الحكومة السعودية: سياسة تعسفية ممنهجة تسوغ إحتجاز وإخفاءالجثامين وحرمان ذوي الضحايا من دفن أبنائهم

20 أكتوبر، 2018

قد يضاف جثمان الصحفي جمال خاشقجي الذي أعترفت السعودية في 19 أكتوبر 2018 بأنه قتل في قنصليتها في تركيا، بعد أن دخلها في 2 أكتوبر 2018، إلى قائمة طويلة من الجثامين المحتجزة لدى الحكومة السعودية.

فقد قامت الحكومة السعودية وفي فترات متفاوتة من حكمها بممارسة إحتجاز جثامين ضحايا التعذيب والقتل خارج نطاق القضاء أو بإجراءات تعسفية، ولكنها منذ يناير 2016، عاودت بشكل ممنهج وملحوظ إحتجاز العديد منها، وإخفاء مصيرها عن ذويهم. هذا السلوك المخالف للقانون الدولي، وتعاليم الدين الإسلامي التي تزعم السعودية أنها تستقي منه أنظمتها، ترك أسر الضحايا في عذابات نفسية لا إنفكاك منها ولا مهرب من الخروج من دائرتها.

لم تستجب السعودية للكثير من النداءات والمطالب التي تدعوها لإيقاف عقوبة الإعدام، أو التخفيف منها، غير إن سلوكها المشين بإحتجاز الجثامين، أفصح عن استهتار بالغ بالحدود الإنسانية والقانونية، وكشف عن مستوى أعمق من إضطهاد الشعب، ويأتي هذا في إتجاه معاكس تماما لماينبغي للسعودية أن تمتثل له في التوقف عن إنتهاك الحق في الحياة.

وصل عدد الجثامين التي تحتجزها السعودية والتي تطالب بها أسرهم، حتى أكتوبر 2018، إلى 32 جثمانا، قتلتهم بطرق مختلفة.

المحكومين إعدام:

نفذت السعودية عقوبة الإعدام بحق أشخاص مارسوا حرية التعبير السلمية، ما يعكس استعدادها لاستباحة حق المعارضين في الحياة متى ما أرادت. ففي 2 يناير 2016 نفذت الحكومة السعودية أحكام إعدام جماعية طالت 47 شخصا، كان من بينهم المطالب بالعدالة الإجتماعية الشيخ نمر النمر. وكذلك الأطفال مصطفى أبكر ومشعل الفراج وعبدالعزيز الغامدي. وكذلك الطفل المتظاهر علي آل ربح، والمتظاهر محمد الشيوخ.

كذلك محمد الصويمل الذي لم توجه له أي تهمة فيها قتل أو دم. وكذلك كان بين المقتولين المعاق ذهنياً عبدالعزيز الطويلعي.

ولم تكتف الحكومة السعودية بتنفيذ تلك الأحكام الجائرة وتجاهل كافة الإنتقادات الدولية وحسب، بل إستكملت سلسلة الإنتهاكات والجرائم، بإحتجاز بعض الجثامين.

أحصت و تأكدت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، بإن عددا من الضحايا الذين تعترف السعودية بشكل علني بقتلهم،لم تُسلم إلى العائلات، على الرغم من مطالبتهم بها.

بعض العائلات أصدرت بعدتنفيذ الإعدامات بيانات طالبت فيها باستلام جثامين ذويهم،لدفنهم وفق رغبتهم أو وفق وصاياهم، كما قدمت بعض العائلات مطالبات متعددة للجهات الرسمية.

وفي يوليو 2017، نفذت الحكومة السعودية وجبة إعدام أخرى بحق ضحايا حكموا بالإعدام بعد محاكمة أفتقدت إلى حد كبير لأبسط شروط المحاكمات العادلة، كان ضحاياها يوسف المشيخص، أمجد المعيبد، زاهر البصري، ومهدي الصايغ. وجهت لهم تهما تتضمن ممارسة حرية التعبير والتظاهر، وتهماً أخرى تتضمن ممارسة عنف دون أدلة ملموسة عدا عن إعترافات تحت التعذيب والإكراه، ولم يكن بين التهم مايندرج ضمن الجرائم الجسيمة. وبعد معرفة العائلات بتنفيذ الإعدام عبر وسائل الإعلام، نشروا بيانا طالبوا فيه “بتسليم الجثامين”.

القتل خارج نطاق القضاء:

منذ العام 2011 استخدمت الحكومة السعودية العنف المفرط ضد المطالبين بالحقوق، بعد أن خرجوا في مظاهرات تطالب بالحريات السياسية والحقوق المدنية، والإفراج عن المعتقلين. أدى العنف المفرط المتصاعد، إضافة إلى الإضطهاد والتنكيل وسحق الكرامة عبر التعذيب والمعاملة المهينة والحاطة بالكرامة، إلى توليد عنف مضاد لدى البعض. وبين أكتوبر 2011 حتى أغسطس 2018 قتلت الحكومة وفي سياق إستخدامها للعنف المفرط والإجراءات التعسفية، 83 شخصاً على الأقل في القطيف فقط، وذلك بطرق متنوعة، بعضها بالتعذيب وبعضها بالإعدام التعسفي، إغتيالات الشوارع، الحرق، مداهمات، وحالات قتل في السجون لايتسنى التحقيق فيها لعدم وجود إستقلال قضائي.

بعد الإعدام الجماعي في يناير 2016، جددت السعودية وبشكل واضح نهج احتجاز الجثامين من ضحايا العنف المفرط والقتل بإجراءات موجزة أو تعسفية،ومنذ ذلك الحين فقط، حتى قضية الصحفي جمال خاشقجي الذي أعترفت السعودية في 19 أكتوبر 2018  بإنه قتل في قنصليتها على أيدي أشخاص تابعين لها، ولم تقدم أي إشارات رسمية حتى الآن على مصير جثمانه، بلغ عدد الجثامين المحتجزة 32، من بينهم الطفل وليد العريض، الذي قتلته القوات الحكومية ثم ادعى الإعلام الرسميأنه مطلوب وإرهابي.

تبريرات الحكومة السعودية:

قدّمت معظم عائلات المواطنين الذين قتلوا على أيدي القوات السعودية،خطابات إلى الجهات الرسمية، مثل هيئة حقوق الإنسان الرسمية، ووزارة الداخلية، وإمارة المنطقة الشرقية، يطالبون فيها بتسليم جثامين أبنائهم لدفنهم بحسب معتقداتهم الدينية ورغبتهم، كما عمدت بعض العائلات إلى نشر بيانات علنية كرروا فيها المطلب ذاته، إلا أن ذلك كله قوبل بالرفض أو التجاهل.

فبحسب عائلة الشيخ نمر النمر، ردت الحكومة السعودية بإنها لن تسلم جثمانه، معللة ذلك بإنه دفن في مقابر “المسلمين”، في وقت يتم إعتبار الشيعة في كثير من الكتب التعليمية وغيرها، المطبوعة على نفقة الحكومة، أن الشيعة “مشركين وكفار”. أما الضحيتين محمد طاهر النمر و مقداد محمد النمر، فقال أحد المسؤولين في جهاز المباحث ردا على طلب إستعادة الجثمانين، بأن وزارة الداخلية -قبل أن تنتقل صلاحياتها لجهاز رئاسة أمن الدولة- أصدرت قراراً بمنع تسليم الجثامين. فيما قوبل طلب عائلة عبد الرحيم الفرج بالرفض من قبل مكتب أمير المنطقة الشرقية الذي قال أن القرار صدر من الرياض بعدم تسليم الجثمان للأسرة.

تناقضات عديدة حملها رفض الجهات الرسمية السعودية لتسليم الجثامين إلى العائلات، حيث أشارت بعض المصادر المقربة من العوائل، إلى أن الحكومة تبرر إحتجاز الجثامين كون الضحية أحد الموجودين على قوائم المطلوبين مسبقاً، غير أن هناك 15 ضحية على الأقل من بين الـ 31 لم يكونوا على قوائم المطلوبين بحسب تتبع المنظمة.

إضافة إلى ذلك فإنه لاتوجد قوانين محددة لمسألة تسليم الجثامين إلى العائلات، إذ تنقل صحيفة رسمية عن مصادر مسؤولة بالمحكمة العامة، أن المحكمة عندما تصدر حكما بقتل أي جانٍ فإنه لا علاقة لها بموعد التنفيذ أو آلية التنفيذ أو تسليم جثامين المحكومين بالقصاص لذويهم، وأن تسليم الجثمان أو عدم تسليمه يقع “خارج اختصاص المحكمة ويتم وفق التعليمات المبلغة لجهات الاختصاص وفق ما يحقق المصلحة العام”، ما يعني أن القضاء مُهيمن عليه من الملك والمتنفذين حوله، ولايمكنه التدخل في هذه الإنتهاكات.

إنتهاكات القانون الدولي:

بحسب القانون الدولي لحقوق الإنسان، فإن إحتجاز الحكومة السعودية للجثامين، يعتبر إنتهاكاً واضحاً للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، إلى جانب كونه إنتهاك لإتفاقية حقوق الطفل التي إنضمت لها السعودية، وغيرها من المعاهدات والقوانين.

قالت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في الفقرة 11-10 من قرارها (CCPR/C/106/D/2120/2011) الصادر في نوفمبر 2012، الذي يتعلق يإحدى القضايا التي نظرتها والتي تتضمن إمتناع إحدى الحكومات عن الإخبار بوقت تنفيذ حكم الإعدام وتسليم الجثمان ومكان دفنه: “وتدرك اللجنة أن المعاناة والكرب الذهني المستمرين اللذين تعرضت لهما صاحبتا البلاغ، بوصفهما والدة السجين المنفذ فيه حكم الإعدام وشقيقته، من خلال استمرار الشكوك المحيطة بالملابسات التي أدت إلى إعدامه، وبالمكان الذي يوجد فيه قبره. كما أن السرية التامة المحيطة بتاريخ تنفيذ الإعدام ومكان الدفن، فضلاً عن رفض تسليم الجثة للدفن طبقاً للطقوس والمعتقدات الدينية لأسرة الشخص المنفذ فيه حكم الإعدام، لها أثر تخويف الأسرة أو معاقبتها من خلال تركها عمداً في حالة من الشكوك والكرب الذهني. وبالتالي تخلص اللجنة إلى أن هذه العناصر، مجتمعة، وما لحق ذلك من تقصير مستمر من جانب الدولة الطرف في إخطار صاحبتي البلاغ بالمكان الذي يوجد فيه قبر السيد …، إنما هي بمثابة معاملة لا إنسانية لصاحبتي البلاغ، انتهاكاً للمادة 7 من العهد”.

إضافة إلى ذلك قال المقرر الخاص المعني بالإعدام خارج نطاق القضاء، في الفقرة 27 من تقرير (E/CN.4/2006/53/Add.3) المقدم إلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في مارس 2006: “وبالنسبة للسجين وأسرته أو أسرتها، فإن المسألة الأخرى هي أن إنعدام الشفافية – حيث يعتبر إنتظار إعدام شخص تجربة مروعة بالفعل -قد يؤدي إلى “المعاملة أو العقوبة اللاإنسانية أو المهينة”.

وبما أن من بين الضحايا اللذين احتجزت أو غيبت جثامينهم، من ترك أولاداً بينهم أطفال، مثل، “الشيخ نمر النمر – يوسف المشيخص – محسن الآجامي – علي السبيتي – سلمان الفرج – الصحفي جمال خاشقجي”، فإن الحكومة السعودية إنتهكت أيضا إتفاقية حقوق الطفل التي كانت قد صادقت عليها، والتي تؤكد في مادتها 9 الفقرة 4، على أنه في حالات تعريض أحد الوالدين أو كليهما أو الطفل للاحتجاز أو الحبس أو النفي أو الترحيل أو الوفاة (بما في ذلك الوفاة التي تحدث لأي سبب أثناء احتجاز الدولة الشخص)، “تقدم تلك الدولة الطرف عند الطلب، للوالدين أو الطفل، أو عند الاقتضاء، لعضو آخر من الأسرة، المعلومات الأساسية الخاصة بمحل وجود عضو الأسرة الغائب”.

ومن بين ما يتداوله نشطاء، ولم تعترف بها الحكومة السعودية حتى اللحظة، فإن هناك أنباء عن موت أو قتل الشيخ سليمان الدويش المعتقل منذ 22 أبريل 2016 بعد إنتقاداته لمحمد بن سلمان، وأنباء عن موت أو قتل الشيخ سفر الحوالي المعتقل منذ يوليو 2018. وإذا تأكدت هذه الأنباء سيرتفع عدد الجثامين المحتجزة إلى 34 جثمانا.

إن المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان ترى أن الجثامين الإثنتين والثلاثين، محتجزة بشكل جائر من قبل الحكومة السعودية، بما يخالف القوانين الدولية، ويعد احتجازها إيغال في الإنتهاكات التي إرتكبتها بحق الضحايا، سواء من قتلتهم من خلال إجراءات قضائية تعسفية، أو من قتلتهم عبر إستخدام العنف والقتل خارج نطاق القضاء، كما إن إحتجازها يمثل عذابات نفسية على العائلات.

إن الحكومة السعودية مطالبة بتسليم كل الجثامين التي لا زالت تحتجزها إلى العائلات، وإيقاف العذاب النفسي المستمر التي تعاني منه الأسر، عبر تلبية حقهم بدفن أبنائهم وفقا لرغبتهم أو وصايا الضحايا، كما تشدد المنظمة على أن قتلهم بتلك الطرق يستدعي التحقيق ومحاسبة كافة المسؤولين عن عمليات قتل خارج نطاق القضاء أو بموجب محاكمات لم تتسم بشروط العدالة.

AR