومات أهلية إلى منع أسرته من تصوير جثمانه، فيما يُعتَقَدُ إنه لإخفاء آثار التعذيب التي شوهدت على جسده أثناء تجهيز جنازته. وكان الشاب حبيب الشويخات قد فارق الحياة في شهر يناير في المعتقل بسبب الإهمال الطبي وظروف إحتجازه، وذلك بعد تجاهل الديوان الملكي رسالة عاجلة وخطرة كانت قد وجهتها أسرة الشاب توضح فيها حالته الصحية المتدهورة، والخطر الذي تمثله ظروف الإعتقال التعسفي على حياته.

يقوم “جهاز رئاسة أمن الدولة” التابع مباشرة إلى الملك، وعبر سجون “المديرية العامة للمباحث”، بممارسة تعذيب المعتقلين. أحد الضحايا المعتقل يوسف المصلاب، حيث تعرض لتعذيب نفسي وجسدي، ترك آثارا على وجهه ومن ذلك إحمرار في العينين وإصابات في الأسنان الأمامية، وصعوبة في النطق، كما ترك التعذيب بالصعق الكهربائي آثار على يديه وأظافره، ودخل في مراحل صحية خطرة استدعت نقله إلى المستشفى الداخلي لسجن مباحث الدمام أكثر من مرة. تقارير المنظمة بينت إستمرار ممارسة التعذيب في المعتقلات السعودية بكافة أشكاله وخاصة منذ تسلم الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم، وبين ذلك الفلقة والصعق بالكهرباء والتعليق والحرق بالسجائر والركل والصفع واللكم العنيف، والتعرية والتحرش الجنسي.

التعذيب والمعاملة القاسية الذي تمارسه السعودية، يطال مختلف المعتقلين وبينهم الأطفال و المسنين. حيث أشارت المعلومات إلى أن من بين المعتقلين من تتجاوز أعمارهم الستين عاماً، وعلى الرغم من ذلك يتعرضون لأنواع مختلفة من التعذيب وضروب المعاملة القاسية مثل الحرمان من العلاج وظروف الإحتجاز غير الصحية.

ورغما عن شكاوى التعذيب المتعددة، التي قدمها الضحايا للقضاة، إلا أن السعودية لم يُعرف أنها حققت أو حاكمت مع أي من المُعَذِبين، كما إن القضاة مستمرين في بناء إصدار أحكامهم على أقوال منتزعة بالتعذيب، ولا يزال العشرات مهددين بالإعدام من ضحايا التعذيب، وكذلك المئآت من ضحاياه، يقضون أحكاماً مطولة في السجن لمدد تصل حتى 30 عاما.

المحاكمة العادلة

تفتقد المحاكمات التي يخضع لها المعتقلون في السعودية إلى شروط المحاكمة العادلة، وتصدر عنها أحكام مشددة قد تصل إلى الإعدام، ويوجد حاليا 58 معتقلا في مختلف درجات التقاضي، مهددين بالإعدام، حرموا من الوصول إلى محام في فترة التحقيق وما قبل المحاكمة، ومنع التواصل مع العالم الخارجي.

وفيما إدعت السعودية أنها أقرت تغييرات من أجل تحسين القضاء في يونيو 2017، أبرزها تحويل “هيئة التحقيق والادعاء العام” إلى “النيابة العامة”، فإن ذلك لم يؤثر على عدالة المحاكمات التي تتطلب فصلا حقيقياً بين السلطات وليس شكلياً. فبحسب التعديلات التي حصلت، فإن النيابة العامة تابعة بشكل مباشر إلى الملك بعد أن كانت هيئة التحقيق والإدعاء العام تابعة لوزارة الداخلية. وإلى جانب ذلك، فإن الأحكام التي تطلبها النيابة العامة تعكس الإتجاه الرسمي لتجريم الممارسات السلمية، مثل إستسهال طلب الإعدام للمعتقلين، على الرغم من العيوب الكثيرة التي تكتنف الأدلة والإستدلالات التي يستخدمها القضاة، والإعتماد في كثير من الأحيان على إعترافات منتزعة تحت التعذيب، أو عدم تناسب التهم بأي حال من الأحوال مع عقوبة الإعدام. فخلال 2018 طلبت النيابة العامة الإعدام للمدافعة عن حقوق الإنسان إسراء الغمغام ونشطاء معها بتهم بينها المشاركة في مظاهرات والسفر إلى دولة معادية وتخزين معلومات، كما طالبت بإعدام الشيخ سلمان العودة والدكتور علي العمري والشيخ حسن فرحان المالكي والشيخ عوض القرني بتهم بينها الدعوة للتغيير في السعودية وتأليب الرأي العام والإنضمام لتجمعات وتبني آراء فكرية دينية تاريخية مختلفة عن التوجه الرسمي.

حقوق الطفل

على الرغم من أن السعودية دولة طرف في إتفاقية حقوق الطفل منذ 1996، إلا أنها لا زالت تخالف الإلتزامات الرئيسية في حماية الأطفال من الإنتهاكات. خلال 2018 إستمرت تهديدات حياة الأطفال المعتقلين، حيث لا زال 8 أطفال يواجهون خطر الإعدام في اي لحظة بعد أن تعرضوا للتعذيب وحرموا من المحاكمات العادلة، رغماً عن كثير من النداءات والمواقف الدولية، آخرها بيان صدر في أكتوبر عن خبراء ومقررين في الأمم المتحدة، يحثون السعودية على التوقف الفوري عن إعدامهم.

إضافة إلى ذلك برزت تناقضات في مواقف السعودية زادت من المخاوف على حياة الأطفال المعتلقين. فتأكيداً على تصريحات رسمية أشارت إلى إقرار تعديلات على قانون الطفل يمنع تنفيذ أحكام الإعدام بالأطفال، ردت السعودية على رسالة وردتها من المقررين الخاصين إعتبرت فيها أن عمر الطفل يعتمد على مؤشرات حسية، وليس على بلوغ سن الثمانية عشر عاما، ما يعني إنها تفتح لنفسها مساحة للمناورة في تحديد عمر الطفولة لكل شخص على حدة.

إلى جانب الأطفال المحكومين بالإعدام، فإن السعودية لا زالت ترفض تسليم جثامين أطفال كانت قد أعدمتهم بينهم الطفل علي آل ربح الذي أعدم في يناير 2016، ولاتزال أسرته تطالب بجثمانه من أجل دفنه في مدينته العوامية، والطفل وليد العريض الذي قتلته بالرصاص الحي حينما كان متواجداً على باب منزله.

وماتزال الحكومة السعودية تحتجز سجناء تم إعتقالهم وهم أطفال أو بسبب أفعال أتهموا بالقيام بها حينما كانوا أطفالاً، ومن بينهم مرتجى القريريص و اليزن الجزائري.

حقوق المرأة

في 24 يونيو بدأ رفع الحظر الذي كان مفروضاً على قيادة النساء للسيارة. روجت السعودية إلى أن هذه الخطوة هي بداية مرحلة جديدة لحقوق المرأة في البلاد، وإستخدمت ذلك بشكل بارز في التلميع الإعلامي، ولكن على العكس، فقد شهدت حقوق المرأة تدهورا غير مسبوق، في الأوقات التي أحاطت برفع حظر السياقة.

ففي مايو أقدم جهاز رئاسة أمن الدولة الذي يرجع للملك سلمان مباشرة، على خطوات قمعية مباغتة ضد رائدة في الإهتمام بحقوق المرأة ومدافعات عن حقوق الإنسان، حيث شنت سلسلة حملات إعتقال، شملت لجين الهذلول وعزيزة اليوسف وإيمان النفجان، وكذلك نوف بنت عبد العزيز ومياء الزهراني، وأيضا سمر بدوي ونسيمة السادة، كما اعتقلت الفنانة التشكيلية نور المسلم. وناشطات تم الإفراج عنهن في أوقات متفاوتة، مثل ولاء الشبر عائشة المانع ومديحة العجروش وحصة الشيخ. كذلك إستمرت الحكومة بإعتقال الدكتورة رقية المحارب والمدافعات عن حقوق الإنسان نعيمة المطرود وإسراء الغمغام.

الوسائل الإعلامية الرسمية هاجمت المعتقلات وروجت لتهم ضدهن، وذلك قبل أي تحقيقات رسمية أو أحكام قضائية، حيث وصفن بالعميلات والخائنات. بعض المعلومات التي يتم تناقلها عن إعتقالات مايو، وما أعقبها، تشير إلى أن هناك أعداد مضاعفة غير معروفة أسمائها، ومما يؤكد ذلك هو إشتهار اسم الناشطة شدن العنزي مؤخراً، على إنها من بين معتقلات مايو ومابعده، وذلك بعد قرابة 7 أشهر من إعتقالها. ويرجع التكتيم في بعض الأحيان إلى تهديدات أو وعود من الحكومة للأسر، ما يدفع للتكتم.

وفيما كانت النيابة العامة قد طلبت في أغسطس بالإعدام للمدافعة عن حقوق الإنسان إسراء الغمغام بناء على تهم تتعلق بنشاطها الحقوقي السلمي، يُخشى أن يتكرر مطلب الإعدام في قضايا أخرى مشابهة لنساء معتقلات، وفق ما لوحت به إحدى الصحف الرسمية، أنهن قد يواجهن عقوبات تصل إلى القتل.

تضاف هذه الإعتقالات والإنتهاكات، إلى قوانين مكتوبة أو عُرفية لا زالت تكرس التمييز بحق النساء، وخاصة مسألة ولاية الرجل على المرأة. فعلى الرغم من صدور أوامر تسمح للنساء بالحصول على بعض الخدمات، وبغض النظر عن مدى فاعلية هذه الأوامر ومدى تطبيقها على أرض الواقع، إلا أن النساء لا زلن ممنوعات من السفر دون أذن الولي، كما لا زالت بعض المؤسسات ترفض توظيف النساء من دون موافقة أولياء أمورهن. إضافة إلى ذلك تُمنع السجينة مثلا من الخروج من السجن بعد انتهاء مدى محكوميتها، إلا إذا أتى رجلٌ لاصطحابها، ما يعرضها للبقاء في السجن لمدة أطول في حال قرر “ولي أمرها” عدم الحضور.

حرية الرأي والتعبير والحق في التجمع وتكوين الجمعيات

إستمرت حملات السعودية ضد حرية الرأي والتعبير والحق في التجمع وتكوين الجمعيات خلال 2018. فمنذ الشهر الأول من العام، في 25 يناير، أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة أحكاما ضد كل من محمد العتيبي وعبد الله العطاوي بالسجن بما مجموعه 21 سنة. الأحكام إستندت على تهم بينها إنشاء جمعية دون ترخيص ونقضهما لتعهد سابق بعدم ممارسة النشاط، والمشاركة بإعداد وصياغة عدة بيانات وتأييد بعضها بالتوقيع بهدف تفريق الجماعة والإخلال بأمن البلاد، كما أتهموا بالإعتراض على الأحكام القضائية التي تصدر في قضايا معتقلي الرأي، إلى جانب تهمة الإضراب عن الطعام بهدف إرغام الجهات المعنية على عمل ما.

إضافة إلى ذلك، لاتوجد بوادر على أن “نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية” الذي صدر في نوفمبر 2015، ساهم بأي شكل على رفع الحظر على النشاط الحقوقي المؤسساتي والمستقل، كما إنه لايزال هناك معتقلين بتهم ممارسة النشاط في مؤسسات حقوقية، ولايزال النشاط الحقوقي يمثل تهمة تستوجب عقوبات قاسية.

كذلك فإنه لم تقبل عدة طلبات لتأسيس مؤسسات حقوقية، قدمها نشطاء عرفوا بنضالهم ومواقفهم الإنتقادية لإنتهاكات حقوق الإنسان. ففي يوليو إعتقلت الناشطة نسيمة السادة التي حاولت منذ بداية 2017 تأسيس جمعية تحت إسم “نون” للدفاع عن حقوق المرأة، إلا انها لم تتلق أي جواب.

كذلك إستمرت السعودية بإعتقال شعراء وكتاب وصحفيين، ومنها إعتقال الشاعر نواف الرشيد في مايو، بعد أن سلمته لها الكويت، وإخفاءه قسرياً، ولم يُعرف عن نواف نشاطاً معارضاً، وقد كان أبيه قد قتل في ظروف غامضة في الجزائر في 2003.

وخلال 2018 رفعت السعودية حدة إنتهاكاتها بإستهداف نشطاء ومدافعين عن حقوق الإنسان يقيمون في الخارج بهدف الإنتقام منهم من خلال التنكيل بعائلاتهم في الداخل. ففي مارس إعتقلت السعودية السيدة المسنة عايدة الغامدي وولداها، فيما يعتقد أن نشاط إبنها المعارض عبد الله الغامدي المقيم في لندن ذو صلة بإعتقالهم، كما أستهدفت أفراد من عائلات السيد علي الحاجي وعمر بن عبد العزيز والشيخ حسن الصالح علي الدبيسي.

المدافعون عن حقوق الإنسان

شكل 2018 مرحلة جديدة وأعلى من القمع السعودي بحق المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، وصلت إلى حد طلب النيابة العامة الإعدام لهم.

في يناير تم إعتقال الناشطة نهى البلوي بشكل تعسفي واقتيادها إلى سجن تبوك، قبل أن يفرج عنهالاحقا، وذلك على خلفية نشرها مقاطع فيديو إنتشرت على نطاق واسع طالبت فيها بالحقوق. كما حكمت المحكمة الجزائية المتخصصة على المدافع عن حقوق الإنسان الشيخ محمد الحبيب بالسجن 7 سنوات جراء مطالب حقوقية وانتقاد لغة الكراهية الرسمية.

وفي مايو شنت السعودية سلسلة إعتقالات تعسفية طالت مدافعات بارزات في حقوق الإنسان مثل لجين الهذلول وعزيزة اليوسف وإيمان النفجان، والناشط محمد الربيعة، وعبدالعزيز المشعل، كما طالت المدافع عن حقوق الإنسان والمحامي إبراهيم المديميغ قبل أن تفرج عنه في ديسمبر. شابت هذه الإعتقالات إنتهاكات عديدة، بينها تعرض المعتقلين للإخفاء القسري وشن حملة إعلامية رسمية تشويهية واسعة وقاسية. كما أُعتقلت في يونيو المدافعتين عن حقوق الإنسان نوف عبد العزيز ومياء الزهراني بشكل تعسفي، لِتُلْحق بهما في يوليو المدافعتين سمر بدوي ونسيمة السادة.

وفي مايو أُعتُقل عضو جمعية حسم المدافع عن حقوق الإنسان محمد البجادي، لينضم إلى أترابه من أعضاء ومؤسسي جمعية حسم المعتقلين حاليا: الدكتور عبدالله الحامد، الدكتور محمد القحطاني عبدالعزيز الشبيلي، عمر السعيد، عيسى الحامد، عبدالكريم الخضر، عبدالرحمن الحامد، فوزان الحربي. وكان كل من عبد الله الحامد ومحمد القحطاني ووليد أبو الخير قد حصلوا في سبتمبر على جائزة نوبل البديلة تقديرا لما قدموه من جهود حثيثة وشجاعة، في الدفاع عن حقوق الإنسان في السعودية.

وفي خطوة خطرة غير مسبوقة، طالبت النيابة العامة لأول مرة بإعدام مدافعة عن الحقوق، ففي شهر أغسطس بدأت محاكمة المدافعة عن حقوق الإنسان إسراء الغمغام، بعد 33 شهرا من إعتقالها، وجاء مطلب النيابة بالإعدام بالرغم من أن جميع التهم الموجهة إليها سلمية وتتعلق بنشاط حقوقي مشروع. وبدأت محاكمتها مع خمسة نشطاء آخرين، أربعة منهم طالبت النيابة بإعدامهم، زوجها السيد موسى الهاشم وأحمد المطرود وعلي عويشير وخالد الغانم، ومجتبى المزين الذي طالبت النيابة بعقابه بالسجن لمدة قد تصل إلى 20 عاما.

كما أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة حكما بسجن المدافع عن حقوق الإنسان عيسى النخيفي لمدة ستة سنوات، بسبب أنشطته ودعواته للإصلاح، ومنها دعوته لإنتخاب برلمان شعبي.

حرية الصحافة

في 2018 وصلت إنتهاكات السعودية لحرية الصحافة إلى حد خطر وغير مسبوق، ما جعلها الأسم الأبرز على مستوى العالم في العناوين الإعلامية التي تناولت منتهكي حرية الصحافة، وذلك على إثر جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي.

إدعت السعودية مكافحتها للفساد على إثر حملة إعتقالات نفذتها في 2017، إلا أنها وبدلاً من أن تفتح المجال للإعلام لكي يقوم بدوره تماشيا مع إدعاءها بمحاربة الفساد، قامت بإعتقال الكاتب الصحفي صالح الشيحي وإصدرت عليه في 8 فبراير حكماً بالسجن لمدة خمس سنوات تليها خمس سنوات أخرى منع من السفر، بسبب انتقاده في لقاء تلفزيوني للفساد الكبير في الديوان الملكي الذي يعتبر السلطة الأعلى في البلاد.

في أكتوبر إعترفت السعودية بقتل الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصليتها في مدينة إسطنبول التركية. قتل خاشقجي، الذي كان قد عبر عن آراء تخالف التوجه الرسمي وتنتقد ولي العهد، جاء على يد موظفين حكوميين لصيقين بولي العهد. طالب مقررون خاصون في الأمم المتحدة بإجراء تحقيق دولي في الحادثة. أشارت التقارير الرسمية التركية إلى أن السعودية لم تتعاون بشكل كاف مع التحقيق، ولم تفصح عن مكان جثته بعد تقطيعها. وأشارت جهات متنوعة إلى مسؤولية ولي العهد المباشرة عن هذه الجريمة، ولكن لايوجد في السعودية سلطات مستقلة يمكنها حتى مجرد التفكير في مسائلة بن سلمان فضلا عن محاكمته. وكذلك خضعت القضية على المستوى الدولي لمواقف سياسية، دون أن يبرز حتى نهاية 2018 توجه واضح للتعاطي مع الجريمة وفق آليات دولية مستقلة.

إن القوانين والسياسات المتعبة في السعودية ليست عاجزة فقط عن حماية حرية الصحافة، بل إنها فعليا تشرع الإنتهاكات لحرية الصحافة بشكل ممنهج، من خلال أنظمة مثل نظام مكافحة الإرهاب ونظام جرائم المعلوماتية وغيرها. ولا زال الصحفييون ضحايا في المعتقلات، حيث تتصاعد أعدادهم، بينهم علاء برنجي الذي أنهى خلال 2018 عامه الرابع في السجن على خلفية عمله الصحفي وتعبيره عن رأيه، و نذير الماجد الذي بدأت سلسلة إستهدافه على إثر مشاركته في مظاهرات 2011 وكتابته لمقال كتبه “أنا أحتج، إذن أنا آدمي” ولايزال معتقلا بحكم بالسجن سبع سنوات. كما شنت السعودية سلسلة إعتقالات طالت صحفيين ومدونين وكتاب بينهم: نوف عبد العزيز، وإيمان النفجان، والدكتور علي العمري، ومحمد السحيمي. وعلى الرغم من هذه الإنتهاكات إلى جانب قتل مصورين وصحفيين خلال الأعوام الماضية، لم تحدث أية تحقيقات أو محاكمات للمسؤولين عن الإنتهاكات والجرائم.

تحتل السعودية المركز 169 من بين 180 دولة في التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي نشرته منظمة مراسلون بلا حدود في 2018، وفي أكتوبر حذرت المنظمة من أن مرتبة السعودية ستتراجع خلال التصنيف المقبل، على إثر تزايد مختلف أنواع العنف ضد الصحفيين. إن النهج المتبع في البلاد يشكل بوضوح خطرا وتهديدا للصحفيين.

الحرية الدينية

مضت السعودية في الترويج لتغييرات في النهج المتبع فيما يتعلق بالحريات الدينية، حيث أشار ولي العهد في أكثر من مناسبة إلى أن البلاد سوف تعيد النهج “الإسلامي الوسطي”، وحصلت خلال 2018 زيارات ولقاءات مع شخصيات مسيحية متنوعة.

أما داخليا فقد استمرت سياسات التضييق على الحريات الدينية. ففي يوليو أُعتُقِلَ المواطن زهير حسين بوصالح لتنفيذ حكم سجن وجلد سابق كان قد صدر بحقه بتهمة تتعلق بممارسة حقه في العبادة ومنها الصلاة جماعة في منزله، ولايزال سجيناً حتى تاريخ التقرير، رغم إنتهاء مدة حكمه.

إضافة إلى ذلك فإن التعديلات التي أقرتها السعودية لم تشمل علاجاً لجميع الخطابات المناهضة للمكونات الدينية الداخلية، كما إن الإعتقالات لا تزال تمارس بسبب ممارسات دينية إعتيادية، أو بسبب نقاشات عامة بما يختلف مع الآراء الدينية المعتمدة رسمياً في الدولة، مثل إعتقال الشيخ حسن فرحان المالكي وبدء محاكمته وطلب النيابة العامة قتله لأنه يتبنى آراءً دينية تختلف عن الإيديولوجية الرسمية. وفي ندوة أقامتها المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان في 10 أكتوبر، أشار المتحدثون إلى أن السعودية تستخدم أيضاً تفسيرات دينية متشددة لإعدام الفئات الأكثر ضعفا والمعارضين، وهذا ما يتناقض بشكل صارخ مع ما تدعيه من الإنفتاح والوسطية.

تأكيدات ولي العهد الإعلامية وخاصة مع مجلة “ذا أتلانتيك” الامريكية، على أن الشيعة في السعودية يتمتعون بحياة طبيعية، وليس هناك مشاكل مع المذهب الشيعي، لم يَظهر على أرض الواقع ما يؤيدها. ففي سبتمبر منعت السعودية أهالي محافظة القطيف من إقامة موكب العزاء الموحد السنوي، وذلك ضمن عدة إجراءات قمعية إتخذتها ضد مناسبة عاشوراء السنوية، كما إنها أحتجزت بعض الرواديد الذين يشاركون بإلقاء القصائد في هذه الفعاليات، وحققت معهم لساعات.

أظهرت هذه الخطوات المتناقضة في التعاطي مع قضية الحريات الدينية، أن السعودية لاتتحرك وفق معايير واضحة، إذ لم تكن خطواتها منسجمة، وبدت فيها الإنتقائية بين خطواتها على صعيد التعامل الداخلي والخارجي.

الحقوق الثقافية

في سياق الإستهداف المستمر لحرية الكلمة، وفي سياق عدم إحترام السعودية للألوان الثقافية، قامت وبشكل ممنهج باستهداف شعراء عبروا عن آرائهم.

ففي يناير أشارت معلومات إلى أنه تم الحكم على أربعة شعراء بالسجن لخمس وعشر سنوات، وهم عبدالله عتقان السلمي، ومحمد عيد الحويطي، ومنيف المنقرة، وسلطان الشيباني العتيبي، قبل أن يتم الإفراج عنهم في فبراير، وذلك بعد إعتقالهم في أكتوبر 2017 بعد محاورة شعرية إنتقدوا خلالها ولي العهد ومستشاريه. وفي 18 مارس أشارت المعلومات إلى أنه تم الإفراج عن الشاعر محمد بن حزمي القرني بعد أكثر من شهرين على إعتقاله من دون توجيه أي تهمة له.

المواقف الدولية

زادت خلال 2018 وتيرة إنتقادات الدول لممارسات السعودية. فخلال الدورة السابعة والثلاثين لمجلس حقوق الإنسان التي بدأت في 26 فبراير، دعت آيسلندا إلى محاسبة الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان على الإنتهاكات التي تقوم بها وبينها السعودية، واصفة حربها على اليمن بالغبية. كما أبدت النرويج قلقها من الوضع الخطير الذي يعيشه المدافعون عن حقوق الإنسان في السعودية. من جهتها أشارت آيرلندا إلى القلق العميق من إستمرار السعودية بإستخدام عقوبة الإعدام، فيما أثارت أستراليا قلقها من تطبيق عقوبة الإعدام ضد الأطفال.

وخلال الدورة الثامنة والثلاثين التي بدأت في 18 يونيو، دعت النرويج السعودية إلى الإلتزام بتعهداتها بصفتها عضو في مجلس حقوق الإنسان وأبدت قلقها من إنتهاكات المحامين والصحفيين والنساء، فيما اعتبرت آيسلندا أن خطوة السعودية برفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة غير كافية مبدية قلقها من تصاعد الإعدامات. من جهتها إنتقدت ألمانيا إعدامات السعودية وأكدت أنها تنتهك القانون الدولي وتستهدف أطفالاً وتتجاهل شكاوى التعذيب. الإتحاد الأوروبي أشار بدوره إلى أوضاع المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان مشدداً على أنها لا تتسق مع رؤية 2030، بينما شددت بلجيكا أن إنتهاكات السعودية تقوض إدعاءات الإصلاح.

وخلال الدورة التاسعة والثلاثين لمجلس حقوق الإنسان التي أفتتحت في 10 سبتمبر، عبرت فنلندا عن قلقها من إعتقال نساء مدافعات عن حقوق الإنسان، وكذلك فعلت فرنسا، فيما وصفت آيسلندا مطالب الإعدام الأخيرة بالمروّعة. من جهتها دعت النرويج السعودية إلى حماية الحريات وتأمين بيئة عمل المدافعين عن حقوق الإنسان، فيما كررت آيسلندا مخاوفها من إنتهاك السعودية لمعايير مجلس حقوق الإنسان الأساسية، ورأت بلجيكا أن إنتهاكات حقوق الإنسان تهدد مصداقية وعود السعودية، أما الإتحاد الأوروبي فشدد على قلقه البالغ من التقارير التي أشارت إلى أن النيابة العامة طالبت بالإعدام لنشطاء، كما أبدى قلقه من الإعتقالات التعسفية التي إعتبر أنها تأتي في ظل الترويج لتغييرات وإصلاحات ضمن رؤية 2030 التي أعلنت عنها السعودية.

وضمن الدورة الواحدة والثلاثون للفريق العامل المعني بالإستعراض الدوري الشامل، قدمت السعودية تقريرها الوطني الثالث، والذي كان عبارة عن محاولة حثيثة للتضليل عبر تقديم وقائع ومعلومات مزيفة عن واقع حقوق الإنسان في البلاد، وقد تلقت على إثر التقرير مئآت التوصيات من عشرات الدول، تحثها فيها على إصلاح الواقع المتردي.

وخارج إطار مجلس حقوق الإنسان، في يونيو وصفت وزيرة الخارجية النرويجية ماري اريكسن سورايد أمام البرلمان وضع المرأة في السعودية بغير المقبول، معتبرة أنه يثير تساؤلات حول جدّية الحديث عن الإصلاح. وفي أغسطس أعربت كندا عن “قلقها الشديد” حيال موجة جديدة من الاعتقالات طالت ناشطين في مجال حقوق الإنسان، وبينهم الناشطة سمر بدوي، أدى هذا إلى توتر العلاقات بين السعودية وكندا.

وفي 30 مايو أصدر البرلمان الأوروبي قراراً حول أوضاع حقوق الإنسان في السعودية، دعاها فيه إلى وضع حد لإضطهاد المدافعات المعتقلات في مايو لجين وعزيزة وإيمان وغيرهن، مديناً قمع النشطاء والناشطات، ومشيداً بهم في ذات الوقت، وداعياً لمراجعة نظام المؤسسات والجمعيات الأهلية، ولإجراء فوري لإيقاف عقوبة الإعدام كخطوة تجاه إلغاءها، وإلى إنهاء تأجيج الكراهية والتمييز ضد الأقليات الدينية.

الهيئات الأممية

السعودية دولة عضو في مجلس حقوق الإنسان للمرة الرابعة، كما أنها صادقت على كل من: اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية 1950، اتفاقية حقوق الطفل 1996، الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري 1997، اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة 1997، اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة 2000، اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة 2008.

إنتهاك السعودية لإلتزاماتها الدولية دفع نحوها المزيد من الإنتقادات. فمنذ بداية 2018 بدأت الأجهزة الأممية بإنتقاد ملفها الحقوقي، ففي 2 يناير أصدر 5 مقررون في الأمم المتحدة بياناً أشارو فيه إلى تدهور أوضاع حقوق الإنسان في السعودية وطالبوا بحماية المجتمع المدني، معبرين عن أسفهم لإستمرارها في إستخدام قوانين مكافحة الإرهاب والقوانين المتعلقة بالأمن ضد المدافعين عن حقوق الإنسان.

وفي مارس دعى 7 مقررون السعودية إلى وقف أحكام إعدام تهدد حياة عباس الحسن وآخرين متهمين بالتجسس لإيران، كما أبدوا قلقهم من تعرض المعتقلين للتعذيب أثناء أستجوابهم للحصول على إعترافات.

وفي أبريل إنتقد المقرر الخاص المعني بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان السيد ميشيل فورست في تقريره السنوي، تعاطي السعودية مع الآليات الأممية، مشيراً إلى أن الحجج التي تقدمها لتبرير ممارساتها بحق المدافعين عن حقوق الإنسان، لاتتسق مع المعايير الدولية.

في يونيو وصف خبراء ومقررون في الأمم المتحدة ممارسات السعودية فيما يتعلق بحقوق الإنسان بالمتناقضة بشكل صارخ، داعينها إلى الإفراج الفوري عن المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان.

في أكتوبر أدان خبراء ومقررون تابعون للأمم المتحدة، وبشدة، ممارسات السعودية بحق المدافعات عن حقوق الإنسان، وطالبوها بشكل عاجل بالإفراج غير المشروط عنهن ورفع التهم الموجهة لهن.

وفي يونيو أرسل 7 خبراء ومقررون في الأمم المتحدة رسالة إلى السعودية، طلبوا فيها إيضاحات ومعلومات حول قضايا إعتقال طالت كل من لجين الهذلول وإيمان النفجان وعائشة المانع ومحمد البجادي.

وبمناسبة اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة بحق صحفيين، صدر في أكتوبر بيان عن مقررون وخبراء في الأمم المتحدة، أكدو فيه أن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي فشلوا في التصدي للإختفاء القسري والقتل الذي تعرض له الصحفي السعودي جمال خاشقجي، معتبرين أن الوقائع الأخيرة أثبتت مرة أخرى التوسع الكبير في التحريض السياسي ضد الصحفيين.

وفي بيان في أكتوبر، حث المقررون والخبراء السعودية على الإيقاف الفوري عن إعدام كل من علي النمر وداوود المرهون وعبد الله الزاهر ومجتبى السويكت وسلمان آل قريش وعبد الكريم الحواج، وهم معتقلون منذ أن كانوا أطفالا أو وجهت لهم تهم ترجع لإعمارهم وهم أطفال.

وفي يوليو طالب الفريق العامل المعني بالإحتجاز التعسفي، في رأي قانوني أصدره، بالإفراج الفوري عن المدافع عن حقوق الإنسان وليد أبو الخير، وبالتحقيق بالظروف المحيطة بحرمانه من الحرية وإتخاذ التدابير المناسبة ضد المسؤولين عن إنتهاك حقوقه، مبديا قلقه من أن إعتقاله جزء من ممارسات السعودية التي قد تشكل جرائم ضد الإنسانية.

في مارس قدمت لجنة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة توصياتها الختامية إلى السعودية، والتي تضمنت توصيات بتعديل القوانين وحماية النساء وتعزيز دور المدافعات عن حقوق الإنسان.

وفي أكتوبر وخلال دورتها العشرين، أصدرت اللجنة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التابعة للأمم المتحدة قراراً بشأن قضية المتظاهر المعاق والمحكوم بالإعدام منير آدم، معتبرة فيه أن السعودية منتهكة لالتزاماتها بموجب قانون حماية الأشخاص ذوي الإعاقة ودعتها إلى تزويده بسبل الانتصاف الفعالة، بما في ذلك التحقيق في ادعاءاته بالتعذيب.

كما انتقدت المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة وفي أكثر من مناسبة ممارسات السعودية، وذلك بتكرار لم يُعهد من المفوضية في السنوات السابقة، ففي مايو سلط بيان للمفوضية الضوء على قضية إختفاء نواف الرشيد وإعتبرت أنه في إطار ممارسات السعودية التعسفية في الإعتقالات. وفي مايو أيضا أصدرت المفوضية بيانا أبدت فيه إنزاعاجها داعيةً السعودية إلى الإفراج عن المعتقلين والمعتقلات على خلفية نشاطهم الحقوقي وضمان حمايتهم.

وفي يوليو أبدت المفوضية قلقها من إستمرار الإعتقالات التعسفية لمدافعين ومدافعات عن حقوق الإنسان وناشطين في السعودية، بما فيهم مدافعين عن حقوق المرأة ودعت إلى إطلاق سراحهم.

ومع تسلم المفوضة السامية السيدة ميشيل باشيليت ولايتها، أثارت في 10 سبتمبر في كلمة إفتتاحية للدورة التاسعة والثلاثين لمجلس حقوق الإنسان، ملف السعودية، مبدية قلقها الشديد من الإنتهاكات التي تناقض الوعود الرسمية.

وخلال 2018 راسل المقررون الخاصون السعودية حول عدد من القضايا، وطالبوا بإيضاحات حول ماتضمنته من إنتهاكات. ففي فبراير راسل المقررون السعودية حول قضايا 32 معتقلا يواجهون خطر الإعدام. وفي مارس أرسل المقررون الخاصون إلى السعودية رسالة حول الحرب في اليمن. كما أرسلوا حول قضية الناشطة نهى البلوي في مارس.

في يونيو أرسل المقررون الخاصون رسالة حول إعتقال كل من إيمان النفجان ولجين الهذلول ومحمد البجادي. كما أرسلوا في يونيو رسالة حول قضايا تتعلق بالحرب على اليمن. في يوليو أرسل المقررون الخاصون رسالة حول المدافع عن حقوق الإنسان خالد العمير. وفي أغسطس وصلت إلى السعودية رسالتان، الأولى حول الحرب على اليمن، والثانية حول الحصار المفروض على قطر.

في أكتوبر وصلت إلى السعودية 3 رسائل من المقررين الخاصين، الأولى حول الصحفي جمال خاشقجي. أما الثانية فتتعلق بقضايا ست نساء معتقلات: إسراء الغمغام وسمر بدوي ونسيمة السادة ونوف عبدالعزيز ومياء الزهراني والدكتورة هتون الفاسي. فيما سألت الرسالة الثالثة التي وجهها المقررون، عن قضايا 6 أطفال محكومين بالإعدام: علي النمر وداوود المرهون وعبدالله الزاهر ومجتبى السويكت وسلمان قريش وعبدالكريم الحواج.

تجاهلت السعودية بعض رسائل المقررين ولم تقم بالرد، وقدمت ردوداً سلبية على رسائل أخرى.

الخاتمة

بلغت بعض الإنتهاكات التي قامت بها السعودية خلال 2018 مبلغاً غير مسبوق في تاريخ البلاد، فقد برزت أصناف ومستويات من الجرائم والإنتهاكات لم ترتكبها من قبل، من حيث حملات الإعتقال الواسعة التي طالت النساء وطلب الإعدام بحق مدافعة عن حقوق الإنسان، وقتل وتقطيع صحفي بشكل سادي في قنصليتها التي من المفترض أن تكون في خدمة وحماية مواطنيها في الخارج.

أتى التدهور في أوضاع حقوق الإنسان متزامنا مع وعود لولي العهد بالإصلاح، ما نهج التضليل المعتمد في التصريحات الرسمية وافتقادها للمصداقية.

إن التدهور الحاصل في 2018، أثبت أن السيطرة الأحادية على السلطة خطر بالغ على حقوق الإنسان، كما أثبت أن التصريحات لاتتحقق دونما هيكل مؤسساتي مستقل، يتيح بيئة ملائمة لعمل مجتمع مدني فاعل وإعلام حر، قادر على القيام بدور حيوي في وقف الإنتهاكات والجرائم التي ترتكب في حق الإنسان.

إن ما جرى في 2018 يوضح إفتقار السعودية وبشكل حاد، لنظام حكم رشيد، يشتمل على: الاحترام التام لحقوق الإنسان، وسيادة القانون، والمشاركة الفعالة، والتعددية السياسية، والعمليات والمؤسسات الشفافة والخاضعة للمساءلة، والتمكين السياسي للناس، والمساواة. إن غياب الشفافية والمساءلة والمشاركة والإستجابة لإحتياجات الناس كانت من الخصائص البارزة التي إتسم بها الحكم في السعودية في عهد الملك سلمان وخلال 2018.

AR