مقرر الفقر يصدر تقرير زيارته للسعودية: تضارب بين الأقوال والأفعال ورؤية 2030 لاتنجح دون إشراك المواطنين في القرار

19 يونيو، 2017

أصدر المقرر الخاص المعني بمسألة الفقر المدقع وحقوق الإنسان تقريرا في 24 أبريل 2017، وعرضه أمام مجلس حقوق الإنسان في دورته الخامسة والثلاثين (6-23 يونيو 2017) تناول فيه زيارته إلى المملكة العربية السعودية التي قام بها من 8 إلى 19 يناير 2017، التي كان قد أعلن عنها في ديسمبر 2016. المقرر أوضح أن التقرير يهدف إلى تقديم صورة إلى مجلس حول حقوق الإنسان حول مدى إتساق سياسة الحكومة وبرامجها فيما يخص مكافحة الفقر مع إلتزامات البلد في مجال حقوق الإنسان، وتقديم توصيات بناءة إلى الحكومة وغيرها من الجهات.

الزيارة التي تعد الأولى لمقرر خاص منذ العام 2008 وثالث زيارة خلال العقود الثلاثة الماضية إلى السعودية، تخللها لقاءات مع مسؤولين حكوميين، وإجتماعات مع خبراء وممثلي مؤسسات حكومية، إضافة إلى زيارات ميدانية، كما أنها تكسب أهمية خاصة بسبب تزامنها مع إعلان الحكومة السعودية عن عدد من الخطط الإقتصادية بينها رؤية 2030 وبرنامج التحول الوطني 2020.وكانت السعودية قد مارست على مدى الخمسة عشر الماضية سياسة تجاهل لطلبات زيارة المقررين.

التقرير الذي صدر على هامش دورة مجلس حقوق الإنسان الخامسة والثلاثين اعتبر أن الخطاب الرسمي المتعلق بحقوق الإنسان في السعودية يتسم بالتضارب، فعلى الرغم من التصديق على عدد من المعاهدات الدولية الأساسية وعضويتها في مجلس حقوق الإنسان، فإن بعض السلطات لا زالت تميل إلى إعتبار حقوق الإنسان مفهوما غربياً، مشيرا إلى أن برامجها الإصلاحية لا ترتبط بإلتزاماتها في مجال حقوق الإنسان، حيث لا زالت السعودية تمارس الإعتقال التعسفي وتسجن المتظاهرين السلميين وتستخدم عقوبة الإعدام كما تمارس التمييز ضد الأقليات والنساء.

تقرير المقرر الخاص إعتبر أن الكثير من السعوديين يرون أن بلدهم خال من الفقر حيث لا يوجد مشردون وجياع، إلا أن ذلك يتنافى بحسب التقرير مع تعريف الفقر على أنه ظاهرة متعددة الأبعاد لا تقتصر فقط على الدخل والثروة، بل فيه عوامل أخرى مثل الوصول إلى الخدمات الأساسية ومشاكل التهميش والعجز. وأوضح التقرير أن قلة الإحصاءات ونقص المعلومات العامة إضافة إلى إنعدام الشفافية بشأن الفقر يطرح إشكاليات كبيرة، من حيث عدم إمكانية التعرف على طبيعة وحجم المشكلة، إضافة إلى أن ذلك يمنعها من إشراك المواطنين في الحلول.

التقرير أوضح أنه على الرغم من أهمية البرامج الإقتصادية والإجتماعية وبينها رؤية 2030، فإن المقرر لاحظ بقلق عدم توافر أي أدلة منهجية أو إحصاءات موثقة عن الفقر، التي تعد ضرورة لإتخاذ قرارات رشيدة ومستنيرة. كما شدد التقرير على أن برامج المساعدة الإجتماعية التي تديرها مختلف الوزارات والسلطات العامة والمؤسسات الخيرية تؤدي إلى وجود نظام حماية إجتماعية لا يتسم بالكفاءة وغير قابل للإستدامة ولا يوفر المساعدة الشاملة لمن هم في أمس الحاجة لها. وأوضح التقرير أن الخطط التي وضعتها الحكومة لا تشكل خطة شاملة لأنه لا يوجد خارطة منهجية تحدد مواطن الفقر أو أي تحليلات مفصلة لسمات الفقر في المملكة.

التقرير أشار إلى أن هناك تحديات لا زالت تواجه النساء وخاصة الأشد فقرا، في التمتع الكامل بحقوق الإنسان المكفولة لهن، بما في ذلك الحق في العمل والضمان الإجتماعي، وعلى الرغم من أهمية التطورات التي حصلت مؤخرا فيما يتعلق بتعليم النساء فإن الواقع يشير إلى محدودية فرص العمل لديهن، وهذا ما يفاقمه إستمرار منعهن من قيادة السيارة. وأشار التقرير إلى عدم مشاركة النساء الفاعلة في الحياة السياسية، وإقتصار قدرتهن على التعبير عن رأيهن على وسائل التواصل الإجتماعي. وكان البيان الختامي الذي أصدره المقرر في 19 يناير 2017، قد دعا إلى إحترام حقوق المرأة في حال أرادت السعودية إنجاح الإصلاح الإقتصادي، إلا أن الواقع إستمر في التدهور، فمنذ ذلك الحين بدات جلسات محاكمة الناشطة نعيمة المطرود، كما أعادت السلطات السعودية الشابة دينا علي إلى البلاد خلال سفرها إلى أستراليا طلبا للجوء.

التقرير شدد على أهمية إدراة مشاورات هادفة مع عامة الجمهور، وهذا ما رأى أنه سيكون صعبا في ظل منع الأحزاب السياسية وإنتخابات وطنية وفرض قيود على حرية التعبير، إضافة إلى عدم تعاون المؤسسات الرسمية مع المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية على الرغم من صدور قاتون لتنظيم ذلك. وإعتبر المقرر أن أهمية إستشارة وإشراك المواطنين في برنامج الإصلاح لا تقتصر على ما  يتعلق بحقوق الإنسان فحسب بل توخيا للتخطيط الجيد وسعيا إلى الحصول على الدعم اللازم. ولا زالت الحكومة السعودية، بحسب المراقبين الأممين، تعاقب المواطنين بتهم تتعلق بتأسيس منظمات وجمعيات، حيث يواجه مؤسسو جمعية حسم أحكاما مطولة بالسجن، كما يواجه كل من محمد العتبيبي وعبد الله العطاوي محاكمة معيبة على خلفية تأسيس جمعية.

المقرر أكد أن إستمرار الحرمان من هذه الحقوق، يكرسه عدم السماح للجمعيات غير الحكومية بالعمل في مجال حقوق الإنسان، وعدم تمتع الهيئات الرسمية المعنية بحقوق الإنسان بالإستقلالية عن الحكومة، إضافة إلى  تحجج المسؤولين السعوديين برغبات من وصفوهم بالعناصر الهامة في المجتمع لعدم تنفيذ إلتزاماتها بإحترام وتعزيز حقوق الإنسان للمرأة.

وحول أوضاع العاملات المنزليات المهاجرات، والعمال غير السعوديين الذين يشكلون جزءا من أفقر شرائح المجتمع السعودي وما يقرب من ثلث عدد السكان، فأوضح التقرير أن نظام الكفالة الذي يوصف على أنه نظام الرق المعاصر، يشرع عددا من الإنتهاكات، وخاصة بحق النساء، وأكد أن لا مؤشرات على أن الحكومة السعودية ستغير نظامها بشكل مجدي في المستقبل المنظور. وكانت المقررة الخاصة بأشكال الرق المعاصر قد إعتبرت في وقت سابق أن السعودية بلد يمارس العمل الإسترقاقي على العمال المهاجرين.

المقرر أكد أن السياسات الحكومية لا تتطرق إلى أهمية ضمان الحق في مستوى معيشي لائق بالنسبة لغير السعوديين، الذين يعيشون في البلاد وبينهم من يعيش في خيم أو في أطراف المدن مؤكدا على أهمية دعوة المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان للمهاجرين لزيارة المملكة.

المقرر إنتهى إلى أن المملكة العربية السعودية تشهد تحولا إقتصاديا إجتماعيا وثقافيا، أبرزها فيما يتعلق برؤية 2030، وهذا ما دفعه إلى حث الحكومة على إعادة تقييم سياساتها المتعلقة بمجال حقوق الإنسان ومكافحة الفقر مع المجتمع السعودي. كما شجع المقرر الخاص الحكومة على الإستفادة من زيارته بإجراء مناقشة مفتوحة مع الأوساط الدولية المعنية بحقوق الإنسان، وأن تنفذ ما وعدت به من دعوة غيره من المقررين الخاصين والمنظمات غير الحكومية الدولية المعنية بحقوق الإنسان غلى زيارة المملكة.

AR