بعد تعذيب ومحاكمة غير عادلة السعودية تعدم 4 سجناء بعض تهمهم التظاهر ولم يتهموا بجرائم جسيمة

12 يوليو، 2017

في 11 يوليو 2017، أقدمت المملكة العربية السعودية على إعدام 4 معتقلين: أمجد المعيبد، يوسف المشيخص، زاهر البصري، ومهدي الصايغ. إن المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان تؤكد أن إعدامهم خالف القوانين الدولية والمحلية بشكل سافر، واشتمل على كثير من التجاوزات والإنتهاكات، ولم يتضمن مايشير إلى مراعاة جادة “لحق الحياة”، المنصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته الثالثة التي تؤكد أن “لكلِّ فرد الحقُّ في الحياة والحرِّية وفي الأمان على شخصه”. ومن خلال ماتسنى للمنظمة متابعته ورصده من مجريات محاكمة أثنين منهم، فقد افتقرت إلى شروط المحاكمة العادلة في كافة المراحل، من الإعتقال إلى التحقيق وصولا إلى المحاكمة وإصدار الحكم وتنفيذه.

إضافة إلى ذلك، تضمن إعدام المعتقلين الأربعة، مقدمات صارخة لإتفاقية مناهضة التعذيب التي انضمت لها السعوية في سبتمبر 1997، والتي تحظر الأخذ بتهم تم إنتزاعها بواسطة التعذيب: “تضمن كل دولة طرف عدم الإستشهاد بأية أقوال يثبت أنه تم الإدلاء بها نتيجة للتعذيب كدليل في أية إجراءات”، المادة 14.

فبالنسبة لقضية يوسف المشيخص، فقد تعرض خلال التحقيق للضرب بالخيزران وبالأسلاك الكهربائية على مختلف أنحاء جسده، كما تم تكبيله وتمديده على الأرض وضربه من قبل 4 من العساكر حتى الإدماء، وضربه بطريقة الفلكة، وتسهيره. إضافة إلى ذلك تعرض للشتم والألفاظ الغير أخلاقية، وشتم وإهانة المعتقدات الدينية، والإحتجاز في زنزانة إنفرادية لأكثر من 3 أشهر مصحوبة بحرمان من الزيارة العائلية. ترك التعذيب آثاراً على جسده. أكد المشيخص أمام القاضي أنه أجبر على التوقيع على إعترافات كتبها المحقق تحت التعذيب، إلا أن القاضي إكتفى بالإطلاع على تقرير طبي صادر من المستشفى الحكومي الموجود داخل سجن المباحث، نفى تعرضه للتعذيب وقال بأنه يتمارض، وبناء على تلك التهم صدر حكم الإعدام.

أما أمجد المعيبد، فإنه وفي أول زيارة له بعد خروجه من الزنزانة الانفرادية، لاحظت أسرته انخفاضا ملحوظا في وزنه مع وجود آثار تعذيب على جسده، نتيجة لتعرضه للضرب الشديد والصعق بالكهرباء.

وفيما يتعلق بزاهر البصري، فقد اعتقل في 20 يونيو 2013، خلال إدخاله إلى غرفة العمليات لإجراء عملية جراحية في رجله. منع البصري من العلاج، وبقي 14 يوما في زنزانة إنفرادية تعرض خلالها للتعذيب والضرب، بما فيه الضرب على رجله المصابة، بهدف إنتزاع إعترافات منه. منع البصري من التواصل مع عائلته لمدة عام.

بيان وزارة الداخلية الذي صدر بعد تنفيذ الإعدامات، أفتتح بآيات قرآنية وأحاديث تتحدث عن القتل، والقتل المتعمد، وقال انهم استباحوا الدماء في إشارة لسفك الكثير من الدماء، بينما لم تنطوي التهم الرسمية الموجهة لهم على أي جريمة قتل. كما روجت بعض وسائل الإعلام الرسمية والواسعة الإنتشار أن القتل كان “قصاصا” والذي يعني أن قتلهم كان عقوبة مماثلة لقتلهم آخرين، بينما لم يحدث ذلك.

وبحسب جزء توفر للمنظمة من لائحة التهم الرسمية المتعلقة بأمجد المعيبد، فإن إقراراته في التحقيق جاءت كالتالي:

1.      المشاركة في العديد من التجمعات المثيرة للشغب في القطيف وتاروت وترديد هتافات: (وياك وياك يا أم السجين – هيهات منا الذلة – السجناء المنسيون ليسوا هم الإرهابيين – لبيك يا سجين لبيك يا أسير – الموت لآل سعود – الشعب يريد إسقاط النظام – الشعب يريد إسقاط آل سعود – القصاص لمن أطلق الرصاص).

2.      حمل لافتات في المظاهرات تطالب بالافراج عن السجناء مع ترديد هتافات وعبارات مسيئة للدولة، ومظاهرات أخرى رفع فيها علم البحرين.

3.      إقراره أنه وبعد انتشار خبر مقتل ناجي المحيشي وعلي الفلفل على يد القوات أصبح يشارك في المظاهرات أشخاص ملثمين.

4.      حمله لمكبر صوت أثناء المظاهرات.

5.      مشاركته في سبعة تجمعات لمثيري الشغب في حي الشويكة في محافظة القطيف كان يطالب فيها رفاقه بالخروج على الدولة وولاة الأمر.

6.      المشاركة في تشييع من قتلوا أثناء مواجهات مع رجال الأمن.

أما يوسف المشيخص، فإنه وبحسب ماورد من تهم وعبارات في صك الحكم، وجهت له 11 تهمة كالتالي:

1.      إطلاق النار مع آخرين على مدرعة تابعة لقوات الطواريء في العوامية.

2.      إطلاقه النار، مع آخرين، على مركز شرطة العوامية مرتين، حصل في أحدها إصابة رجلي أمن.

3.      إطلاقه النار مع آخرين على رجال الأمن أثناء مداهمتهم لمنزل (عباس المزرع) للقبض عليه.

4.      مساعدته في إيواء وعلاج (مرسي آل ربح) بعد إصابته في مواجهات مع قوات الطواريء.

5.      حيازته سلاح ناري (كلاشنكوف) بدون ترخيص وبقصد الإفساد والإخلال بالأمن.

6.      توليه مع آخرين مهمة متابعة قوات الطواريء، لإبلاغ عصابته الإرهابية عند دخولهم لبلدة العوامية.

7.      اشتراكه مع آخرين بإنشاء مجموعة في أحد برامج التواصل (Zollo) للتواصل وتنسيق أعمالهم الإرهابية.

8.      مشاركاته في تجمعات مثيري الشغب في العوامية.

9.      تستره على مطلوبين أمنيا وعلى أماكن وجودهم وتجمعاتهم.

10.  تستره على مايرد لأفراد عصابته الإرهابية من دعم مالي.

11.   تستره على مجرمين يهربون الخمر، ويتاجرون في الخمر والأسلحة، وتستره على ما علمه من عزم بعضهم على ارتكاب جرائم اعتداءات وتصفيات فيما بينهم.

وحول قضية المحكوم زاهر البصري، فبحسب ماورد في بيان وزارة الداخلية، فقد أتهم بالمشاركة في التجمعات (المظاهرات)، وأعاقة عمل الجهات الأمنية من خلال التستر على مطلوبين، والخروج المسلح على ولي الأمر، وإطلاق النار على مركز للشرطة والدوريات الأمنية، إضافة إلى إستخدام الأسلحة ورمي قنابل المولوتوف.

أما مهدي الصايغ، فأوضح البيان أن التهم التي نسبت إليه، هي المشاركة في المسيرات، والسعي لزعزعة الأمن، إلقاء قنابل مولوتوف والمشاركة في عمليات بيع وشراء أسلحة، وتعاطي المخدرات.

هذه التحقيقات جرت في سجن المباحث وبواسطة محققين من المباحث، حيث تشيع أساليب التعذيب والإكراه، بينما تنص أنظمة السعودية، ووفق المادة الثالثة من نظام النيابة العامة، أن التحقيق من اختصاص النيابة العامة فقط: “تختص الهيئة وِفقاً للأنظِمة وما تُحدِّدُه اللائحة التنظيمية، بما يلي: أ. التحقيق في الجرائم”، مايعني أن التحقيقات جرت عبر جهة غير مختصة نظامياً، وإضافة لذلك فإنها مارست الكثير من التجاوزات والتعذيب.

إن المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان لم يتضح لها تحديداً، ماهي التهمة المباشرة التي بموجبها قامت الحكومة السعودية بقتل هؤلاء الأربعة، فبحسب بيان وزارة الداخلية الرسمي، لم يتضمن الإشارة إلى سبب محدد، فكان يحتوي تهما متعددة بعضها يتعلق بالمظاهرات وبعضها يتعلق باستخدام أسلحة، ومابينهما، دون التحديد بشكل مباشر للتهمة الموجبة للإعدام. كما إنه وبحسب القانون الدولي، بخصوص الدول التي لاتزال تطبق الإعدام، فإنه لايسمح به إلا في “الجرائم الجسيمة”، أو “أشد الجرائم خطورة”. وبحسب التعريف، فإن المقصود بأشد الجرائم خطورة هي تلك التي تؤدي مباشرة وبصورة مقصودة إلى الوفاة، وذلك وفق تعريف ورد في تقرير صادر عن الأمم المتحدة الفقرة 23. وبالنظر للجرائم المنسوبة للأربعة فإن أي منها لم يتضمن تهمة تتفق مع تعريف أشد الجرائم خطورة. لكن السعودية خالفت ما قالته في مجلس حقوق الإنسان في أكتوبر 2013: “إن عقوبة القتل لا تصدر إلا في الجرائم الأشد خطورة”، الفقرة 14 “Outcome of the review – Addendum 1” من تقريرها الدوري الشامل الثاني.

إعدام الشبان الأربعة تم أيضا، بتجاهل تام لكافة تظلماتهم التي تم إبداءها أمام المحكمة، وكذلك الخطابات التي رفعت في بعض حالاتهم لجهات داخلية عديدة، مثل خطابات وجهت للملك سلمان، ولوزير الداخلية السابق محمد بن نايف، ولمدير النيابة العامة السابق محمد العبدالله العريني، وكذلك لمؤسسات حقوق الإنسان السعودية الرسمية، والتي أكدت وقوع إنتهاكات عديدة وتعذيب. وإضافة إلى التعذيب، فقد طبقت الحكومة السعودية نهجا في منع حالتين من الحالات الأربعة على الأقل، من التواصل مع محامين في مراحل القبض والتحقيق وحتى بداية المحاكمات، التي افتقدت إلى مبادئ الشفافية والعلانية.

إن المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان تؤكد إن أحكام الإعدام التي نفذت بحق الشبان الأربعة، أنطوت على إنتهاك صارخ للقوانين الدولية، وكذلك لكثير من القوانين المحلية، كما إنها تشير إلى أن فترة الحكم الحالي لا تختلف عن الفترة السابقة بل برزت فيها انتهاكات وتجاوزات وخاصة في ما يتعلق بحرية التعبير وحق الحياة، وكذلك ليس لبعض مايتم إعلانه على إنه إصلاح أو تطوير في القضاء أو في الشؤون المتعلقة بنظام العدالة، مثل الإعلان في 17 يونيو 2017 عن (تعديل إسم هيئة التحقيق والادعاء العام إلى النيابة العامة) بأمر سام من الملك سلمان، إنعكاسات ملموسة على نظام العدالة. وقد تضمن أمر الملك الصادر بخصوص هذا التعديل، إعترافا منه بعدم وجود إستقلال تام في عمل النيابة العامة سابقا، حيث أفصح أن من أهداف التعديل منح النيابة “الاستقلال التام في مزاولة مهاما”، رغم ذلك تم تنفيذ أحكام الإعدام في المتهمين الأربعة، وفق تهم الإدعاء العام السابق، الغير مستقل تماما كما يُفهم من أمر الملك.

ترى المنظمة أن عملية الإعدام الجماعية والسرية، والتي لم يتم إخبار الأسر قبل تنفيذها، ولم يعرفوا إلا عبر الإعلام، تؤكد الإحتمالية الكبيرة لتنفيذ الحكومة السعودية المزيد من عمليات الإعدام بحق مواطنين ومقيمين، تبلغ أعدادهم قرابة خمسين معتقلا حاليا وذلك بحسب إحصاءات المنظمة، بعضهم أصبحت أحكام إعدامهم نهائية، على الرغم من المخالفات الصريحة التي تشوب المحاكمات التي تعرضوا لها، وعلى الرغم من تصريح الملك السعودي الذي لايمكن فهمه على نحو وجود إستقلال كافٍ لدى الإدعاء العام السابق، الذي يفترض معه في أقل الأحوال مراجعة الحالات المتعلقة بفترة المدعي العام السابق.

إن ممارسات الحكومة السعودية في قضايا الإعدام، تشير إلى تهميش السعودية لإحترازات العدالة، وإصرارها على نهج لايمت للعدالة بصلة. إضافة لإنتهاجها مؤخرا سلوكا يصنف على إنه تعذيب نفسي مستمر للأسر، وذلك بعدم تسليم جثامين عدد ممن أعدمتهم من المعتقلين السياسيين، أو بعض من تقتلهم خارج نطاق القضاء في الشوارع، وبناء على ممارساتها السابقة، يحتمل عدم تسليم جثامين هؤلاء الأربعة، مايرفع عدد الجثامين الغير مسلمة إلى أهلها إلى 14 جثمانا على الأقل.

أتى هذا الإعدام بعد 3 أيام من تصريح للملك سلمان أكد فيه: “أن الجهات الأمنية في المملكة تتصدى بحزم لكل من يعتدي على استقرار الوطن وأمن المواطنين، وسيحاسب كل من يحاول العبث بأمن واستقرار المملكة”، ولايبدي المسؤولين في الحكومة السعودية إهتماما حينما يتسبب موظفوا الأجهزة الأمنية بقتل المواطنين، سواء بالقتل خارج نطاق القانون في الشوارع أو التعذيب في السجون. كما إن تنفيذ هذه الإعدامات يأتي بعد حملات متعددة من التجييش في وسائل التواصل الإجتماعي، أحدها قيام أحد أفراد الأسرة الحاكمة بالتوعد بالقصاص، والتهديد، وكذلك برزت بعد تنفيذ هذه الإعدام حسابات في وسائل التواصل، تُعرف بين النشطاء على المستوى المحلي إنها تابعة لجهاز المباحث، بترويج اقتراب تنفيذ إعدامات أخرى، تشمل قاصرين مثل علي النمر وداوود المرهون وعبدالله الزاهر.

AR