السعودية تحكم بسجن المدافع عن حقوق الإنسان الشيخ الحبيب 7 سنوات جراء مطالب حقوقية وانتقاد لغة الكراهية الرسمية

11 يوليو، 2018

في سياق حملة صارمة تقودها المملكة العربية السعودية ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين وأصحاب الرأي، تصاعدت منذ تولي الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم في البلاد، أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة بالرياض في 4 يناير 2018 حكماً بالسجن لمدة 7 سنوات بحق المدافع عن حقوق الإنسان الشيخ محمد حسن الحبيب.

وكانت المحكمة ذاتها قد اصدرت حكما بالبراءة من جميع التهم بحق الشيخ الحبيب في 10 يوليو 2017 في الجلسة السادسة عشر من محاكمته، بيد أن محكمة الاستئناف الجزائية المتخصصة لم تصادق على حكم البراءة وارجعت ملف القضية مرة أخرى للمحكمة بعد عجز النيابة العامة في إثبات الدعوى، وإذ بها تصدر حكما بسجنه لمدة 7 سنوات، لتصادق عليه محكمة الإستئناف الجزائية المتخصصة، ليصبح حكما نهائياً غير قابل للنقض.

اعتقل الحبيب بدون إبراز مذكرة إيقاف في 8 يوليو 2016 أثناء سفره لدولة الكويت عبر منفذ الخفجي البري الحدودي في نقطة الجمارك، وبعد 13 يوماً في 21 يوليو 2016 اقتحمت قوات من المباحث السعودية منزله بلا مذكرة تفتيش أيضاً، وصادرت العديد من أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة الخاصة بأسرته.

اقتيد في بادئ الأمر إلى جهة مجهولة بعد اعتقاله، ولم يمنح حقه في الاتصال أو الزيارة الأسرية إلا بعد أربعة أشهر، ولم تكن حالته الصحية على ما يرام بعد فترة الحبس الأنفرادي في زيارته الأسرية الأولى. حرم من حقه الأساسي في الاستعانة بمحام طوال فترة التحقيق التي أستمرت عدة أيام، ولم يمكن من توكيل محام إلا في الجلسة السابعة، في مخالفة صارخة لنظام الإجراءات الجزائية المحلي، وللقانون الدولي.

الشيخ الحبيب رجل دين بارز من محافظة القطيف، دعا في عددا من خطاباته لإجراء إصلاحات سياسية، والسماح بحرية التعبير، والإفراج عن المعتقلين على خلفية ممارستهم لحقهم في التعبير، كما ساند المطالب المشروعة الشعبية التي انطلقت في 2011.

ادانت المحكمة الجزائية المتخصصة -وهي محكمة سيئة الصيت أُسست للفصل في قضايا الإرهاب- الشيخ الحبيب بتهمتين فضفاضتين، وهما “دعوة الناس للفتنة” و”الطائفية”، وذلك استنادا لأجزاء من خطب عديدة كان قد ألقاها بعد تفجيرات نفذتها داعش في مساجد وحسينيات للشيعة، طالب فيها الحكومة باتخاذ قرارات حاسمة للعمل حيال ثقافة الكراهية والطائفية وتكفير الشيعة في المناهج الدراسية الرسمية، وانتقد فيها مواقف رجال دين حكوميين تجاه الشيعة، وطالب بالاعتراف رسمياً بالمذهب الشيعي. يستدل تنظيم داعش بنصوص دينية تدرس في المناهج السعودية الرسمية تعتبر المواطنين الشيعة كفارا، إلى جانب أقوال رجال دين سعوديين.

بالرغم أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تعهد بفك الارتباط مع الممارسات (المتطرفة) والمتشددة التي عُرِفت بها حكومته وذكر أنه سيقوم (بتدميرها) وذلك في أكتوبر 2017 حين إفتتاح مؤتمر مبادرة مستقبل الإستثمار، إلا أنه وبعد قرابة شهرين من هذا التعهد، استخدمت المحكمة الجزائية المتخصصة نصوصا دينية وفق فهم متشدد في معرض تبريرها ادانة الشيخ الحبيب، إضافة إلى الاستعانة بأقوال رجال دين معروفين بالتشدد أيضاً، ما يؤكد أن تعهد ولي العهد بإرجاع بلاده إلى الإسلام الوسطي مجرد عملية ترويجية لم تترجم عمليا. من بين ما استشهد به القاضي لتسويغ حكمه بحق الحبيب قول اقتبسه من كتاب السياسة الشرعية لتقي الدين الحراني المشهور بابن تيمية، كما جاء في صك الحكم: “والمعاصي التي ليس فيها حد مقدر ولا كفارة… فهؤلاء يعاقبون تعزيراً وتنكيلاً وتأديباً بقدر ما يراه الوالي على حسب حال المذنب كان من المدمنين على الفجور زيد في عقوبته بخلاف المقل من ذلك على حسب كبر الذنب وصغره”. ويعتبر جملة من رجال الدين الذين يتم الاستشهاد بأقوالهم في معرض تبرير إصدار الأحكام أن الاختلاف مع سياسات الحكومة بمثابة خروج على الحاكم، ما يستوجب بحسب اعتقادهم السجن والقمع بحق من يبدي وجهة نظر مختلفة. وبحسب متابعة المنظمة لحالة حقوق الإنسان ومجريات محاكمة النشطاء وأصحاب الرأي، لاحظت أن قضاة المحكمة الجزائية المتخصصة يمتلكون ترسانة ضخمة من الأقوال والنصوص الدينية المتشددة التي تستخدم بطريقة فضفاضة لإدانتهم، إلى جانب قانون الإرهاب سيء الصيت ونظام مكافحة جرائم المعلوماتية.

تأتي محاكمة الشيخ الحبيب في سياق حملة قمع شرسة ومتواصلة لا هوادة فيها، تستهدف صحفيين، أصحاب رأي، رجال دين، مدافعين ومدافعات عن حقوق الإنسان، حيث يقبع الكثير من نشطاء المجتمع المدني خلف القضبان، وآخرين ممنوعين من السفر أو مهددين بالاعتقال أو تجري محاكمتهم، ما يبرز نهج الإستئصال القاسي الذي تمارسه السعودية تجاه المجتمع المدني.

تعتقد المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن إدانة المدافع عن حقوق الإنسان الشيخ محمد الحبيب بـ “الطائفية” و “دعوة الناس للفتنة” ليست مبنية على أدلة، وإنما هي عملية انتقامية منه جراء مطالباته الإصلاحية، ودعوته بالإفراج عن جميع المعتقلين على خلفية حرية التعبير، ومطالبته الحكومة باتخاذ خطوات إصلاحية للمناهج الدراسية الدينية الرسمية، وانتقاده لمواقف رجال دين حكوميين تجاه الشيعة، كما تؤكد المنظمة أن محاكمته شابتها خروقات قانونية صارخة للقانون المحلي والدولي.

AR